يا برهان مفهوم الدولة مفهوم حديث لا مكان فيها للعسكر والادارة الأهلية والطرق الصوفية

 


 

طاهر عمر 
15 October, 2021

 

مشكلة النخب السياسية في السودان مشكلة كبيرة و معقدة و ناتجة من تخلفهم عن مسيرة الفكر التي تعطي مختصر تاريخ البشرية فيما يتعلق بالسلطة و مفهوم الدولة الحديثة و هناك عوامل داخلية و عوامل خارجية انعكست على تدني أداء النخب السياسية في السودان. في زمن الحداثة قطعا يمكننا القول أنها قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس و قد أصبحت النزعة الانسانية حيث صار الانسان هو مركز الكون و بالتالي نحن في زمن تأليه الانسان و أنسنة الاله و هذه المفاهيم غائبة عن مكتبتنا السودانية مثلا أن النخب السياسية ما زالت لا تريد أن تقتنع بأن زمن السلطنة و المملكة و الخلافة الاسلامية و الامارة الاسلامية و غيرها من مفاهيم قد تجاوزتها الانسانية و هي متسلحة بالعلوم الانسانية لتفسير ظاهرة السلطة و هي قد كانت سابقة للأديان و لا تريد النخب السودانية أن تفهم أن في زمن أفكار عقل الأنوار و زمن الحداثة لا يمكن أن نتحدث عن دولة حديثة و في نفس الوقت نريد لبرلمانها أن يكون من رجالات الادارة الأهلية و من القبائل و العشائر و الطرق الصوفية.

مسألة القبائل و العشائر و الطرق الصوفية هي آخر صور خنوع المثقف السوداني رغم تلقيه علوم حديثة و لكنه لم يستطع النهوض من سلطة الأب و ميراث التسلط فالادارة الأهلية و الطرق الصوفية و القبائل هي آخر صور عالمنا القديم و هو يقاوم و يأبى أن يزول  و كله ناتج من أن النخب السودانية لم تستطع حتى اللحظة ادراك أن العالم الحديث قد فارق ما يؤمن به المثقف السوداني من عقل تقليدي نجده يجعل من المثقف السوداني على حالة ما يعرف بالاستعداد و القبول للخنوع مثلما كانت الشعوب في حالة استعداد و قبول للاستعمار و لهذا لا تستغرب أن تجد أستاذ جامعي و هو في حزب طائفي او من أتباع السلفية أو من أتباع نسخة الشيوعية السودانية مقارنة بأحزاب شيوعية في الغرب آمنت بنمط الانتاج الرأسمالي.

و نحن نقول ذلك بسبب ضؤ الكشاف الذي سلطته العلوم الانسانية على ما يعرف بالنشؤ و الارتقاء و آخر من تحدث عنه بشكل واضح لا لبس فيه هابرماس و هابر ماس في حديثه عن النشؤ و الارتقاء يقول لنا بأن البشرية فيما يتعلق بمفهوم الدولة الحديثة و مفهوم السلطة عبر ظواهر المجتمعات قد تجاوزت مسألة ان يلعب الدين و العرق أي دور فيما ينظم حياة المجتمع الحديث و بالمناسبة هابرماس كتاباته ملتبسة و تحتاج للقارئ المدرب لأن هابرماس عندما يتحدث عن العقل التواصلي يرتكز على انثروبولوجيا عمانويل كانط و فصله للميتا عن الفزيقيا و هذا ما فات على أتباع وحل الفكر الديني عندنا في السودان و غيرهم كثر يجهلون بأن هابرماس في كتاباته يرجع الى مفهوم الدين عن عمانويل كانط  و قد قيل بأن لولا قوانيين نيوتن لما كانت فلسفة كانط وعبرها أستطاع كانط أن يفصل ما بين العلم و الايمان و قد ساعدت عمانويل كانط في أن يصل الى ما وصل إليه أفكار ادم اسمث في كتابه نظرية المشاعر الأخلاقية و كيف تحدث فيها عن مجد العقلانية و ابداع العقل البشري و غيابهما من مكتبتنا السودانية يتيح الفرصة لأمثال البرهان و حميدتي بفتح نافدذتيهما بسعة حلم لا يتحقق إلا باتباع الادارة الأهلية و الطرق الصوفية و المتاجريين بالقبائل و العشائر أمثال نا ظر البجة ترك و قد رأينا كيف قد أرجعنا بقفله للشرق بقبائله الى حيز القرون الوسطى.

و قلنا في أعلى المقال بأن هناك عوامل داخلية و هي متجسدة في تدني أداء النخب السياسية بسبب كسادها الفكري و تخلفها عن ركب الانسانية التي تجسده الشعوب الحية و هناك عوامل خارجية تجدها أيضا تنعكس على ساحتنا السودانية بسبب انبهار النخب السياسية السودانية بنماذج دول من حولنا و لا يمكن تصنيفها إلا أنها مجتمعات خارج التاريخ أو قل خارج النموذج مثلا نجد أن البرهان منبهر بحالة مصر و كيف استطاع السيسي أن يقطع طريق الثورة المصرية و يحاول أن يبني نظام حكم تسلطي و هو يسعى بكل ما أوتي من قوة أن يكرر تجربته في السودان و انبهار البرهان بتجربة مصر آتية من آفة كبيرة و هي أن النخب السودانية عسكرية و مدنية لا تريد أن تقتنع بأن حالة العالم العربي و الاسلامي حالة متأخرة و عصية على أن تفهم بأن البشرية قد خرجت من زمن السلطنة و المملكة و الامارة و حكم العسكر كما قلنا في أعلى المقال و لكن الحق يقال بأن في مصر هناك اقتصاديين و علماء اجتماع قد صنفوا حالة مصر و لماذا لا تستطيع أن تخرج من حالة انسداد الأفق و تحدثنا في مقال سابق عن الاقتصادي جلال امين و كتابه ماذا حصل للمصريين؟ و أمثال جلال امين لم يوجد وسط النخب السودانية التي ما زالت ترى في حالة مصر البائسة حالة  نموذج يمكن اتباعه كما يظن الواهم البرهان.

و كما يتوهم البرهان و يريد أن ينقل تاريخ السيسي و نظام حكمه التسلطي نجده توازيه حالة النخب السياسية و تبعيتها و خنوعها للسعودية و الامارات و رأينا كيف أيام هندسة الصادق المهدي للهبوط الناعم كيف كان اتكال السياسيين السودانيين على كل من السعودية و الامارات حتى الصادق المهدي و بنته مريم و ياسر عرمان و جبريل و مناوي و اتفاقية الدوحة المعدلة وهم في أعلى مستوى فهم لهم و أقصد السياسيين السودانين يضمرون نقل تجربة سلطنات الخليج و اماراته و ممالكه و هي أيضا حالة مجتمعات خارج النموذج و خارج التاريخ و لكن من يقنع النخب السودانية بأن العرب ليس لديهم ما يعطوه للسودان في سيره لتحقيق دولة حديثة و أن حالة مصر الآن و سلطانات و ممالك دول الخليخ يقول لنا النشؤ و الارتقاء بأنها خارج التاريخ و أن المجتمع البشري قد تجاوزها بغير رجعة.

و عليه يجب أن تنتبه النخب السودانية أن ما ينتظرها فيما يتعلق ببناء دولة حديثة تجربة ليست مسبوقة بعهد و ليس لها سوابق في ذاكرتنا و من هنا تاتي الصعوبة و تاتي مسألة كيف يكون كسر طوق الجهل و التخلف و الشب عنه و خاصة بأن دول الجوار ليس لها صور النموذج الذي نبحث عنه و كما يقول ديفيد هيوم حالة الدول التي حولك تنعكس على حال دولتك مثلا ماليزيا استطاعت أن تنهض لأنها كانت هامش لمركز صناعي استطاعت أن تنقل تجربته الصناعية فماذا ننقل نحن السودانيين من مصر غير نظم الحكم التسلطي و ماذا ننقل من دول الخليخ غير فكرة الدولة الريعية التي لا تستطيع قيادة المجتمع باتجاه التحول الديمقراطي و قد رأيناهم في الآونة الأخيرة و كيف طرحت السعودية مشروعها 2030 و كيف قال ولي العهد بأن ثقافة السعودية الناتجة من برامج الصحوة لا تساعد على تحقيق ما يطرح لذلك نجده قد قام بما يشبه كنس خطابهم الديني السابق و لاحظ أن ما كنسته السعودية من خطاب ديني نجده روح فكر أحزابنا السودانية و أقصد أتباع أحزاب الطائفية و السلفيين و أتباع الحركة الاسلامية و كيف جعلوا من المجتمع السوداني مجتمع تقليدي للغاية.

و لهذا نحاول تنبيه النخب السودانية بأن الدولة الحديثة لا تنبني بالقبائل و العشائر و الادارات الاهلية و الطرق الصوفية و لا حكم العسكر و أن الحروب و المجاعات و الفقر و المرض لا يمكن تخطي زمانها بحكم العسكر و لا فكر القبائل و الادارة الاهلية و الطرق الصوفية و لا تقل لي بأن ناظر القبيلة الفلانية خريج الجامعة الفلانية و لا زعيم طريقة صوفية عند دكتوراه في الفلسفة كل ذلك لا يقنع من يعيش في زمننا زمن الفرد و العقل و الحرية زمن يقول لنا النشؤ و الارتقاء بأن البشرية قد تجاوزت كل من العرق و الدين و أن الدولة الحديثة لا مكان فيها للرجال الدين و العسكر و الادارات الأهلية و الطرق الصوفية فيما يتعلق بمفهوم السلطة.

أيها الشعب السوداني جاء زمانك و دورك و أنت من تستطيع فعل التغيير و ليس القادة و لا المفكريين و  لا النخب. قد ولى زمن تفرض عليك فيه النخب الفاشلة أفكار مفكريين يعجب فكرهم النخب الفاشلة و في أحسن صوره يمثل آخر صور مفكري المجتمعات التقليدية الذين يكشّرون عن أنيابهم كره لعلماء الاجتماع و الانثروبولوجيا كما كان يفعل الدكتور عبد الله الطيب في نقده لعلماء الاجتماع و الانثروبولوجيا في كتابه المرشد لفهم أشعار العرب و صناعتها و أظن أن طه حسين عندما تحدث في تقديمه للكتاب بأن في الكتاب ما يغيظك عندما تقراءه يقصد الأمكنة التي يهاجم فيها الدكتور عبد الله الطيب علماء الاجتماع و الأنثروبولوجيا و يحاول أرجاع الأبهة من جديد لرجال الدين لذلك كان لا يتحرج أي عبد الله الطيب أن يجلس أمام دكتاتور و يلقي دروسه الحسنية بلا خجل و لا وجل كما شاهدناه في المغرب.

لذلك منذ أيام عبد الله الطيب و علومه التقليدية لم يدرك المثقف السوداني بأن الطرق الصوفية و الادارة الاهلية و القبائل و العشائر لا تبني دولة حديثة و عليه نقول للنخب السودانية بأن التحول الديمقراطي في السودان يحتاج لمفارقة عقلكم القديم بنظام أشياه بما فيها مفكرينا التقليديين أمثال الدكتور عبد الله الطيب و سلوككم القديم و هو اعتقادكم بأن العسكر و القبائل و الادارات الأهلية و الطرق الصوفية يمكنها أن تبني دولة حديثة فارقوا الكسل الذهني المصاحب للقارئ الناعس الذي لا يجد راحته الا في أحزاب وحل الفكر الديني و كما قلت لكم أننا في السودان نسير في طريق التحول الديمقراطي و ليس لنا تجربة نتكئ عليها فانها تجربة فريدة ليست مسبوقة بعهد و أن تجربتنا القديمة لا تساعدنا على اجتيازها لأنها تجربة فشلت في ثورة اكتوبر و ابريل و عليه يساعدنا فقط أن نتخطي فكر النخب الفاشلة و تجاربها الفاشلة بفكر جديد يؤسس لمفهوم الدولة الحديثة و مفهوم السلطة بمستوى رفيع يجعل الجهلول حميدتي يستحي و يتراجع أن يكون له مسقبل في حكم السودان.

بالمناسبة يمكننا أن نستفيد من تجربة تونس و فشل عشرية الغنوشي و حزب النهضة و كيف ان الرئيس السعيد قد فعل الدستور و انتقل الى النظام الرئاسي لينهي و الى الأبد خطاب الاسلام السياسي في تونس و نقول بأن تجربة تونس تقول لنا لا تكرروا عشرية تونس الفاشلة ببرلمان يكون من مكوناته الادارة الأهلية و القبائل و العشائر و الطرق الصوفية و الخطاب الديني اذا اردتم الانتقال الى حيز الدولة الحديثة.


taheromer86@yahoo.com

 

آراء