وتموت الدولة كذلك بمكر السياسة على العلم وحملة راياته

 


 

وجدي كامل
8 October, 2021

 

قد تبدو الحياة المعاصرة في هذه الاثناء امام صمت مفتوح و منعرج حاد لافساح لغة مضادة ينبغي عليها اجادتها لتنجو بنفسها من هلاك آزف. هنا مأزق الانسان المعاصر الذي يتشقق بتفاعلات جائحة الكورونا ومكابدات تنمرها المجتمعي والاقتصادي بما تهيئه من بيئة مناسبة لحدوث انهيارات متوالية فلا ينشط الانسان سوى فى تخفيض عروض حيوية سلطته وتجبره ورفع عقيرته كما كان يفعل من قبل ذلك.
ايا كانت التاكتيكات او الجبريات من وراء موقف الانسان فان اصابة كوفيد ١٩ للدول الصلبة القواعد، المتينة في هياكل تطورها الاقتصادي وما تتخذه من تدابير وقائية وتعويضات مالية تقي ضد الافلاس المطلق لبعض الشرائح فان ما تدفعه من فواتير مكلفة في فقدان الارواح و قد بات يعني وبدون شك ان العالم الاقل تحضرا و منعة من حيث النظم الاقتصادية والصحية غير قادر على مجاراة مستحقات الجائحة رغم الحزم التحفيزية التى قدمتها بعض البلدان لمواطنيها جراء اتباع سياسات الاغلاق والتباعد الاجتماعي واغلاق المدارس وتخفيض التفاعل الفيزيائي بين العاملين بسبب السياسات الاجتماعية الرخوة ورسوخ ثقافة اجتماعية ضاربة الجذورفي اعتمادها على الاقتصاد والاجتماع الفيزيائيين. لذالك فقد اختارت تلك المجتمعات مواجهة الجائحة باللا اكتراث و التقليل من خطورتها كسياسة تملا تعبيرها من اقتصاديات مريضة فاقدة للنظم التشغيلية غير معتمدة على مستخلصات الثورة المعلوماتية والتكنولوجية و اهداف بناء مجتمعات المعرفة والعلم.
فازمة انسان المجتمعات النامية او تحت التنمية تتغذي بصفة نشطة ودائمة من مرضعات الثقافة ورعاتها من مؤسسات اجتماعية مؤيدة بصفة اضافية لتتماهى معها فيصبح الانسان تحت قصف ثنائي متلازم ومتواطئ يعقد عليه مهمة الخروج من قفص الجائحة اللعينة وعلاقاتها المشتبكة مع حقائق البناء الحضارى الهش وتراجع التربية المدينية العاطلة عن الاعتماد على نتائج العلم واتخاذ ذهنيته كاداة لمعالجة شؤون حياته. فالتلاميذ والتلميذات الذين تتعرض مدارسهم للاغلاق والعاملين في القطاع العام الخاص لا يمنعهم الاجراء الاحترازي من ممارسة التقارب الاجتماعي في بيوتهم واحيائهم وممارسة حياتهم بالنحو الاعتيادي في السراء والضراء فلا تقل اعدادهم بنقاط التسوق او ملأهم لصحون المركبات العامة والتلاصق على مقاعدها. بل صرنا نشهد على صدور الاحتجاجات الفئوية ضد سياسات الغلاق بدعوى الضرر والتضرر الاقتصادي منها.
فاذا كانت كوفيد 19 قد قلصت الفروق الهائلة بين المجتمعات في تشابه النهايات و مقادير فداحة الصدمات بالتاثيرات التى انتجتها على مختلف الاصعدة فانها لم توفر اي درجة من التقارب او التشابه الهيكلى بين دول تلك المجتمعات في مستويات الخدمة الاقتصادية للدولة وممارسة الغطاءات المالية لهم.
فالدول الراسمالية المتقدمة في مضمار الانظمة الصحية وفي غمار مكافحتها للجائحة والحفاظ على حياة من تبقوا من مواطنيها حملت على عاتقها مهمة البحث عن سبل الحفاظ على الحياة بتكاليف مضاعفة بالمقارنة مع ما سبق من خدمات كانت تقدمها للمجتمعات الاقل نموا بتوفيرها اللقاحات و وصفات الحماية الضرورية دون ان تستطيع اطلاق القول بانها فعلت ذلك بالمجان او لاجل سواد عيوننا بانفصال عن تصاعد هاجس تدوير راس المال ومراكمته . فالراسمال وجد نفسه امام مهمة انقاذ حياة انسانه العالمي الممثل في كل سكان الكرة الارضية ومنهم سكان المواقع الاضعف تطورا حتى يعطي نفسه فرصا جديدة للحفاظ على قوى الانتاج ومصادر الطاقاته للاستثمار واعادته في الازمة الطاحنة بتفعيل مؤسسات البحث الطبية وفتح المنافسة بين كوادرها للوصول الى نتائح فعالة ظاهرها اسكات اوجاع الانسان وباطنها تحقيق الارباح غير المسبوقة.
ازاء مشهد كذلك تعيد الراسماليات العتيقة ترميم ابنيتها لاكتساب عافية جديدة وحصانة مستقبلية في مقابل مجتمعات تفقد كل شىء بما يصيبها من دوار كاختبار لا تقوى على ملحقاته السياسية. فالدوار في بلدان كبلداننا لا يخطف الدولة بل يصيب الثقافات الاجتماعية مباشرة ويضعها امام خيار واحد فقط في ان تستجيب للتغيير او تغرق في الزوال المتدرج.
هنا تتأكد خيبة استثمار الدولة العالمثالثية التاريخية النمطية في الانسان والتنمية البشرية التي تركتها لعوامل الصدف والتبعية في التطور المتعاكس مع متطلبات ثقافة التجديد والابتكار وخاصة في المحركات الاقتصادية و نظم الاقتصاد والتعليم والاعلام البالية التي خرجت علينا بها من فكرة وثقافة السياسة المؤسسية التي ترى في مصالح بقائها اولوية القصوى على مصالح البشر من مواطنين. فنتائج البحث العلمي والرصد تكاد ا تقول حتى الان شكرا لكوفيد ١٩ التي عرت الدولة الفاشلة والعالقة وجردتها من الاحجبة الكثيفة التي عملت على تغطية عوراتها بها طيلة ما بعد الاستقلالات السياسية.
فمع اطلالة كل صباح تتفاقم اخطاء السياسة والسياسات بعدم ايلائها الاهتمام المطلوب للتنمية البشرية. فبدلا من مساعدة البشر على بناء الوعى بالعلم ونتائجه لمجابهة تعقيدات الحياة والانتصار على اختباراتها الوعرة المرعبة ذهبت الادارات السياسية في الانظمة السياسية الشمولية والديمقراطية معا ببلد كالسودان في مهمة استغلال الوعى وتزييفه بمدخلات و مخرجات السياسة غير المنتبهة لتنمية انسانها الذي عثرت فيه كانموذج وموضوع للتدمير فقط بدلا عن التعمير.
هكذا يبدو المشهد الواقعي للحياة المعاصرة ببلدان أفريقيا والعالم العربي وبلد كبلدنا السودان وكانه مشهد المتاهة العظمى الذي لا يضع حسابات الزمان والمكان وعلاقات التطور المشتركة بينهما في محتوى الوعى القائد فلا تضحى اداراتها بالتالي بجزء من المستقبل لصالح تضخيم ارصدتها البائسة، بل بكل المستقبل الذي تستهدفه حياة اجيال جديدة ثارت ضد الانظمة السياسية لا لتغيير قادتها ورؤوسها ولكن لتأسيس الحياة الجديدة الجديرة بالعيش.
فمؤسسة الدولة وفي تحالفها الخفي المتواطئ مع الراسماليات المتوحشة تستولي على حقوق دافع الضرائب وتستبيحها بعدم انشاء الكوابح الصحية والمعرفية العلمية اللازمة حتى يتحصن ضد الكوارث وامراض الزمان فتتحول الى نباتات ظلية تحمي انفسها بالتطفل وطلب الاعانات من الراسمالية المؤسسة التي تختطف وفي واقع الحال الدولة التابعة دون ان تتبع الاخيرة نظم الرعاية الصحية واعادة المستقطع من ضرائب لمواطنيها بالنحو العادل النزيه. وكمثال فان خدمات الدولة العالمثالثية ومنها دولتنا لا تعيد للمعاشيين كشريحة معرضة للموت المباشر جراء الجائحة حقوقها من مستقطعات الضرائب التاريخية التي جمعتها منها طيلة فترة ادائها لاعمالها وخدماتها الجليلة للدولة بواقع القيمة الحقيقية المستحقة. يدفع العاملون الاجراء طيلة مراحل وفترات عملهم اموالا تصبح بلا قيمة عند استرادهم لها في مرحلة المعاش بحكم تدهور قيمة العملات الوطنية وتجريد الاقتصاد من طاقاته وتحكماته. والدولة وعبر ادمانها العمل على تطبيقات الاستغلال البشع لمواطنيها تحافظ على الوعى الاجتماعي المنخفض بسبب عدم التطوير الثقافي وترقية مهارات العيش وسبله لتبقي على الاقتصادات المتخلفة في الارياف والمدن وبحيث تعتمد اكثر على الانشطة الطفيلية بدلا عن النظم الانتاجية. فاذا كانت سياسات الاغلاق وبرامجه قد اصابت عائدا ايجابيا في المجتمعات المتحضرة فان سبب ذلك قد تلخص في توفر الاحتياطيات المالية المنقذة لتقاصر او انخفاض دورات العمل الاقتصادي الطارئة وتفعيل التأمينات الاجتماعية والصحية لتغطية العجز الضارب بعجلة الانتاج. اما في بلدان الانتاج التجارى الطفيلي قان الدولة لا تستطيع السيطرة على العمالة والاسواق والعاملين بفلكها بحكم تسيد نظام الاقتصاد غير المنتج زراعيا وصناعيا بالنحو الذي يسمح بتغطية تكاليف العجز عند حلول الكوارث.
ان دولتنا لما بعد الاستقلال السياسي الى الآن امام مفترق طرق، وعليها اعمال بحثها النقدي في مكوناتها بغرض اعادة تربية وتكوين العقل السياسي النازع بمؤسساته لاخذ السلطة واستثمارها لاغراضه المغلقة على مصالحه الضيقة وليست مصالح الاغلبية من المواطنين وذلك بالمزيد من الانفتاح نحو التطور وليس الغائه كما تفيد معظم النتائج المستخلصة من واقع خدمتها الداعمة لفرضية موتها بمكر السياسة على العلم و حملة راياته من شرائح العمل بالذهنية العلمية وليست السياسية التجارية التي تدمن حساب الربح والخسارة دون سواه. واذا ما كانت العصب وليس النخب قد قادت ادارة الدولة واحكمت السيطرة على مقودها عبر وصفات وثقافة سياسية استهلاكية رائجة انتجتها مدارس ومناهج ادارة السياسة الكولونيالية ومن ثم الحزبية الوطنية دون تغذيات نقدية كافية من مكتسبات العقل والعقلانية فان ذلك ما شجع وعى المنسوب الاجتماعي الشرائحي المتخلف على ادارتها بنحو من اللامعقول في حقبة حكم الانقاذ فاطاح بقوانين الادارة و نظم الرعاية الاخلاقية المستحقة للمواطن والمواطنيين في كافة مجالات الحياة حتى اورثنا واقعا مملا قد يبدو في عيون البعض كواقع غير قابل للتغيير احيانا بسبب كثرة وتكاثر الخروقات التي تعرض لها بسبب السياسات الفاشلة.

 

wagdik@yahoo.com

 

آراء