هل سيتعاون العسكر في تفكيك المنظومة؟

 


 

 

 

ينتظر الثوار بفارغ الصبر الإعلان عن الحكومة المدنية التي تمثل رغبات الشارع وتطلعات الثوار، وهي مهمة سيقدر عليها تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير بجدارة مهما طال الانتظار. وينتظر حراس الثورة من الشباب أيضا أن تشرع الحكومة المدنية في تفكيك النظام ومؤسساته من أجل إرساء دولة العدالة والقانون والمساواة..

من ناحية أخرى تنظر الحركات المسلحة من بعيد، تبارك ثورة الشعب السوداني السلمية وتقف خلفها، ولكنها تضع الكثير من علامات الاستفهام حول مدى جدية العسكر وانفتاحهم لمشاركة هذه الحركات في عملية التغيير. والحركات تطالب بتغيير جذري لكل الأوضاع المائلة منذ ا لاستقلال. بتعبير عبدالعزيز آدم الحلو: العسكر دعوا الحركات للمشاركة في عملية التغيير دون تحديد الكيفية التي تبنى عليها هذه المشاركة الأمر الذي يدلل منذ البداية على عدم الجدية كمال قال في خطابه الذي بثه في الحادي عشر من أبريل بعد انقلاب القصر الذي قاده ابنعوف.

الحلو وعبدالواحد نور يشيران بوضوح لعقلية الصفوة التي تدار بها الأمور والتي سادت منذ الاستقلال حيث ظلت فئات عريضة من الشعب السوداني تعيش وضعية التابع وكمواطنين من الدرجة الثانية داخل وطنهم. يرى عبدالواحد أن لحظة الثورة الحالية هي اللحظة التي تستعاد فيها الوحدة الوطنية. لحظة يجب على الجميع فيها التضحية والتنازل عن الأنا الخاصة به لصالح مشروع الوطن الموحد على أساس التساوي دون أي تقسيمات وامتيازات دينية وعرقية ودون صفوة ترى في الآخرين تبع لها.
يفهم من كلام الحلو وعبدالواحد أن أمر مشاركتهما مرهون بنجاح الثورة في استلام كافة أوراق اللعب من المجلس العسكري وتكوين حكومة ذات نواجذ وأسنان تقرر وتنفذ دون قيود وتعمل على تحقيق عملية تغيير جذري تحقق الانصاف الكامل لكل المظلومين والمستبعدين من المشاركة طوال العقود الماضية. بمعنى آخر حكومة تعمل بصبر لا على تفكيك النظام فحسب ولكن مراجعة كامل المنظومة الاجتماعية المهيمنة وثقافتها الداعمة لعملية السيطرة والهيمنة التي ظلت تمارسها.

الواقع يقول بأن فرصة تشكيل حكومة مدنية بهذه القوة المطلقة أمر ضعيف الاحتمال لأن دور الجيش كما يبدو من قرارته ونهجه في التعامل حتى الآن هو الحد من جذرية عمليات التغيير الجارية وآثارها على الشرائح المهزومة من الإسلاميين وحلفائهم في الداخل والخارج. الإشارة للعامل الخارجي مهمة لأن محيط السودان الإقليمي بوضعيته السياسية الحالية المدعومة من أمريكا لا يرحب بأي عملية تحول ديمقراطي حقيقي. ورفض المجلس العسكري سحب قواتنا المحاربة في اليمن تثبت بوضوح علاقة المجلس الحالي بالسعودية والامارات ومصالحهما في المنطقة وعلى رأسها وأد أي عملية تحول ديمقراطي تؤدي لتكوين حكومات وطنية مستقلة القرار.

في هذه الاثناء تضيق قطاعات واسعة من الثوار بالبطء الشديد في عملية تفكيك النظام ومؤسساته والقبض على منسوبيه الذين قادوا عمليات القتل والفساد والافساد والبيع والرهن والاضرار بالمصالح القومية، ولكن طبيعة الطريقة التي تم بها التغيير، أي الطريقة غير العنيفة، رغم عدد الشهداء والجرحى الكبير، طبيعة التغيير التي نراها تجري الآن لم يهزم فيها المؤتمر الوطني نهائيا بشكل مفتوح. فما زالت العديد من المؤسسات تدار بواسطة فلوله. وما زال رموز النظام يحملون ما خف وزنه وغلا ثمنه ويتسربون عبر مطار الخرطوم، والمسئولية في ذلك تقع على المجلس العسكري الذي يعمل بوعي على فرملة سرعة التغيير لأنهم كأفراد وكشريحة جزء من النظام وتلوثوا بدرجة من الدرجات بوحله.

كما أن مطالب الانصاف الجذري التي تعود في التاريخ للوراء منذ لحظة الاستقلال التي يرفعها قادة الحركات المسلحة تصطدم بصعوبات بنيوية لأن ما يحدث في لحظة تاريخية بعينها لا يمكن اعتباره خطأ فيما بعد، والمطالبة بإصلاحه على هذا الأساس. لأن أي لحظة تاريخية يتم فيها اتخاذ قرارات كبيرة هي لحظة تقاطع طرق كان من الممكن اتخاذ أي طريق آخر غير الذي سلكه أصحاب القرار وقتها، مما يعني أن المطالبة بالعودة واتخاذ طريق آخر أمر غير ممكن. فكرة محبطة ولكنها واقعية.

ما يجب أن نفعله هو أن ننظر الآن لمفترق الطرق الذي أمامنا، ونعمل بالمعطيات التي لدينا على التعاضد لاختيار الطريق الذي نتوقع فيه بشكل جماعي أن يوصلنا لأفق أكثر رحابة من أجل تأسيس مجتمع عادل مقاسه في الحكم على الأشياء واتخاذ القرارات هو مسألة الحقوق والمساواة المطلقة بين السودانيين بعيدا عن العرق والدين والجهة وأي مكتسبات أخرى راكمتها فئة من الفئات.


ibrahimhamouda777@hotmail.com
//////////////

 

آراء