كل الشواهد تقول بأن أعضاء المجلس العسكري لم يستولوا على السلطة انحيازا لجانب الشعب وثورته المجيدة ، لكنهم لما تأكدوا بأن الإنقاذ تمر بلحظات الاحتضار الأخيرة، خانوا الملح والملاح، واستولوا على السلطة حماية لأنفسهم من المحاسبة باعتبارهم من رموز ذات النظام الذي ثارت ضده الجماهير..
لما كان أعضاء المجلس العسكري يدركون أن استمرارهم في السلطة بالوقوف لجانب الثورة، لن يكون في مصلحتهم، لأن المحاسبة ستطالهم في يوم ما، لذلك وجدوا انفسهم في ورطة، لا الى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فأصابهم الارتباك، فأحيانا يصدرون قرارات لصالح شعارات الثورة، وأحيانا أخرى يصدرون قرارات من شأنها تكريس أوضاع النظام البائد، فأصبح سلوكهم وما يقولونه في مؤتمراتهم الصحفية، بعيدا عن الفعل المسؤول، الراشد الحكيم، الذي يجب توافره في من وضع نفسه موضع مسؤولية، بحجم المسؤولية الوطنية التاريخية الضخمة، الملقاة على عاتقهم.
الآن إذا ألقينا نظرة اكثر عمقا لما يجري، نستطيع القول بأن المسألة تتجاوز كونها مجرد إرتباك ، فالطريقة الخبيثة التي يدير بها المجلس العسكري ملف هياكل وآليات الحكم الانتقالي، فيها مماطلة متعمدة لأمر ما يدبره المجلس في العلن والخفاء، أو أن المجلس لا يملك أمر نفسه وأنه مجرد واجهة لجهات أخرى تدير البلاد من مخبأها السري.!!
مما يحكم الخناق حول مصداقية المجلس العسكري، خبر هروب شقيق الرئيس المعزول وتصريحات السجون بأنه أصلا لم يكن ضمن المتحفظ عليهم، علماً بأن الناطق باسم المجلس العسكري سبق وأن أكد بأنه متحفظ عليه.!!
كذلك مما يبعث على المزيد من التوجس وفقدان الثقة في المجلس العسكري، قيام البنك المركزي بفك تجميد حسابات منظمة الشهيد والجهات والشركات التابعة لها، بناء على توجيه من المجلس العسكري، علما بأن ذات المجلس سبق وأن أصدر تعميما بتجميد حسابات بعض الجهات، من بينها منظمة الشهيد.!!
الجميع يعلم أن منظمة الشهيد من المؤسسات الأمنية العسكرية الموازية للمؤسسات الرسمية، وقد أنشأها المؤتمر الوطني لأجل رفده بالمال وحماية النظام، وهي تملك العديد من الشركات والأموال والاستثمارات الضخمة القائمة على المتاجرة في العملة وتهريب الذهب واستباحة مؤسسات الدولة والمال العام.
الجميع يعلم أن منظمة الشهيد وصندوق دعم الطلاب وما شابههما، هي من المؤسسات التي تفرخ وترعي كتائب الظل التي هدد بها على عثمان الشعب، وقد قامت بدورها في قتل المتظاهرين، لكن الثوار هزموها بسلاح السلمية، غير أن المجلس العسكري وحتى الآن لم يصدر قراراً بحلها.!!
ما أوردناه بالإضافة لقرارات وإجراءات أخرى أصدرها المجلس العسكري، تصب في ذات الاتجاه، يجعلنا نسأل : هل تعيش بلادنا انقلابا عسكريا لا ينقصه الا البيان الأول!؟
ان الإجابة على هذا السؤال وتوضيح الحقائق حول سلوك المجلس العسكري، أهم من الدخول في مفاوضات الإعلان الدستوري، فالأزمة بين تجمع المهنيين وقوى التغيير من جانب، والمجلس العسكري في الجانب الآخر، هي أزمة ثقة قبل كل شيء، ويعمق من هذه الأزمة طريقة الفريقان شمس الدين وياسر في الحديث والإجابة على الأسئلة، والتي تنتهج ذات طريقة رجال المؤتمر الوطني، التي تقوم على أعتقاد أنهم الأكثر ذكاء من كل أفراد الشعب.
الفريق أول عبد الفتاح البرهان مرشح لدخول تاريخ الوطنية من أوسع أبوابه، فهو يحظى باحترام وثقة نالها من واقع تواتر الأنباء الإيجابية، التي تذكيه ليكون جديرا بتولي موقعه الحالي في هذه الفترة العصيبة بالغة الحساسية والتعقيد، في تاريخ بلادنا، لذلك عليه تأكيد ما يجعله عند حسن ظن الشعب فيه، بأن يعقد مؤتمرا صحفياً عاجلاً، ليضع النقاط على الحروف.