هل يتعلم البشير محاربة الفساد من الصين- أم سيترك ( المغادرين) بلا محاسبة؟

 


 

 

صدر يوم الخميس الرابع من يونيو الجاري حكم بالسجن المؤبد على ( زهاو يونكانق) عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.. و رئيس جهاز الأمن القومي الصيني.. بتهم  الرشى و افشاء أسرار الدولة.. و كان السيد زهاو شخصية مهابة.. و مكروهة في نفس و الوقت على المستوى العام في الصين..

و تعتبر محاكمة زهاو رسالة يبعث بها الرئيس الصيني ( تشي جينبينق) تؤكد عدم احتماله الفساد داخل الحزب العريق.. و تؤكد  كذلك أن الحملة ضد الفساد حملة جادة لا لعب فيها.. و يُعتقد أن المحاكمة تعضد سلطة الرئيس تشي جينبينق أكثر و أكثر..

و أوردت وكالة الأنباء الصينية ( تشينخوا)  أن المحاكمة تمت في غرفة مغلقة  في مدينة ( تيانتجين) على بعد 80 كيلومتر جنوب بكين.. و أضافت أن زهاو، و عمره 72 سنة، قد اعترف بارتكابه جرائم الرِشى و إفشاء أسرار الدولة و استغلال السلطة.. و أنه لا ينوي استئناف الحكم.. و تبلغ الرشاوي المتهم بها زهاو حوالي 21 مليون..

و يعتقد ( تشينق لي)، من معهد ( بروكينقز)، أن اتفاقاً ربما تم بين زهاو و السلطات المعنية لاختصار مدة الحكم مخافة تطويل جلسات القضية و كشف الكثير من ( المستور)..! و بحسب القاضي فإن معظم مبالغ الرشى تسلمته  زوجة زهاو  و ابنه..!   
 

إن مبلغ 21 مليون دولار مبلغ ضئيل للغاية بالنسبة إلى بلد يبلغ الناتج الاجمالي المحلي فيه     9,469,124 ( تسعة تريليون و أربعمائة و تسعة و أربعين مليار و  مائة وأربع و عشرين مليون دولار ) - حسب إحصاءات البنك الدولي للعام 2013- أي أن نسبة المال المسروق لا تتعدى نسبته  0.0022 % من الناتج القومي الاجمالي.. 2 في الألف تقريباً..

هذا و قد صدرت أحكام سابقة على حلفاء زهاو و منهم رئيس الحزب السابق ( بو تشس لاي) ذي الشخصية الكاريزمية و الذي حكم عليه بالسجن المؤبد.. و الجنرال ( تشو كايهو).. و الذي توفي بالسرطان في محبسه قبل الحكم عليه.. و آخرين..

 
و ربما تساءل بعضنا  عن كم تبلغ نسبة أموال الرشى و الأموال المنهوبة و المهربة من قبل المتنفذين السودانيين ( و أبنائهم و زوجاتهم) قياساً إلى الناتج القومي المحلي السوداني البالغ 66,566 مليار- حسب إحصاءات البنك الدولي للعام 2013-.. و إذا علمنا أن ما يربو على ال 7 مليار دولار قد تسرب إلى ماليزيا، فإن النسبة تفوق ال 10%.. و هنا تتضح فداحة ما خسره السودان من لصوص الانقاذ المغادرين مجتمعين.. هذا عدا المبالغ المهربة إلى البنوك الأوروبية و الخليجية..

 
و قد وعد الرئيس البشير أنه سوف يكون حرباً شعواء على الفساد.. لكن السؤال هو: هل سيركز حربه على القادمين الجدد.. و على الواقفين في الصفوف في انتظار الاستوزار.. و يترك المتنفذين المغادرين بلا تدقيق لإقرارات الذمم المضروبة باعتبار ما فات فات.. و كل ما هو آتٍ آتْ.. أم أن حربه ستشمل الكل لاستئصال الفساد من شأفته..

 
إذا كان لا بد من استئصال الفساد من شأفته، فلا بد من تحريك قضية قضايا كثيرة و على رأسها قضية أراضي مكتب الوالي.. و استقصاء آثار الجريمة و جميع أركانها.. متنفذين و ( تاكل عيش).. بلا رحمة و لا مجاملة..

( هؤلاء) منهم من بنى قصوراً و فنادق في الخارج.. و منهم من لديه و لدى أبنائه شركات في ماليزيا..و منهم من لديه و لدى أبنائه حسابات في البنوك الخليجية و الأوروبية.. فليُسألوا عن متى تحصلوا على كل ما تحصلوا عليه من أموال و ممتلكات نقدية و عينية.. أ قبل أم بعد تولي المنصب..؟ أم أن لدى المتنفذ مصادر دخل غير الوظيفة الدستورية أو التنفيذية..؟ و يتوجب تقصي شبهات التَعارُض بين المصلحة العامة و مصلحة مصادر دخول المتنفذين الآخرى..؟ علماً بأن نظام الانقاذ يتعامل بنظام الجمع بين وظيفتين أو أكثر لتأمين رفاهية متنفذيه .. و يؤمن بالرجال الخارقين فيمكنهم من معظم مجالس إدارات الشركات ( الخاصة) و الشركات العامة التي هي في حقيقتها خاصة جداً جداً.. يدخلونها بسلام آمنين..

 
ماذا سيفعل البشير مع نظامه الذي ظل يقنن مثل ذاك الفساد؟ و ماذا يفعل مع ( عيال) الحركة الاسلامية الذين شبو عن الطوق.. و تفتحت عيونهم على خدمة مدنية مهمتها ( تمكين) كل من ينتمي إلى النظام؟ لا يمكن إصلاح هؤلاء ( العيال).. و أعوادهم قد ( تيبست) معوجةً للآخر .. و هم واقفون الآن على الصف في انتظار قطار الاستوزار.. و الوظائف الدسمة..

 
سبق و أن ملأ التنفيذيون و الدستوريون وبعض النظاميين استمارات اقرار الذمة.. و من المنطقي أن تكون الجهات المعنية محتفظة بها، حتى إذا ما ترجل التنفيذي عن السلطة، قامت الجهات تلك بإخراج الاستمارات من الأضابير توطئة للمقارنة بين ما كان في حوزة التنفيذي ( المتنفذ) من ممتلكات نقدية و عينية قبل الوظيفة المرموقة، و ما بحوزته بعد تركه المنصب.. و من ثم القيام بإجراء عمليات حسابية ( متخصصة) للكشف عن الزيادات في الممتلكات بعد العزل.. و هل هي زيادات منطقية.. أم فيها انحراف عن منطق الأرقام ( الذكية) بعد العزل.. حتى لا يكون اقرار الذمة في وادٍّ و منطق الأشياء في حفرة.. فالذي يحدث أن المتنفذ تنتفخ أملاكه، بعد التوظيف و تتوسع ممتلكاته و أرصدته من العملات الصعبة في الخارج.. و العبث يمضي في دروب الانقاذ لا مبالٍ بأي ذمة و لا بأي إقرار.. و الشعب السوداني يغني:- ( بعاين.. بس بعاين بعيوني!)..

إذا كنت جاداً في حربك على الفساد، أخي البشير، فابدأ بمكتب الوالي المغادر.. لأن القضية واضحة أمام الرأي العام.. و إلا، فالجدية التي أظهرتها قد تخذلها الإرادة.. و سوف يتمخض جبل وعدك الرئاسي عن فئران و ( جقور).. و نكاد نرى العهد و الوعد يأخذان طريقهما إلى الأرشيف لتأريخ إنجازات نظام الانقاذ..
osmanabuasad@gmail.com

 

آراء