وفرح الإسلاميون بدستورهم بينما تفحمت قلوب الآخرين من الغضب !

 


 

 



شعوبنا  العربية  الظامئة  للوحدة  و للحرية  كانت  قد  راهنت  بقوة   شديدة  على  ثورة  يوليو 1952 لتحقق  لها  بعضا  من  تلك  الاشواق .  ولكن  شعوبنا  الآملة  لم  تكسب  ذلك  الرهان لأن  ثورة  يوليو  تحولت  الى  نظام  شمولى  قابض ، عطل  القليل  من  الحريات  الضامرة  تحت  شعار ان لا  صوت  يعلو  فوق  صوت  الثورة.  ورحلت  ثورة  يوليو  بقضها  وقضيضها  و تركت  شعوبها  العربية  على  محجة  سوداء  من التمزق  والتشرزم   والفقر  والفاقة . وحين فجر  الشباب  المصرى    ثورة  الخامس  عشر  من ينائر  2011 ، عادت  الشعوب  العربية  وراهنت  من  جديد على  مصر الثورة  لكى  تقدم  لها  القدوة  والمثل  فى  انارة  الانفاق  المظلمة  فى  حياتها  الراكدة . ولكن  ثورة  شباب الفراعين  لم  تقدم  لها حتى  الآن  لا  المثل  ولا القدوة  . عامان  مضيا  من عمر الثورة   وهى  ما زالت  تفاجج  ظلمات  التجربة  بخبرات  بئيسة ، تتقدم  خطوة  الى الامام ، وتتأخر  خطوات اخرى  الى الخلف ، تراوح  فى  مكانها   فى  تجريب  كاسد  بعد  ان غاب  الشباب  الذى  فجر الثورة   بمحض  اختياره   وترك  قارب  الثورة  تتلاطمه  الامواج  وقد ضاع   من  ربانه  المجداف  او  كاد . وقت  ثمين  ضاع  على الشعب  المصرى  والثوار  يراوحون  فى مكانهم  والشعب  يواجه  وضعا  خانقا  فى  معاشه  وفى  امنه  واستقراره. لم  يسلم  شئ  من المناكفات   والمماحكات  بما  فى  ذلك  المنارات  الدستور  والقضاء  والمحاكم . الاخوان  المسلمون  و قد  جمعوا امرهم  واعدوا  كنانتهم  لتحقيق  ما حسبوه  انتصارا  كبيرا  ان  هم  مرروا  ما  تواضعوا عليه   من مواد  دستورية ،  صموا آذانهم  عن  النصح  و الاستماع   الى  ما  يقول  الآخرون  الذين  هم  شركاء  فى  ضراء  وسراء الوطن  الواحد. و لم  يأبهوا  بشفاعات  الملايين  التى  احتشدت  فى  الميادين  العامة  وهى  تصرخ  وتمزق  حلاقيمها  احتجاجا  ضد  الدستور المقترح.  كان  التركيز  منصبا  فقط  اخراج  دستور  مصرى  جديد   يروق  للبعض  وليس  يروق بالضرورة  لجميع  المصريين .  لقد  كان  لهم  ما  ارادوا ، فبدا  الفرح  فى  وجوه  الملايين منهم  و من  مشايعيهم .  وبنفس  القدر بدا  الحزن  والغضب  فى  وجوه  الملايين  من  المصريين  من خارج  التيار  الاسلامى .   ونتج  عن ذلك  ان  كتلتين   كبيرتين   من  البشر  المصرى  ، تعاركتا  بعنف  حول  مواد  الدستورية  المقترح   واسالتا  الكثير  من الدماء .  وازهقتا   العديد  من الارواح  البريئة . الغائب  الوحيد  فى  يوم   اعلان  الدستور المصرى  الجديد  كان  هو  ذلك  الاجماع  الشعبى  الذى  فجر  ثورة  الخامس  عشر  من  يناير  2011 . لقد  غاب  ذلك الاجماع  الشعبى  الذى   اذاب  الفوارق  الطبقية  والسياسية  والاجتماعية  والمذهبية. واذاب  معها  نظام  حسنى مبارك  كما   تذاب   قطع  الثلج  فى  الماء  الساخن .  وحضر  بدلا  عن  ذلك  الاجماع  القتل  العشوائى  الذى  انداح ابان  انفجار ثورة  الشباب . الفرق  الوحيد  كان  فى  هوية  الذين  مارسوا  مهمة  القتل  فى  الحالتين  .  لقد  كان القاتل  فى  يوم انفجار الثورة  هم  عسكر النظام  المتهاوى وبلطجيته .  اما  القتلة  فى  نزاعات  الدستور فقد  كانوا  خليطا  غريبا  وغير  متجانس .  منهم بعض    ثوار الامس.  ومنهم  بلطجية  ينفذون  جرائم  القتل  بالمقابل  المادى . ومنهم  سدنة  القديم  البالى  الذين لم  يصدقوا  ان  حسنى  مبارك   يمكن  ان يغيب . اؤلئك  جنس  من  البشر يلعب  على  المضمون   ولا يغامر .  ثوار  قتلوا  ثوارا . لم  يسأل  احد  هل  يستحق  هذا الامر هذا  الثمن  الباهظ   .  واذا  جاز لهم  هذا  الفعل ،  لماذا  اذن  خلعوا  الفرعون  وهو  لم  يفعل  اكثر  من  هذا  الذى  يفعلون . لقد  كتب  الاسلاميون  دستورا وفرحوا به .  ولكن  القلوب  ما  زالت  متفحمة  بنار الغضب . و لا يرجى  لها  شفاء  قريب.  لقد اتسع  الخرق  على  الراتقين . غابت هيبة  الدولة .  وغابت  قيم  المجتمع  المرعية . وغابت  القدرة على التمييز . كبير القضاة  يضرب  فى  قارعة  الطريق  حتى  تسيل  دماؤه.  ولا تأخذ  المشاهدين  الغيرة  على  حرمة  القضاء  المضاعة ،  فينتصرون  له  . المحكمة  الدستورية  العليا  فى مصر ، الحفيظة  على  حقوق  المصريين  كلهم  جميعا ، والحكم  الفصل  بينهم ،  ظلت  محاصرة  لا  يدخل  اليها  قضاتها  ولا  يخرحون  منها  الا  من  ابواب  خلفية   خوفا  على  حياتهم. وعلى  كرامتهم . لقد انفض  حفل  الانتصار  المزعوم  . وخرج  المتعاركون  المرهقون  وهم  يحملون   سكاكينهم  ويشحذونها  للمعركة  القادمة  قريبا . الكل  خائف  ومذعور  من ان  تتحول  مصر  الحضارة  الى  حديقة  خلفية  على  الشيوع  السلفى  تقاس قيمة  انسانها  بطول  لحيته  وقصر جلبابه. لقد  خسر  ثوار الفراعين  مرتين  حتى الآن. المرة  الاولى  عندما  اخلوا  الساحة  لغيرهم  بدون تدبر فملأ  الانتهازيون  مكانهم  الشاغر.  وخسروا مرة  ثانية   عندما  وقفوا يتصايحون  ضد  ما  سموه  مخطط  أخونة  مصر دون  ان  يفعلوا  شيئا  لايقاف  المخطط  المزعوم   فى حالة  فريدة  من العجز  الابطح. زبدة  القول  هى ان القوم  كتبوا دستورا  وفرحوا  بينما  تفحمت  القلوب  التى  فى  صدور الآخرين  من الغضب.               

Ali Ibrahim [alihamadibrahim@gmail.com]

 

آراء