يا زكريا: إنّ الرصاصة تقتل ثائراً … ولكن الأرض تنبت ألف ثائر 

 


 

 

   يعجز القلم عن وصف الملاحم البطولية التي يقودها شبابنا الأشاوس، في معركتنا المصيرية الفاصلة بين دويلة الظلم والبطش والتنكيل ودولة العدالة والحرية والسلام، الشهيد زكريا لم يكترث على أي جنب سوف يلقى الله عند مصرعه، وهو يُركل بحذاء شرطي رعديد أمطره بوابل من الرصاص، دون أن يرتعد له جفن وهو يصوب رصاصة الموت تجاه صدر يافع عارٍ إلّا من هدير الهتاف المطالب بالحق في الحياة، خرجت الرصاصة الغادرة من كنانة هذا الجندي الذي هو الآخر لم يجني من ولاة أمره غير الفاقة، مأموراً من بقايا أمراء دولة الفساد والإستبداد، التي حكمت البلاد بالحديد والنار ثلاثة عقود، دروس ظل يلقنها جيل زكريا لبعض قليل من أجيال ورثت التكالب والتلاعب بمقدرات الوطن، وما زالت تمني النفس بكرسي سلطة بعيرها بارك على أنهر من دموع الثكالى، وسابحة تماسيحها في بحور من دماء اليافعين والمراهقين الصغار، الذين لم يروا من الدنيا غير السنوات الحالكات السواد التي جثم فيها الظلمة والمفسدون على جسد الوطن العزيز، وحدهم من وعوا بضرورة وحتمية التغيير، بعد أن رأوا كم هي هنيئة شعوب العالم من حولهم، فأيقنوا أن لا كريم حياة ولا مستقبل زاهر، إلّا بالتضحية من أجل إزالة الغُمّة وطي ملف الظالمين الذين أهلكوا الزرع وأيبسوا الضرع، بالنسبة لهم هي معركة للكرامة لا يشدون فيها إلّا بأنغام ملاحم الفداء والكبرياء والتفاني، غير مكترثين لتهكم المتهكمين ممن اتخمت بطونهم من موائد (البائدين).

     تزعجني هذه الوجوه الملساء المطلية بالأدهنة، التي تطل من شاشات القنوات الإخبارية، الوجوه المتمرغة في دماء الشهداء تملقاً وانتهازاً، إنّها ليست بأفضل حال من دهاقنة البطش والتنكيل الذين يسومون ابنائنا سوء القتل والتقطيع والتشويه، قبل اندلاع معركة الكرامة كانت هذه الوجوه تتودد إلى القتلة والمجرمين وتتقرب إليهم زلفى، عسى أن ينالها شيء من فتات سلطة الدم المسفوح على أرصفة الأحياء، عزيزي الشاب اليافع المراهق المتطلع نحو وطن السؤدد والأشراق، لا تكل أمرك إلى هؤلاء (المتمكيجين) الداجنين من أجل دنيا زائلة يصيبونها وأمرأة ينكحونها، صب جام غضبك على القتلة الظاهرين والباطنين، قم لحاجتك بنفسك ولا تركن إليهم ولا تنخدع لفصيح حديثهم ولا إلى معسول كلامهم ووسيم جباههم، إنّ رفقة دروب النضال لا تكون برفع العقيرة أمام الشاشات المزدانة بالألوان الزاهية، فضريبة النضال أن يُغبّر المتحدثون باسم الثورة أرجلهم وأيديهم بغبار المواكب تحت هجير شمس الظهيرة، وبدخان الغاز المسيل للدموع، لم نقرأ في تاريخ الشعوب أن هناك ثورة أشعلها غاندي من خلف أثير الاذاعات، وما غشى آذاننا أن جيفارا حلّق بطائرة فارهة فوق سماء القارة اللاتينية، بل طافها وهو سابح على سرج دراجة هوائية، وهو الطبيب الذي إذا أراد رغد العيش في ذلك الزمان لكان له ما أراد، لا تكلوا أمركم لمن لم يعش معكم لحظات اشتمام رائحة موت معارك الكر والفر الدائرة بينكم وبين العسس.

     لن تُهزموا أيها الشباب المولود من رحم شعبٍ أراد الحياة، ولا بد أن يستجيب لكم القدر، ولا محال أن ليل ظالميكم ذاهب إلى زوال وانجلاء، وأن نصركم قادم على أجنحة فجر ترفرف أعلامه فوق ساريات الوطن العزيز، ذلك الوطن الذي هو الأول وهو الآخِر، الذي هتفتم بحياته ونبضت قلوب شيبكم وشبابكم ونساءكم ورجالكم بحبه وبالمفاخر، تلك القيم والمعاني التي تجلّت في المخيلة الشعبية السودانية تواصلاً من الأجيال الغابرة وصولاً إلى الأجيال الحاضرة، عبر جسور المواكب الثائرة والممسكة بوصّية الأجداد الحاضّة على الحفاظ والمحافظة على التراب الغالي الذي لا يُقدر بثمن، المستمسكة بصون وطن الجدود المُفدّى من دنس المرتزقة وعمالة العملاء وتآمر الجواسيس، وبالتضحية اليومية بالمهج وبالأرواح التي بها نسور الاشتباكات في الساحات تجود، من أجل الوطن الذي مايزال يستبسل في سبيل تحريره الغاضبون بلا حدود، بالباحات التي ليس للباحثين عن التبهرج و(التملّس) فيها من وجود، وطن التجرّد والتمرد على القيود، والانفكاك من الحبال المجنزرات والمكبلات للانطلاقة الكبرى نحو تحقيق الغايات الهادفة في زمان نادر من أزمنة هذا الوجود، نحو تأسيس الدولة الحلم والوطن الحقيقة الذي ينعم تحت ظلاله الناس بالحريات العامة والخاصة وبأسباب الخلود، بإنصاف العدالة ونعمة الأمن واستراحة الأمان وطمأنينة السلام المستدام المصان بصدق النوايا وبالمواثيق وبالعهود.


اسماعيل عبدالله

2 يوليو 2022

ismeel1@hotmail.com

 

آراء