٦ أبريل و مقاربة بين ثورتين: ادمان الامل بديلا عن أدمان الفشل

 


 

 

 

٦ ابريل يعتبر يوما مهما عبر تاريخ السودان الحديث، فقبله تدرجت ثورتين لتاتي لحظات تجلياتهما عبر هذا اليوم، وهما انتفاضة ٦ ابريل ١٩٨٥ و التى اندلعت في نهاية مارس لتصل الي لحظة انتصارها عبر هذا اليوم، و كذلك ثورة ديسمبر و التي اندلعت في١٩ ديسمبر ٢٠١٩ و التي تواصلت تحدياتها الي ان وصلت الي يوم ٦ ابريل، و الذي كان يوما مفصليا و محوريا في مسار هذه الثورة، اذ شكل هذا اليوم زخما ثوريا استجمع فيه الثوار و الثائرات رصيدهم الثوري الذي ابتدا يوم ١٩ ديسمبر و توجهوا الي القيادة العامة حيث بدا الاعتصام و الذي أدي و بالنتيجة لاسقاط النظام ،و بالرغم مما حدث لاحقا من قتل وسط الثوار و المعتصمين و من ثم فض الاعتصام و الذي ما زال سؤال فضه قائما، و ضرورة محاسبة الذين قاموا بذلك مطلبا شعبيا..اقول بالرغم مما حدث في ميدان الاعتصام الا ان يوم ٦ ابريل يعتبر هو يوم الثورة العظيم لثورة ١٩ ديسمبر، كما كان يوما تاريخيا عبر انتفاضة ١٩٨٥..هذا اليوم و الذي نحتفل فيه بثورتين يطرح قضيتين اساسيتين و هما، التطلع المشروع للتغيير و الذي يتطلع اليه الشعب السوداني، و الاخفاق الذي رافق هذا التغيير منذ ثورة اكتوبر و حتي انتفاضة أبريل و كيفية الاستفادة من هذا التاريخ الممهور بالفشل في النظر لثورة ١٩ ديسمبر و ماَلاتها..

*القاعدة و القادة*
بالنظر للثورات التي سبقت ثورة ١٩ ديسمبر ٢٠١٩ نستطيع ان نقول بأن النتيجة كانت الفشل، و هذا يؤشر الي حقيقة أن القاعدة الجماهيرية و التي احدثت هذه الثورات لم يتم التعبير عنها بشكل حقيقي من قبل القادة الذين قادوا مهام هذه الثورات، و هذا يتطلب استعادة دور القادة او القيادة تجاه القاعدة عندما نتحدث لاحقا عن ثورة ١٩ ديسمبر..هذه الاشكالية هي إشكالية تاريخية ترتبط بتكون و نشاة القوي السياسية بعد الاستقلال، اذ تداخلت الظاهرة الاستعمارية و الوطنية في تكوين بعض هذه القوي، مستندين في هذا التحليل الي نشوء الطائفية في السودان و التي دعمها و شجعها الاستعمار ابتداءا و التي استقطبت المثقفين الذين قاوموا الاستعمار و بالتالي انحراف مسار التغيير منذ تلك اللحظة التي خرج فيها الاستعمار. اذ طرحت هذه القوي الطائفية قضية التحرير بديلا عن التعمير عبر شعاراتها، دون وعي بعناصر التغيير ، او ادراك طبيعة المرحلة التي أعقبت خروج المستعمر و التحديات التي واجهت الوطن آنذاك، و من هنا بدا الفشل الذي صاحب هذه الثورات، اذ اصبحت ذات القوي الطائفية هي القائدة للتغيير بعد اندلاع ثورتي أكتوبر و ابريل، مما شكل ذلك فصلا بين تطلعات القاعدة و دور القيادة و اصبحنا ندور في دائرة الفشل منذ الاستقلال و حتي الوقت الراهن..في هذا التحليل و الذي يربط الظاهرة الاستعمارية بنشوء بعض القوي السياسية فإن بعض القوي العقائدية لم تخرج من هذا الإطار..فحركة مثل حركة الاخوان المسلمين ارتبطت و عند انشاءها في الاسماعلية بواسطة زعيمها حسن البنا بدور السلطات البريطانية و التي ساعدت في اتجاهات تكوينها لضرب الحركة الوطنية المصرية و بالتالي ضرب مشروع الحداثة الذي كان ينادي به البعض..هذا التحليل تدعمه الممارسات التي تمت من قبل هذه القوي و التي اضاعت ثورات كبيرة نتيجة لانعدام الاصالة و الوعي الوطني الصميمي و الذي يجعل من مقولة المفكر فرانز فانون مقولة ذاث دلالات عميقة و هي( علي الشعب ان يدرك ان الإستقلال الوطنى يبرز وقائع اخري كثيرة هي في بعض الأحيان متباعدة بل متعارضة....كما يبيت لزاما علي الشعب أيضا أن يدرك ان هناك أناسا من بني وطنه لا يتمسكون بمصالحهم فحسب بل ينتهزون كذلك فرصة النضال لتعزيز وضعهم المالي)..هذا القول الذي ذكرته لا يقول بأن القوي السودانية التي ذكرتها هي قد وقعٌت في دفاتر الاستعمار و لا استطيع بوصفها بالعمالة للأستعمار، الا ان طبيعة تكوينها و الذي تدخل فيه الاستعمار سواء كانت تدرك ذلك او لم تدركه هو الذي حكم مسار تطورها و هو ما ادي الي اجهاض هذه الثورات عندما تسلمت هذه القوي السلطة سواء كان ذلك عبر الفترة الديمقراطية او عبر الحقبة الدكتاتورية التي جسدها الأخوان المسلمون، ما يعطي هذا التحليل مشروعيته فإن الهدف الأساسي الذي رسمه الاستعمار هو استمرار التبعية و ذلك من خلال جعل البلدان التي خرج منها عاجزة عن تطوير ذاتها و بالتالي فحالة العجز التي تجسدت منذ الاستقلال و حتي قيام ثورة ديسمبر خدمت ذلك الإتجاه، و الاهم فقد خدمت واقع التخلف الذي اراده الاستعمار لنا، او الذي اردناه لأنفسنا بعدم الوعى بأسس التغيير..نستطيع ان نقول و استنادا لهذا التحليل بان المرحلة التي اعقبت الاستقلال هي مرحلة الفشل، و بالتالي هي حالة ادمان الفشل كما اطلق علي ذلك الدكتور منصور خالد..هذه الحالة هي نتاج عجز القوي المذكورة سابقا، فهل يمكن ان نستفيد من هذه الحالة التاريخية او حالة الفشل و نحن ننظر الي ثورة ١٩ ديسمبر..ان ثورة ١٩ ديسمبر يجب ان تعيد معادلة القاعدة و القيادة من حيث استعادة دور القوي الحية التي تعي مصالح الجماهير و قيادة التغيير بوعي جديد، فهل ذلك ممكنا؟ هذا سؤال صعب و معقد لأن ذات القوي التي تحدث عنها المقال ما زالت تعمل في الساحة و قد تعود مرة اخري في المشهد عبر الديمقراطية القادمة و اقصد قوي اليمين و بكافة اشكالها، و الحل في تقديري يكمن في بروز قوي جديدة تستوعب طبيعة المرحلة ناظرين الي قوي اليسار وعلاقتها بالذين فجروا ثورة ١٩ ديسمبر، لكن الأهم في كل ذلك هو دعم الحكومة الأنتقالية الحالية، و العمل علي استدامة الديمقراطية و هو العنصر الأهم في تجاوز قوي اليمين نحو قوي التغيير الحقيقية... في الختام نقول بان ثورة ١٩ ديسمبر ما زالت مواجهة بتحديات عديدة و عقبات يدركها الجميع، و لكن يجب ان لا نفقد الأمل، فلقد عشنا حالة ادمان الفشل لعقود عديدة عبر ثوراتنا السابقة، و لننتقل من حالة ادمان الفشل الي حالة ادمان الامل حتي نعبر بهذه الثورة نحو اهدافها في الحرية و العدالة و السلام..

ahmedvi09@gmail.com

 

آراء