هل على نوبيي شمال الوادي الانتظار نصف قرنٍ أخر؟!

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى:(هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغٌ للناس


إستهلالة:
     يبدو أن على النوبيين في شمال الوادي الانتظار طويلاُ لتحل قضيتهم العادلة ؛ وربما إن لم يتم التحرك العقلاني الآن فهذا يعني أن إخوتنا هناك لم يتعظوا بما حدث في جنوب الوادي؛  ففينا  خيرعبرة بل وعظة آثار مدادها لم تجف حتى اللحظة والعاقل من اتعظ بغيره وتعلم الدرس قبل فوات الأوان؛  فها هي المؤامرات الصهيوأطلسية عبثت وما زالت تعبث بوحدة السودان فانفصل الجنوب وها هم مستمرون في صب الزيت على النار في دارفور فحركوا فيها الفتن بمزاعم التهميش والاضطهاد  ها قد كانوا في الشرق الذي خرج لتوه يضمد جراحات  طعناتهم ؛ وما زال العمل التآمري يجري على قدمٍ وساق في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان والهدف من وراء كل ذلك ليس بالخفي لا على أهلنا في مصر ولا على أهليهم في جنوب الوادي ؛ الهدف هو محاصرة مصر الريادة من خاصرتها وعمقها الاستراتيجي الطبيعي؛  ومن أهم مسببات ترجيديا مؤامرة تمزيق السودان هو غياب مصر واستلاب دورها فأصبحت مصر في عهد مبارك تغط في غيبوبة أدّت إلى تجرؤ تلك القوى الصهيوأطلسية المتربصة بالأمن القومي العربي على التآمر بأمنها المائي وقد كانت إذ ذاك مستمرة في في غيبوبتها بسبب قيادة عميلة للصهيونية والمحافين الجدد في أمريكا.
المتن:
     أعتقد أنه  يكفي نصف قرنٍ من الزمان منذ أن هجر أهل النوبة من أراضيهم على ضفاف بحيرة النوبة ؛ أناس مسالمون لهم ثقافتهم وتقاليدهم وفنهم وجذورهم الضاربة في عمق التاريخ ؛ رحلوا تملأ نفوسهم الحسرة  والمآقي تذرف دموع الحنين لأن مواطنيهم الآخرون لا يتفهمون ماذا يعني البيت ذي الحوش إنه رمز ترابط وتواصل وتكافل الأسر الممتدة أي أسر تتكون من ثلاث أجيال فأكثر .
      غادروا مهد الأجداد ؛ مثلما هُجِّروا من حلفا في جنوب الوادي ويوم ودعوا نخيلهم بالنحيب والعويل فأقاموا مجالس عزاء لمأساتهم في صفحات تاريخهم لتروي لأجيالهم القادمة ظلم الانسان لأخيه الانسان ؛ ودعوا عزيزَ نحيلهم الذي لم تبق إلا هاماته فوق سطح نهر النيل  حتى يُحلِّد  التاريخ مأساةً انسانيىة وجرح غائر مهما اندمل تبقى آثاره شاهدة على تراجيديا التهجير ؛ لقد انتزعوا من  جذورهم وهم يلعقون مرارة غصة الوداع والتهجير إلى أرضٍ لم يألفوها ؛ فتقبلوا الأمر الواقع بطيبتهم ونفوسهم المتسامحة المعطاءة وذلك من أجل مصر حتى تحولت بحيرة النوبة التاريخية إلى بحيرة ناصر فما اعترضوا على التسمية التي انتزعت عنوان اصولهم وجذورهم ؛ وقالوا أن ناصر قائد ثورة وزعيم أمة فلا ضير من هذا المسمى الذي فرض دونما مشورة معهم .
     شخصياً استبشرت خير بثورة 25 يناير  التي غيرت وجه التاريخ في مصر الحبيبة ؛ وذلك من فرط حبي لكنانة الله مصر وهي تستشرف فجراً جديداُ من العزة والكرامة ؛ كذلك فرحتي العارمة والتي لا توصف لأنها عادت إلى حضن أمتها والعود أحمد ؛ وبعودتها كأنما رأيت مصر لأول مرةٍ ؛ رأيتها تزدهي في حلة الريادة فتتقدم الركب رائدةً في محيطها القومي العروبي الاسلامي ، ولخوفي من الفتن والمكائد التي تحاك ضدها من أجل إعادتها للوراء ولاستمار اقترعها من جذورها ولمسخ دورها وريادتها وتجريدها من قيادة العالم العربي حتى تصبح تابع لتؤدي دور حرس الحدود لإسرائيل كما فعل بها قادة الاستبداد ورجال أعمالهم الذين أفسدوا وأثروا وتربحوا؛ أرادوا بيع كل شيء حتى نووا على بيع كرامة الشعب الذي صبر ؛ فلما بلغت الروح الخرطوم أدرك الشعب أن كرامته  في خطر وهي كل ما تبقى له بعد أن اسولوا على كل مقدراته ورهنوا سيادته ؛ فإذا به وقد اوقف الطغاة في حدودهم  فانتفض وزلزل الأرض تحت أقدام أركان ذاك الحكم الذي كبل الشعب وأفقره ؛ فمصر يناير 2011 هبت كالمارد الذي كسر قيده وخرج من قمقمه وصرخ في ميدان التحرير منتفضاً فأرعبت صرخته إسرائيل فأهتز كيانها المصطنع وحماتها فحاولوا اسعاف الرئيس المخلوع مبارك ولكن كانت غضبة الشعب فوق كل حماية وتآمر لإبقاء حكم مبارك العميل لهم!!.
     لم تجدِ محاولاتهم اليائسة في اختراق ثورة الشباب ؛ فلم يجدوا غير فلول وبقايا تاه ضميرها وحسها الوطني فبدأوا اللعب في الخفاء وتنشيط استرتيجية " الفوضى الخلاّقة  وذلك بالإيعاز لخلاياهم النائمة في شكل منظمات مجتمع مدني ومراكز دراسات وفلول النظام البائد من السَرَقَةَ واللصوص لتحريك الفتن الطائفية والاثنية. فمنذ صدور القانون  الأمريكي معاقبة الدول التي قيل أنها تضطهد الاقليات الدينية بدأت أمريكا بتحريض الأقليات الدينية والعرقية والطائفية بل وتمويلها لخلق بؤر نزاع في كثيرٍ من الدول العربية والاسلامية منها السوان ومصر على وجه الخصوص والهذف محاصرة مصر من خاصرتها ولا يخفى الايادي الخفية التي تلعب بوحدة نسيج الشعب المصري فظهر صوت أقباط المهجر وحاولوا توظيف قضية النوبيين في مصر ولكنهم لم يبلعوا طعم الفرقة ومع ذلك لك تتحرك الثورة في شمال الوادي بالزحم الذي  يطفيء نيران الفتنة في مهدها؛ أخاف أن يتأخر الوقت  وعندها فليتذكر إخوتنا ماذا حدث ويحدث في السودان ؛ بالرخم من أنه لغياب مصر في عهد مبارك  فاصبحت معزولة عن محيطها وعن توأمها ، لقد كانت في عهده تعيش في غيبوبة التوريث لأن ورثة الحكم أرادوا أن يتناهشوها .. فهيهات!!
الحاشية:
     لقد تزايد استخدام ورقة الأقليات للضغط على الدول والشعوب ومنها الدول العربية والإسلامية بطبيعة الحال والتي لا تكاد تخلو دولة منها من أقلية ما والتي استطاعت خلال عقود بل وخلال قرون من العيش جنبا إلى جنب وأحيانا في مستويات أرقي من مستويات المسلمين أنفسهم واحتلت الصدارة في أماكن وأزمنة معينة،غير أن ضعف هذه الدول من جهة وتزايد أطماع الدول الكبرى المهيمنة من جهة أخرى جعل جعلها في مرمى هذه الدول المهيمنة بحجة التدخل الإنساني لحماية الأقليات المضطهدة والدفاع عن حقوقها المهضومة وهذا ما يلاحظ جليا في كل من العراق والسودان ولبنان وإندونيسيا وربما في دول أخرى وفي ضفة أخرى من العالم العربي والإسلامي حسب ما تقتضيه مصالح وأجندة الدول الكبرى المهيمنة هذه.
     إن الدول الكبرى استخدمت أسلوب حماية الأقليات ذريعة لبسط سيطرتها الاستعمارية على العديد من الدول والمستعمرات مثل تدخل الدول الأوربية الاستعمارية في شؤون الدولة العثمانية والدويلات الملحقة بها آنذاك، وهكذا فإن سياسة القوة والعلاقات الدولية كانت دائمة في حالة ابتكار لمفاهيم ومصطلحات جديدة تضيفها إلى قاموسها، بحيث أصبح حق التدخل بدلا من مبدأ عدم التدخل من المظاهر الواضحة في السنوات التي أعقبت طي صفحة الحرب الباردة حيث أن غزو بنما سنة 1989م كان فاتحة لنمط جديد في السياسة الدولية إضافة لما حصل في شمال العراق بعد حرب 1991م، وكذلكما حصل في الصومال وما حدث في البلقان(البوسنة والهرسك)عام 1995م وفي كوسوفو عام 1999م ومقدونيا عام 2001م،

هامش:
     على إخوتنا في شمال الوادي وبدافع من الحب أدعوهم للتأما فإن مجرد رفض فكرة التأمل والنظر للتعددية الثقافية والدينية واللغوية والعرقية كحقيقة اجتماعية والتي يجب التعامل معها بجدية وبنظرة السلطة المنغلقة على واطنيها لا يمكن أن تعطي نتائج ملموسة على المستوى السياسي إلا إذا كان المنهج السياسي المتبع مصاحبا بانفتاح وتعقل وتفهم يكفي بوضع المسألة في إطارها اللازم لأجل معالجتها على أساس من المساواة والعدل والحرية واحترام الآخر وهذا هو الكفيل بتحقيق الاستقرار وتحصين الدول في وجه التفتت واللاستقرار وعلى العكس تماما فكلما افتقد المنهج السياسي القدرة على التأقلم والتغيير في نفس اتجاه المجتمع واتجه نحو الانعزال والانغلاق والتعصب مضربا عن إيجاد القواسم الجامعة لاستيعاب كل أبنائه كلما ترتب على ذلك آثارا سلبية تزعزع الاستقرار داخل المجتمع وتخلق حالة من الفوضى، خاصة مع دعوات الإثارة وتسييس بعض المطالب الداخلية للأقليات وإعطائها بعدا دوليا يسمح للقوى الخارجية ذات المصالح بالتدخل باسم المعاهدات والاتفاقيات المختلفة ذات الصلة بموضوع الأقليات، وكلنا مدرك أن التذرع بهذه الاتفاقيات والمعهادات هي كلمة حق يراد بها باطل ، إنه الاستعمار الجديد فقد خرج من الباب في فترة التحرر من ربقة الاستعمار وعندما كان العالم يتكون من قطبين ؛ أما اليوم فهو عادلم أحادي القطب  ؛ استعمار أسوأ من الاستعمار القديم ؛ فها هو يدخل عبر النوافذ بدلاً من الأبواب.. استعمار متوحش وكاسر ولكنه يرتدي رداء حقوق الانسان وحماية الاقليات .. ورغم أن نوبيي شمال الوادي وتعدادهم يفوق اثنين مليون مواطن مصري نوبي يرفضون أن يعتبروا أقلية بل جزء من النسيج المصري الواحد إلا أنه لا يمكن التسليم بأن أي قلة مجموعة عرقية قد لايكون ممكناُ تحصينها من اختراقات  الخارج وأيادية الخفية ؛ فها هو السودان وجنوبه ؛ وها هي اندونيسيا وتيمور وها هي الصومال وبونتلاند.. فكروا أيها الأحبة في شمال الوادي وتحركوا قبل أن يأتي التحرك متأخراً مثلما جاء التحرك كتأخراً مع دول حوض النيل  جتى جاءت الثورة فبدأت ترمم آثار الأخطاء الفادحة لنظام ما يظنر أبعد من تحت قدميه فما كان يهتم بمستقبل الأجيال القادمة ولا حتى تخيل كيف يكون حالهم وهم يعانون ندرة الماء الذي خلق الله منه كل شيء حي ؛ فمطالب أهالي النوبة ليست تعجيزية و لا مستحيلة وكأنما ننتظر إعجازاً لحلها!!
     قال ربنا تعالى في علاه في محكم التنزيل{ ةاعصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}...الآية
abubakr ibrahim [zorayyab@gmail.com]

 

آراء