يا سعادة الوزير فيصل: أين الحوار؟! (٢-٢)

 


 

 

 

الحوار الذي أطالب به ليس هو من عينة ما يجري الآن في القنوات التلفزيونية، والإذاعية، والذي كثيرا ما يجريه إعلاميون ومقدمو برامج من متواضعي المواهب والإمكانيات، وبعضهم من الذين لا يؤمنون حقيقة بهذه الثورة، وممن ظلوا يؤيدون النظام البائد حتى آخر لحظات سقوطه وفنائه. مثل هذا الحوار الذي يلاحق مجريات الأحداث، ويتركز حول سياسات وبرامج الحكومة الانتقالية اليومية، على الرغم من أهميتها.

المطلوب، بصورة أهم، وأكثر إلحاحا، هو الحوار حول الرؤية والاستراتيجية الشاملة، وحول فلسفة الحكم الصحيحة. نريد حوارا جادا وعميقا يستقصي ويجيب على السؤال الجوهري، كيف يحكم السودان؟! حوار لا بد أن يشارك فيه كل حزب، وكل كيان سياسي، وكل صاحب رأي حر، وكل صاحب نظرة ورؤية فكرية شاملة، ليقدم ما عنده، ويناقشه فيما يطرح لفيف من المفكرين، ومن قادة الرأي العام، والأكاديميين، والمتخصصين، ليكون حوارا بناءًا، ومستفيضًا، ومستمرًا، يديره المؤهلون و المتمكنون فنيًا، من ذوي الدربة والخبرة، ومن المشهود لهم بريادة مؤتمرات وسمنارات الحوار المتمدن والمتقدم، من السودانيين، داخل وخارج السودان، وما أكثرهم والحمد لله.
نريد حوارا تتاح وتوفر له كل العوامل المساعدة، من إمكانات فنية، ودعم، ورعاية، وتتاح فيه فرص المشاركة لممثلين من جميع قطاعات شباب الثورة، من بقاع السودان المختلفة، الذين هم أصحاب المصلحة الحقيقية في اكتمال الوعي، ليسألوا، ليشاركوا بما عندهم، حتى يتطور ويكتمل وعبهم بمتابعة الحوار، والمشاركة فيه. ونريد للحوار أن يصبح ممارسة يومية، وأساسية، وثقافة عامة، يضطرد ويعم تأثيرها الإيجابي، فنخرج منها برؤية متقاربة لخط سير بلدنا، وخطط حكومتنا وبرامج سياساتها قصيرة الأجل، وعلى المدى الطويل، حتى تنعكس وتدعم تطور وتنمية ورفاهية الوطن، على أسس قوية من الوعي بين عامة أبناء الشعب، وبين شباب الثورة بصورة أخص.
بدون هذا الحوار الجاد والمتواصل، تزداد الحيرة، و يتفاقم التنازع والتشظي، حول كل خطوة تتخذها الحكومة الانتقالية، ويشتد التجاذب حول البرامج والخطط، على نحو ما نشهد من صراع شرس حيال قبول أو رفض التعاون مع صندوق النقد الدولي، مما سيوسع هوة الخلافات بين جميع الكيانات السياسية والأحزاب، وبين مكونات قحت وبقية الجبهات، والتي ستؤثر جميعها سلبا على وحدة شباب الثورة، وتضعف تماسكهم، وتنهك قدرتهم على حماية الثورة، وهم الذين نعول على اكتمال وعيهم، وقوة سواعدهم، أولا وأخيرا، لتحقيق أهداف الثورة، وبناء هذا الوطن، (البنحلم بيهو يوماتي).
إذا لم نسلك هذا السبيل الصحيح، وإذا لم نصر على هذا الحوار الجاد، للوصول للتقارب، إن لم نقل الاتفاق، حول هذه الرؤية الشاملة، وحول فلسفة الحكم الصحيحة الجديرة بالاتباع، لالتي يجب أن تبنى على أساسها جميع سياسات وبرامج الحكومة، سنظل ندور في الحلقة المفرغة، وسنظل نجتر هذه الخلافات، ونردد أقوالا ووجهات نظر سياسية متناقضة، لا نفتأ نتلاحى حولها، مثل تلك التي يلح المؤمنون بها على فرضها على الجميع، كمسلمات لا تقبل الشك، بدون أدنى درجات التمحيص، وبلا قناعة عامة، أو إجماع حولها، من غالبية الشعب، وستكون نتيجتها المزيد من الخلافات، والمزيد من تمزق التحالفات، والتي ستضطر بالضرورة بعض كيانات قحت، مكونات الجبهة الثورية، ومكونات تحالف نداء السودان، والأحزاب المختلفة، للتحالف حتى مع أعداء الثورة، من أنصار النظام البائد، أو مع الطامحين من العناصر العسكرية، (مثلما رأينا مؤخرا من محاولات حزب الأمة، وبالتحديد من زعيمه الإمام الصادق المهدي)، للوصول لما يريدون فرضه، على حساب الشعب، خصما على مستقبل الثورة، وستقل تبعا لهذا، وبالضرورة، احتمالات التوافق والتقارب، لأن هذه هي طبائع الأشياء، حين يكون (كل حزب بما لديهم فرحون)!
فكما لاحظ الدكتور النور حمد:
(... الثورة تعني، بالضرورة، أن هناك تطلعًا ملحًا للتغيير، لا يحتمل الإرجاء. هذا التطلُّع المُلح هو ما دفع بالناس إلى الشوارع، ووضعهم في مواجهة النظام المدحور، بكل ما كانت تحمله تلك المواجهة من أخطار. لابد لأي تغيير من خططٍ وبرامج، لكن، لا يبدو أن نخبنا السياسية بعقليتها المنحبسة في أطر الماضي ومفاهيمه، منشغلة بهذا. هي، كما عودتنا دائمًا تتصارع، على الأسلاب؛ من توسيعٍ للحيِّز السياسي، والحصول على مقعدٍ في السلطة، ومن ثم، فتح باب للثروة والوجاهة..).

bederelddin@yahoo.com

 

آراء