وغنَّيْتُ للحُبِّ !

 


 

 

Jou_shagag@hotmail.com   

لايزال الشاعرُ المُرهَفُ يبات علي فايد يحملُ سِلالَه الشِّعْريَةَ المُتْرَعةَ بالاندهاش، المُغرية بإعمال الفِكْر والتأمُّل، المُفعمةَ بطُيُوبِ البوْحِ الشفيف والحسِّ المغسولِ بنداوة الأسحارِ ولُجَيْنِ الأقمار؛ ضارباً في سهول الحُبِّ الفسيحة أو سباسِبِ هجرِه تارةً أومُتسلِّلاً بين أروقته وخُدوره العصيَّة تارةً أخرى أو جالساً على شُطآن الغروب وتلال الليالي مُنتخِباً من محار العذوبة وأصداف المَلاحة، قاطفاً من أنجُم البيان وسُدول المجاز عِقوداً يزين بها نحورَ حسانه اللاهيات بين حدائق منتوجه الشِّعري منذ ديوانه الأوَّل (ثلاثون نصَّاً لعشر نساء ) الصادر عام 2005م ، مروراً بـ (عبث الحِسان) 2009 ، إلى ديوانه الصادر  مؤخَّراً عن مطابع السودان للعملة المحدودة (وغنَّيتُ للحُبِّ) 2015م، وهو الديوان الفائز بجائزة الشهيد الزبير للإبداع والتميُّز العلمي ، قدَّم له الأستاذ عبد العزيز أبو بكر، وزيَّنه بلوحة الغلافوالرسومات الداخلية البروفيسور حسين جمعان .     لا شكَّ أنَّ دَنَّ شاعِرِنا قد تعتَّق أكثر بفعلِ التجاريب الحياتية، مادام قلبُه وارداً مناهلَ الحُبِّ ، صادراً عن شكواه ونجواه، فإنَّ قيثارته لا تَنِي تعزف أعذبَ الألحانمن رحيق عمرِه وعُصارة روحه : وفؤادي.. حين يلقاك عبيراً مستفيقٌ، وعليه .. حلَّتان.. من ورودٍ وزهَرْ وأنا من بات للحُبِّ يغنِّي ويُناجيه السَّحَرْ تحسبُ الحسناءُ أنِّي حينما أعزفُ لحناً في.. وترْ أنَّني أهذي وإنِّي إنَّما أتهادَى لحظة النشوةِ معموداً على ضوءِ القمرْ! امتلاكُ الشاعر يبات على فايد لأدواته الشعرية لُغةً وعَرُوضاً ودرايةً بمُنعطفاتِ القريض الجماليَّة ومُتَّكآتِه الحالمة، ووارفِ مُلَحِه وسجْسج قفشاتِه؛ يُمكِّنه من تطويع المُفردة والمعنى والتفعيلة جميعاً قبل أن يرتدَّ طرْفُ العجَب أو ينخفض حاجب الدَّهشة، انظُر إلى طلاوة التضمين في قصيدته أعجب العجب : وأعْجَبُ ما قد يكون العجب ْ وردتانِ.. بلونِ الصباحِ وطعمِ القصَبْ ! رَمَتاني.. بمَسِّ عذابٍ طفا كالحَبَبْ! ألا ليت لي منهما صاحِبَيَّ مقالة "واركُضْ بِرِجْلِكَ" راح النَّصَبْ أو مقالة "واضمُمْ إليكَ جناحكَ".. فاتَ الرَّهَبْ! وعلى النحو أعلاه كانت قصائده في الديوانين السابقين (سالِفَي الذكر) تمتاز بالقِصَر، مُعتمدةً خلاصة الفكرة والتكثيف اللُّغَويِّ والتقاط الصورة الشِّعْريَّة  عن كثَبٍ لتبينَ ملامحُ وجهها حتى لا تُغادر شامةً أو ظلَّ رمْشٍ أو اندياح غمَّازة أو ثبرةً أو تجعيدةً إلاَّ أحصاها!  إنَّما الملاحظ في هذا الديوان طول نفَس بعض القصائد قليلاً، والتزامه العمود الشِّعريِّ في بعضها، صائلاً جائلاً عبر عصور الشعر ؛ يبشُمُ ما استطاب على سبيل التأثُّر، فمثلاً في قصيدته (خمرٌ وأمر) يضع (يبات) دنَّه السخيَّ على طريقته وإنْ نضحتْ منه طُيوبُ (مواكب جبران خليل جُبران) و (طلاسم إيلياء أبو ماضي ) : أيها السائلُ ماذا في الغَدِ ما سؤالُ الماءِ مَحْروماً صَدِ لكنِ الرَّأيَ وقدْ لا تهْتـدي اكْرَعِ الكأسَ مِراراً كَيْ تفيق !   لكن المأخذ – في اعتقادي – على هذا الديوان، أو قُلْ طبعته؛ أنَّه وفيما يبدو أنَّ الشاعرَ قد زجَّ بمجموعة قصائد كُتبتْ بعد فوز الديوان بالجائزة ليُضمِّنها الطبعة!هذا رُغم تحبير جانب الغلاف بـعبارة (الديوان الفائز بجائزة الشهيد الزبير للإبداع والتميُّز العلمي- أرفع جائزة تمنحها الدولة)! فبجاِنب الاختلاف الموضوعيِّ للقصائد المُضافة (هجاء – رِثاء – مدح – اخوانيات  وغيرها ) عن باقة (وغنيَّت للحُبِّ) كديوان فائز؛ فإنَّ عدمَ الإشارة إليها في مقدمة الشاعر والناشر شيئٌ لا يُضيف للديوان إن لم ينقص منه شيئاً!  مهما يكن من أمر فإنَّ (سحَر) و(سُكينة) و(بُثينة) و(ميَّة) وصُويْحباتهنَّ كُنَّ جميعاً حاضرات حاضراتٍ مُستبشراتٍ أو مغاضباتٍ مُعرضات.. وكان يبات يركض بينهنَّ برِجْلِه أو يضْمُمْ إليه جناحَه! تارةً يبيتُ الطُّوى وأُخرى يجود الهوى، ما جفَّ نبْعٌ إلاَّ تدفَّق آخَرٌ: كلَّما مات حبٌّ رأيتُ على قبره جدَّتي وقدومي أحبُّ ولا أبتغي كالمجانين وصلاً يدوم ولا أن تدومي أنا شِرْعَتي في المحبَّةِ فاتنتي أنْ أُفارقَ لا الحِبُّ يبكي حنيناً ولا أتشكَّى بوصفِ الرسُّومِ!

 

آراء