(شال النوار ظلل بيتنا من بهجة وعدك وما جيتنا ** وفضلنا وحاتك منتظرين شوف وين روحتنا وديتنا ) .
نعم أيها العبقري ما ظننا أنك مسافر بلا عودة — إذآ لما تركناك — لنحتفي بوداعك في سودان الفن والنغم الشجي الأصيل ، في ود مدني السني التي عشقتها روحك حتى الثمالة وغنيت لها وهمت بحبها أكثر مما هام ابن الرومي بحبيبته ” وحيد ” التي قال فيها :
” يا خليلي تيمتني وحيد ** فؤادي بها معنى عميد ” .
أما أنت أيها الشفيف ، فقد قلت في ود مدني :
” آه اااه أنا على حشاشتي ودجني * حنيني ولوعتي وشجني * دار أبوي ومتعتي وعجني * مالو أعياه النضال بدني ” وروحي ليه مشتهية ود مدني ” .
آه آه إذ لم تودعك ود مدني وقرى الجزيرة وبواديها وحضرها ، بل والخرطوم التي ارتحلت إلى ود مدني . اشتهينا لك كرنفال وداع يليق بروحك وصلاة من البشر على جثمانك في ود مدني حيث لا تسعهم الميادين الفسيحة ، فقد أحبوك وجرى فنك مجرى الدم في أوردتهم وشرايينهم . وأنا واحد منهم ، إذ نصبتك على قمة الفنانين في بلادي منذ نعومة اظفاري وأنا تلميذ في ” الحوش الوسطى ” وتعلقت بفنك الراقي النبيل عمرآ أوصلني إلى كلية التربية بجامعة الخرطوم حيث اجتمعنا – أصحابي وأنا – على الهيام باغانيك لدرجة ان صديقآ زميلا لنا – له الرحمة والمغفرة – أحضر الاستريو ( مسجل كبير ) في الداخلية ووضعه داخل زير فارغ – نعم زير – ليجعل منه sound system لنستمع – أيام تدشين ” زاد الشجون ” – لتلك الأغنية الساحرة !!! فاستمتعنا وازددنا شجونا . كان ذلك في أواخر ثمانينات القرن الماضي. واكثر من ذلك ، كان صديقنا الآخر الذي صاح بأعلى صوته أثناء غنائك في حفل استقبالنا ونحن طلاب جدد على الكلية ، وقد طرب حتي لم يعي بوجودهن حيث كان المسرح يضج بالطالبات والطلاب !فالشاهد أننا أحببناك وعشقنا غناءك.
(غرارة العبوس دار الكمال ونقاص / وتبكيك الخلوق بي أغزر الدماع ) .
وهآنذا أنعيك وانت ترحل عنا بعيدآ كما رحل قبلك عباقرة الفن الأصيل والتطريب الجميل : محمد وردي وعبد الكريم الكابلي . هؤلاء هم- يا سادتي – مثلث الابداع في الأغنية الاصيلة والكلمة الرصينة واللحن المموسق . زوايا المثلث الثلاثة – وردي ، كابلي ، ود اللمين شكلوا أضلاع المثلث وزواياه ، أطربوا وغنوا للثورة والحب والجمال ، وألف بين قلوبهم الثلاثة حب ومشاعر مودة نادرة فغنوا معا واحتفلوا معا واطربوا الجدران والمسارح – دعك من البشر . ولم نفتأ نستزيد من إبداعهم حتى بارحونا — سبقهم الإمبراطور وردي ثم لحق به الأستاذ الكابلي أبو التطريب والفن والثقافة . وهاهو الضلع الثالث للمثلث وقاعدته يغيب عن سودان العز وارض الخير والمحنة .فيا لفواجعنا في زمان الحرب والقتل والتشريد والنزوح .
يملؤنا الوجع والفجيعة ثم يغشانا ” الحزن النبيل ” لفراقك أيها المتفرد بعودك الذي جدد روح ” ذرياب ” ، أيها الشفيف بالنكتة والدعابة، أيها الصارم عند الضرورة، أيها الأنيق عند كل خشبة مسرح . لقد شكلت وجدان أمة لأجيال عديدة وزرعت الفرح في كل الزوايا.
الخبر الأكيد قالوا ود اللمين فارقنا * قبل ما يرجع لينا نوادعو * تبكيك ” ود النعيم ” وكل القرى الحواليها * وود مدني السني حزين وحتى شوارعو .
انا لله وانا اليه راجعون . نرفع أكف الضراعة ان يتقبلك الله في عليين مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . وإنا لفراقك لمحزونون .
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
السعودية الدمام في: ١٦ / ١١ / ٢٠٢٣ م
m.omeralshrif114@gmail.com
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم