.. ولكن أخلاق الرجال!

 


 

 

 

تعال وانظر لهذا الحديث عن الأخلاق وهذا الاستشهاد بالشعر عن (ضيق أخلاق الرجال) الذي فقع مرارة أحد الذين لولا اختراق النواميس وتجاوز الأعراف وتخطي أصحاب الشأن والكفاءة لما تقلد منصباً قيادياً واحداً في الخدمة المدنية.. دعك من أن يكون مديراً للهيئة القومية للاتصالات ومديراً لوكالة الأنباء القومية ومديراً لتلفزيون البلاد، الذي تنسج برامجه ثقافات البلاد وتجري فيه هندسة مواريث الوطن وتعدديته ومعارفه وأخباره وأحداثه التي تعكس حركة المجتمع بمهنية وأمانه.. فانظر إليه يتحدث عن الأخلاق والمعايير والقيم، بل ويقتبس من الشعر (ما يرتد عليه) ويردد وكأنه مؤلف هذا الاقتباس (لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها/ ولكن أخلاق الرجال تضيق)! ثم يكرر هذا البيت في عمق متاهته، وهو يصف إخوته (بعدم الأخلاق) بعد أن كان يمدحهم بالأمس..لماذا؟ لأنهم خرجوا من ما يسميه الحوار الوطني (بدون أن يخطروه)!

هذا الذي يتحدث عن ضيق أخلاق الرجال كان قد ضاق بالأمس هو وشيعته عن احتمال جنوب السودان، الشطر الحبيب الذي ما كان له أن ينفصل عن الرقعة السودانية؛ فأهل الجنوب هم شركاء تاريخ وحضارة وإنسانية وأهل دار وإخوة روح، ضاقت بهم مواعين الجماعة حتى انتهت البلاد إلي (انشطار الحشا) وذهب الجنوب بإنسانه وأنهاره وغاباته، وابتهج (صاحب الأخلاق التي لا تضيق) إلى درجة أنه وفي (لعبة قردية) احضر ثيران سوداء وبيضاء وذبحها ابتهاجاً بالانفصال، ثم انهمك في تأسيس منبر للكراهية والظلم، ثم عاد يتباكى، ليس على كارثة انفصال الجنوب ولكن على انقطاع عائد بترول الجنوب! ثم ظن أنه عبقري عصره فراح يؤسس الصحف ويدخل البرلمانات وكل ذلك ما كان يتأتى له لو كان مواطناً عادياً من غمار الناس، ولو لم تكن له حظوة القرابة (السياسية والبيولوجية) التي جعلته يتقلّب بين الوظائف ويجد ما لا يجده الآخرون من التسهيلات وإطلاق العنان في ما تكتبه صحفه، في حين تلاحق الأسنة شباب الصحفيين وصحفهم التي تقاوم الفقر والإملاق!

ما أكثر أمثال هذا النموذج من (نكرات التأهيل) الذين تسنموا المواقع والمناصب؛ ليس من باب الكفاءة ولكن من باب التمكين.. وليشرح لنا الرجل ما هي الميزة التي تجعل الوطن (ينثر كنانته) ويعجم أعواده وينظر إلى كفاءات الداخل وجماعات الاغتراب ثم لا يجد غير أن يستقدم شخصاً ليس له معينات الكفاءة ولا المعرفة التي تتطلبها الوظيفة ليجعل منه مديراً لوكالة أنباء وتلفزيون وهيئة اتصالات ودار صحف، وكلها وظائف لا تنحصر كفاءة إدارتها على الفنيين ولكنها وظائف تحتاج إلي ثقافة وخبرة ومعرفة في علوم الإعلام والاتصال وفنون الإدارة ورحابة الأفق والفطانة الاجتماعية والروح الإنسانية والاتزان وسلامة الطوية، فماذا كان رصيد صاحب هذا (الاستقدام العاجل) من الخارج ليشغل هذه الوظائف التي لم يجدوا لها في كل مؤسسات الوطن من يشغلها إلا هذا الشخص الذي يتلو علينا اليوم (هذا البيت بالذات) من شعر عمرو بن الأهتم، وقد أخذه الغضب لأن ثلة من جماعته خرجت من (حواره الوطني) ..: هوّن عليك يا رجل فما يزال معكم (96 حزباً) لم تضق أخلاقهم بعد، بما يجري في البلاد!

ويعود ليقول (إذا جاطت حنشيل بُقجنا نمشي وين)؟ لماذا؟ ألم تكن مغترباً في الخليج؟ وإلى أين ذهب عشرات الآلاف الذين طردتهم جماعتك من وظائفهم باسم الصالح العام وجعلتك مديراً تتنقل كما تشاء من رأس مؤسسة إلى أخرى؟! ما أقل الحياء.. وما أبلغ من إدخر شعراً لمثل هذه المواقف فقال (إذا ذهب الحمار بأم عمروٍ / فلا رجعتْ ولا رجع الحمار)!!

murtadamore@yahoo.com

 

آراء