يُخرج الانقلاب من الثورة: دراما ما قبل مايو 969

 


 

 


IbrahimA@missouri.edu
نشر زين العابدين صالح عبد الرحمن في قصاصاته الأخيرة من دفتر المعارضة السودانية رواية عائدة إلى جريدة الخرطوم (29 نوفمبر 1993) نسبت إلى الحزب الشيوعي ترتيبات نشطة للقيام بانقلاب عسكري قبيل مايو 1969. وجاءت الرواية على لسان الدكتور أحمد السيد حمد الزعيم الختمي الاتحادي المعروف. والرواية عندنا للأسف مختلقة على ضوء روايات أخرى منشورة وغير منشورة سَتَرد. ولكن قيمتها لنا أنها، ستعيننا بفضح عيبها، على الكشف عن غير ما زعمت، وهي أن شاغل الحزب الشيوعي بقيادة أستاذنا  عبد الخالق محجوب كان كبح جماح انقلاب قامت تدابيره على قدم وساق.

    سنرى من الروايات النافية لرواية أحمد السيد حمد واقعة سياسية فارقة تدابر فيها بصورة درامية  تكتيك العمل السياسي الصبور للشيوعيين وتكتيك البرجوازية الصغيرة الانقلابي العجول بعد انتكاسة ثورة أكتوبر 1964 وذيولها السياسية الصادمة لليسار والليبراليين. فقد خرج التكتيك الانقلابي من نفس دائرة النشاط السياسي الذي رتبه الحزب الشيوعي وجماعات قريبة منه للشروع في عمل سياسي جماهيري يستردون به المبادرة لمقاومة دستور 1968 الإسلامي الذي كانت أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي وجبهة الميثاق تطبخه على نار ذات لظى. وكان هذا العمل الشعبي ما اتفق للحزب الشيوعي في اجتماع لجنته المركزية في مارس 1969 الصادر عن دار عزة بعنوان "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع (1967). وهي خطة لم تحظ بمباركة الأقلية في اللجنة المركزية للشيوعيين التي كانت قد وطنت نفسها على الانقلاب بصور مختلفة سأماً من النهوض الجماهيري. وحمل أستاذنا هذا التكتيك بحذافيره يعرضه على أصدقاء الحزب وحلفاءه ليرى رأيهم. فأتفق للجميع قيام كيان سياسي على بينة من هذا التكتيك لمراكمة نشاط جماهيري يقلب الطاولة على قوى الردة على ثورة أكتوبر ويسترد معانيها. وهكذا سنرى، وفي لحظة حبلى معقدة من التاريح، كيف خرج الانقلاب من صلب نشاط قاصد لعمل جماهيري قاعدي: كيف خرجت العجلة من موضع للأناة. وفسد الأمر.

    سنوجز رواية أحمد السيد عن ذلك النشاط السياسي للشيوعيين ومن تبعهم بإحسان في تلك الفترة التي نسبت للشيوعيين همة إنقلابية لا أساس لها من الصحة. قال:      

       تواتر أن الأميرالاي عبد الرحيم شنان يعد لانقلاب. ومعلوم أن شنان انقلب على عبود مرتين في 1959 وفشل الثاني فأودع السجن في محاكمات مذاعة فتحت عين الجيل لثقافة المحاكم. وكان شنان عضواً بالاتحادي الديمقراطي. ونفى أحمد السيد خبر تدبير شنان لانقلاب. بل الصحيح في قوله إن الشيوعيين من كانوا يعدون للانقلاب باحثين عن واجهة له. فأتصلوا بشنان الذي نقل لأحمد السيد حمد وللسيد محمد عثمان الميرغني فحوى اتصال تم به بواسطة عبد الخالق محجوب ليكون واجهة انقلابهم. وقال إنهم في الختمية (لا الحزب الاتحادي الديمقراطي) مالوا للفكرة خوفاً من يقوم حزب الأمة مرة أخرى بتسليم الحكم للعسكر من صفه كما فعل في 1958.  

    وتواضع الختمية مع الشيوعيين على وجوب الانقلاب. فاستمال الشيوعيون لمشروعهم في الأثناء بابكر عوض الله الذي استقال عن رئاسة القضاء مغاضباً للزعيم الأزهري. وكان أحمد السيد غير راض عن استقالة بابكر عوض الله وأعرب عن ذلك للزعيم. ولجهة إعداد الانقلاب تكونت لجنة ضمت عبد الخالق محجوب والأميرالاي شنان و بابكر عوض الله و السيد محمد عثمان الميرغني وأحمد السيد حمد مهمتها التنسيق و التشاور بعد أن تم الاتفاق علي ضرورة رحيل نظام الحكم. وكان يتولى محمد نور السيد، صديق مخلص لعبد الخالق، عملية تنظيم عقد الاجتماعات التي تم معظمها في ضاحية الصافية. فأدوا القسم علي المحافظة علي سرية أعمال اللجنة. ولكن في مرحلة متقدمة ساور الشيوعيون الشك في الأميرالاي شنان. فكانوا يريدون معرفة أسماء سائر أعضاء تنظيمه وكان هو بدوره يريد معرفة أسماء تنظيم الشيوعيين داخل القوات المسلحة. ولا يذكر أحمد السيد مصير هذا الحلف الانقلابي ولكن زين العابدين صالح استنتج أن أحمد ربما نسب الانقلاب للختمية. وتساءل: إذا كان الانقلاب المقصود هو انقلاب مايو: لماذا قدم الانقلابيون أحمد السيد حمد للمحاكمة؟ هل هذه بادرة باكرة ل"أذهبوا إلي السلطة و أنا ذاهب للسجن."

    سأعرض في الحلقة القادمة رواية لمحمد أحمد محجوب وأخرى لمحجوب محمد صالح تزيل هذا اللبس. ونسترد بهما حقائق الساحة السياسة في ظل ردة أكتوبر التي خرج فيها، ومن اجتماع واحد، الانقلاب البرجوازي الصغير من صلب التكتيك البروليتاري للحزب الشيوعي.

 

آراء