وثائق اميركية عن الازهري (14):

 

وثائق اميركية عن الازهري (14):
كشفت له بريطانيا “خدها الوردي”
ما هو راي البريطانيين في الازهري والفضلي وعلى عبد الرحمن؟
ما هو سر علاقة عقيل احمد عقيل بمصر؟
المهدي يستنجد باميركا، واميركا ترفض
واشنطن: محمد علي صالح

هذه هي الحلقة الرابعة عشر من عشرين حلقة من وثائق وزارة الخارجية الاميركية عن سنوات اسماعيل الازهري، اول رئيس وزراء في السودان (1954-1956).   بداية من اول انتخابات، واول برلمان.
منذ قبل استقلال السودان، بدأت السفارة الاميركية (كانت مكتب اتصال)  في الخرطوم ترسل تقارير عن التطورات الداخلية في السودان.
كانت البداية خمس حلقات عن الشيوعيين السودانيين (من سنة 1953): عن تأسيس حزبهم، وعن قادتهم، وعن نشاطاتهم.  كانت تلك سنوات الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي.  وخاف الاميركيون من انتشار الشيوعية في الشرق الاوسط.  وخاصة في مصر.  ثم انتقالها الى السودان.  ثم الى دول وسط وشرق افريقيا.   ومنذ ذلك الوقت، ظلت السفارة الاميركية تتابعهم، سنة بعد سنة.
هذه الحلقات عن سنوات الازهري (1954-1956): شخصيته.  وشخصية محمد احمد محجوب، زعيم المعارضة.  واعضاء اول وزارة.  وازمة حزب الامة بسبب انتصار الازهري في الانتخابات.  ودعوة بابعاد الحزب عن عائلة المهدي.  وتردد الازهري بين الاتحاد مع مصر والاستقلال.  والازهري والشيوعيون.  والازهري والجنوبيون.  والازهري والمصريون.  والازهري والاخوان المسلمون.
بعد حلقات الازهري، ستأتي عشرين حلقة عن سنوات رئيس الوزراء عبد الله خليل (1956-1958).  ثم عشرين حلقة عن سنوات الفريق ابراهيم عبود (1958-1964).  ثم عشرين حلقة عن سنوات الديمقرطية الثانية (1964-1969).  ثم اكثر من عشرين حلقة عن  سنوات المشير جعفر نميري (1969-1975، حيث تنتهي الوثائق التي كشف عنها).
هذه هي الحلقة الرابعة عشر عن سنوات الازهري.  وهي عن علاقته المتأرجحة مع البريطانيين: في جانب، لم يهادن في اخراجهم من السودان.  وفي الجانب الآخر، لم يكن متأكدا ان المصريين افضل منهم، بسبب مطامعهم التوسعية في السودان:
زيارة بريطانيا:
من: مكتب الاتصال، الخرطوم
الى: وزارة الخارجية، واشنطن
الموضوع: زيارة بريطانيا
التاريخ: 22-11-1954
“كانت زيارة الازهري، مؤخرا، الى بريطانيا مثيرة للانتباه بسبب ما قال عن علاقة السودان مع مصر:
مرة قال انه يفضل دولتين، لكل واحدة حكومة وبرلمان، ثم رئيسا واحدا يجمعهما.  ومرة قال انه يفضل دولتين مستقلتين، وتجمعها لجنة مشتركة تنسق علاقتهما.
ومرة قال انه يفضل الانتظار حتى انتخابات الجمعية التأسيسية، التي ستضع الدستور وتقرر مصير السودان …
وهكذا، صار واضحا ان الازهري، خلال وجوده في بريطانيا، لم يكن متأكدا مما يريد.
وفي مقابلة مع جريدة “تايمز” البريطانية، قال: “سيكون مستقبل السودان بين استقلال كامل، وصلة من اي نوع مع مصر.”  وقال ان عزل اللواء محمد نجيب، رئيس جمهورية مصر، بسبب الاختلاف مع البكباشي جمال عبد الناصر، رئيس الوزراء، اصابه بالحزن.   لكن العلاقات بين البلدين تاريخية، ويجب الا تعتمد على الاشخاص
وقال ان الحزب الوطني الاتحادي تحالف جماعات ومنظمات، ولم تتفق كلها على مصير واحد للسودان، ويحتاج الاتفاق الى وقت.
خلال وجوده في لندن، اجتمع الازهري مع اللورد وليام فريزر، رئيس الشركة البريطانية الايرانية للبترول.  وبحثا امكانية ارسال فرقة تنقيب الى السودان للبحث عن البترول … “
اغراءات بريطانية:
من: مكتب الاتصال، الخرطوم
الى: وزارة الخارجية، واشنطن
الموضوع: زيارة الازهري لبريطانيا
التاريخ: 30-11-1954
“اول امس، قابلت دبليو اتش لوس، مستشار الحاكم العام للشئون الدستورية والخارجية، وسألته عن زيارة الازهري لبريطانيا.  قال ان بريطانيا كشفت له “خدها الوردي”، بهدف اغرائه، واقناعه انها تحبه، ولا تريد له غير الخير.  وقال انه سبق الازهري وسافر الى لندن لاقناع البريطانيين ان الازهري ليس طوع بنان المصريين.  وانه يقدر على طلب الاستقلال اذا اراد.
وقال لوس ان انتوني ايدن، وزير الخارجية، قال للازهري ان بريطانيا تفضل الاستقلال للسودان.  لكنها، حسب اتفاقية سنة 1953 مع مصر، تلتزم باعطاء السودانيين خيار الاستقلال او الاتحاد مع مصر.  وان بريطانيا، بحسن نية، لن تتنصل من هذه الاتفاقية.  لكنها، في نفس الوقت، لن تسكت اذا وجدت ان دولة اخرى (يقصد مصر) تريد استغلال هذا الخيار الحر.
وقال لوس ان البريطانيين اعتبروا يحى الفضلي، وزير الشئون الاجتماعية، والذي رافق الازهري، “روغ” (فاسدا).  واسترعى انتباهم على عبد الرحمن، وزير العدل، بملابسه السودانية، وعدم قدرته على الحديث باللغة الانجليزية، مما قلل من فعاليته.  ويعتقدون ان الازهري يريد ارضاء كل الناس.  وانه ضعيف.  ويسيطر عليه الفضلي وعلى عبد الرحمن اللذان يؤيدان مصر، ولا تمكن الثقة فيهما.
رأينا:
اولا: لا نعتقد ان بريطانيا ستتدخل اذا تدخلت مصر تدخلا مباشرا في السودان، وخرقت الاتفاقية البريطانية المصرية.  يبدو ان البريطانيين اقتنعوا ان وقت رحيلهم من السودان جاء.
ثانيا: قال البريطانيون للازهري انهم مستعدون لتقديم مساعدات للسودان.  على شرط ان يختار الاستقلال.  
ثالثا: رغم انهم لا يريدون مواجهة مع مصر، قالوا له انهم مستعدون للوقوف الى جانبه  اذا احس ان المصريين يضايقونه … “
حديث مع الازهري:
من: مكتب الاتصال، الخرطوم
الى: وزارة الخارجية، واشنطن
الموضوع: مقابلة الازهري
التاريخ: 10-12-1954
“الليلة الماضية، قضيت وقتا طويلا مع الازهري.  وشرح لي رأيه عن مستقبل السودان.  وكان صريحا مثلما لم يكن منذ ان عرفته قبل سنتين.  
قال ان الشعب السوداني يفضل الاستقلال، مع علاقة خاصة مع مصر، مثل علاقة الهند مع بريطانيا داخل الكومنولث (منظمة الدول التي كانت تحكمها بريطانيا).   
وقال الآتي:
اولا: لا يسيطر عليه الصاغ صلاح سالم، عضو مجلس قيادة الثورة في مصر، ووزير شئون السودان.
ثانيا: ستكون اقامة علاقة ودية مع مصر في مصلحة السودان، لأن  السودان لن يقدر على تجاهل مصر.
ثالثا: سيتمرد السودانيون اذا حاول المصريون السيطرة عليهم.
رابعا: يتكون الحزب الوطني الاتحادي من ثلاث جماعات، ولا يريد تفكيك الحزب.
خامسا: سيقوم بجولات في انحاء السودان ليرى ماذا يريد السودانيون.
سالت الازهري عن تواريخ معينة.  وقال الآتي:
—  يوليو سنة 1955 (بعد ستة شهور): يحدد الحزب الوطني الاتحادي موقفه.
—  ديسمبر سنة 1955 (بعد سنة): يعلن ان السودان مستعد لتقرير مصيره.  ويبلغ الامم المتحدة بذلك.
— فبرائر سنة 1956 (بعد سنة وشهرين): انتخابات الجمعية التاسيسية.   ليختار السودانيون بين “الاستقلال التام” و “صلة من نوع ما مع مصر.”

عبد الرحمن المهدي:
من: مكتب الاتصال، الخرطوم
الى: وزارة الخارجية، واشنطن
الموضوع: قلق المهدي
التاريخ: 27-11-1954
“دعاني السيد عبد الرحمن المهدي، زعيم طائفة الانصار وراعي حزب الامة، الى منزله.  وقال انه يريد ان يتحدث عن مصير السودان بين بريطانيا ومصر.  قابلني في الطابق الاعلى من قصره، وقال ان توعك صحته يمنعه من نزول وصعود السلالم.  كان نحيفا، وظهر عليه المرض اكثر من اي مرة منذ ان عرفته قبل سنتين.  
كان هناك ويليز اندروز (؟) والسيد الصديق المهدي، رئيس الحزب، وعبد الله خليل، سكرتير الحزب، وابراهيم احمد، مستشار السيد عبد الرحمن، ومحمد احمد عمر، صحافي يؤيد الاستقلال.
وقال السيد عبد الرحمن انه:
اولا: قلق على تدخل المصريين في السودان، وعلى دعاياتهم الكثيرة، وسيؤثر ذلك على نزاهة الانتخابات.
ثانيا: يريد من الولايات المتحدة التدخل لوقف هذا.  ولضمان اجراء انتخابات حرة ونزيهه، حسب اتفاقية تقرير المصير (سنة 1953).
ثالثا: يخطط لرفع الموضوع الى الامم المتحدة.  ويريد تأييد الولايات المتحدة.
رابعا: لا يطمع في منصب شخصي له عندما ينال السودان الاستقلال.  وهو يدعو الى الاستقلال لأنه متأكد ان السودانيين يريدونه.
خامسا: لجا الى الولايات المتحدة لأنه يعتقد ان بريطانيا، لأنها قررت ترك السودان، لن ترفض سيطرة مصر عليه.
وانا قلت له الآتي:
اولا: لن تتدخل الولايات المتحدة.
ثانيا: عليه ان يثبت التدخل المصري قانونيا، وامام محكمة.
ثالثا: اذا تريد اغلبية السودانيين الاستقلال، ستقدر على تحقيقه.
رأينا:
لم تكن هذه اول مرة يعبر فيها المهدي عن قلقه لي.  ولم تكن اول مرة اقول له الموقف الاميركي.  انا اعتقد ان المهدي يبالغ في توقع تدخل من الولايات المتحدة، او الامم المتحدة، او اي جهة اجنبية اخرى.  لكنى اعرف، في نفس الوقت، انه قلق بأن السودان لن ينال استقلالا كاملا.  وربما لهذا قال لي انه مستعد للقاء السيد على الميرغني، زعيم طائفة الختمية، وتقديم تنازلات له في سبيل تحقيق الاستقلال … “
عقيل احمد عقيل:
من: مكتب الاتصال، الخرطوم
الى: وزارة الخارجية، واشنطن
الموضوع: راي وكيل وزارة سوداني
التاريخ: 30-12-1954
“في منزلي، تحدثت عن مستقبل السودان مع عقيل احمد عقيل، الذي عين موخرا وكيلا للشئون الخارجية (قبل تأسيس وزارة الخارجية).  عنده دكتواره في القانون الدولي من جامعة السوربون في فرنسا.  ويرى ان السودان لابد ان يحصل على درجة معينة من الاستقلال لينضم الى منظمات دولية، ويعقد اتفاقيات مع دول اخرى.  وقال انه، كعضو في الحزب الوطني الاتحادي، يعمل لتحقيق ذلك.  
عقيل من عائلة مرموقة في قبيلة الرزيقات في غرب السودان.
عرفت من مصادري الخاصة ان الحاكم العام البريطاني عارض تعيينه في الوظيفة الجديدة.  وقال انه عميل للمصريين.  انا اعرف انه يعطف على المصريين.  وهو درس القانون في مصر، وعمل محاميا هناك قبل ان يسافر الى فرنسا لدراسات عليا … “
لقاء السيدين؟:
من: مكتب الاتصال، الخرطوم
الى: وزارة الخارجية، واشنطن
الموضوع: توقع لقاء السيدين
التاريخ: 16-11-1954
“قال لي ابراهيم احمد، مستشار السيد عبد الرحمن المهدي، ان الطريق الوحيد لضمان تحقيق استقلال السودان هو اتفاق بين السيدين المهدي والميرغني.  
قال ان المهدي اقتنع بان المصريين يسيطرون على اغلبية وزراء حكومة الازهري، ويقدرون، باي طريقة، على اصدار قرار باتحاد بين مصر والسودان.  وان هذا الاتحاد، اذا تحقق، سيعادي المهدي، وسيصدر قرارات بالغاء حزب الامة وحل طائفة الانصار.
وقال ابراهيم احمد انه يتفاوض مع الدرديري محمد عثمان، مستشار السيد علىالميرغني، حول لقاء السيدين.  وقدم له الاقتراحات الآتية:
اولا: يوافق الميرغني على استقلال تام للسودان.
ثانيا: ينص الدستور الجديد على مكانة خاصة لعائلتي المهدي والميرغني.
ثالثا: تستمر حكومة الازهري، على شرط ان توافق على الاستقلال.
ابراهيم احمد متفاءل دائما.  لكنه قال ان المهدي لم يتعود على تقديم تنازلات.  ولهذا، سيتردد في تقديم تنازلات للميرغني، عدوه الاول …
رأينا:
تعتمد السياسة اليومية في السودان على عداء متبادل بين آل المهدي وآل الميرغني.  ويبدو ان ابراهيم احمد يريد تغيير ذلك.  وفي الحقيقة، اذا اجتمع الرجلان لخمس دقائق فقط، يقدران على الاتفاق على حل كل مشاكل السودان.
في الجانب الآخر، يعرف الميرغني انه يستفيد اكثر من المهدي في علاقته القوية مع مصر.  لكن، عزل جمال عبد الناصر، رئيس الوزراء، لمحمد نجيب، رئيس الجمهورية وصديق الميرغني الاول، جعل الميرغني يتردد في تأييد الاتحاد مع مصر.
في الجانب الثالث، سيفعل المصريون كل شئ لعرقلة لقاء بين الميرغني والمهدي …”   
اصلاح حزب الامة:
” … شرح لي ابراهيم احمد اقتراحات لاصلاح حزب الامة.  وقال ان من بينها استقالة السيد الصديق المهدي، ابن السيد عبد الرحمن، من رئاسة الحزب.  وتعيينه هو، ابراهيم احمد، رئيسا.  كان حزب الامة انتخب السيد الصديق رئيسا مدى الحياة.  وعبد الله خليل سكرتيرا مدي الحياة.
لكن، قال ابراهيم احمد انه لا يليق بمقام السيد الصديق ان “يستقيل.”  لهذا، اقترح والده ان “يسمح” بتعديل دستور الحزب لالغاء البند الخاص برئاسة وسكرتارية الحزب مدى الحياة.  و”يسمح” باجراء انتخابات في الحزب.  ويعلن السيد الصديق انه لن يترشح لمنصب الرئاسة.  
حسب معلوماتنا الخاصة، يبدو ان السيد الصديق يفضل العمل التجاري اكثر من العمل السياسي.  ولهذا ربما لن يرفض التخلى عن رئاسة الحزب.  هذا بالاضافة الى ان والده، السيد عبد الرحمن، يريد منه ان يصبح زعيما دينيا، ليخلفه، وليرتفع عن مستوى السياسة والسياسيين.
لكن، هناك عراقيل:
اولا: لابد من اقناع الانصار بأن ابن المهدي لن يكن رئيسا لحزب المهدي.
ثانيا: ليس ابراهيم احمد سياسيا قويا، يناور ويحاور.  وهو نفسه اعترف بذلك.
ثالثا: سيغضب عبد الله خليل، سكرتير الحزب، اذا قفز ابراهيم احمد الى رئاسة للحزب. وابراهيم احمد نفسه قال ذلك.
على اي حال، اذا استقال السيد الصديق، وصار ابراهيم احمد رئيسا للحزب، سيخلو له دائرته، دائرة كوستي، ليترشح ويفوز فيها.  واذا لم يستقيل، سيظل تنظيم حزب الامة كما هو … “
ممممممممممممممممممممممممممممممممم
الحلقة الخامسة عشر: توتر في الجنوب
mohammadalisalih@yahoo.com <mailto:mohammadalisalih@yahoo.com>
مممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممم    

شاهد أيضاً

سودانايل تنشر توصيات ورشة الحوار حول الإطار الدستوري الانتقالي

بسم الله الرحمن الرحيم نقابة المحامين السودانيين لجنة التسيير ورشة عمل: الحوار حول الإطار الدستوري …