آه.. ياسودان … بقلم: هاشم بانقا الريح
hbrayah@yahoo.com
وأنا أيضاً أردد ، حتى يجف ريقي، "آه .. يا سودان"، وأقف تحية للأستاذ عبدالله يحي بخاري على إحساسه بالوجع الذي لم يحس به بعض بني جلدتنا.
تحت العنوان أعلاه كتب بخاري في صحيفة "عكاظ" السعودية اليومية التي تتخذ من مدينة جدة مقراً لها، مقالاً يوم 30 نوفمبر 2010م ترحم فيه على حلم كان يراود المواطن العربي في أن يرى السودان وقد أطعم ، من سلته، العالم العربي بأسره.. ومضى للقول:
(كنا نحلم قبل خمسة أعوام أن يصبح السودان الشقيق في يوم قريب سلة الخبز العربي. فالسودان يمتلك كل المقومات التي يمكن أن تجعل منه أحد أكبر وأهم وأغنى الدول الزراعية في العالم. لديه الأراضي الشاسعة والتربة الخصبة الصالحة للزراعة، والمياه الحلوة، والأنهار الجارية، والتنوع المناخي والجغرافي والإيكولوجي، والأيادي العاملة الرخيصة، إلى آخر تلك العوامل والمقومات الضرورية لنشاط زراعي متفوق وثروة زراعية مرموقة.)
وأضاف: (حلم كبير، دولة عربية واحدة، بمساحة شاسعة (أكبر دولة عربية وأفريقية مساحة)، وتعداد لا يزيد على 38 مليونا، ومتوسط عمر شعبها في حدود 20 عاما، يمكنها أن تطعم أمة عربية بأكملها وبتعدادها الذي يزيد على 300 مليون نسمة، وتغنيهم عن استثمارات زراعية في بلاد أخرى. ولكن هل يسمح العالم المسيطر زراعيا وصناعيا، الذي يعيش على التصدير، بأن تصبح هذه الأمة العربية مكتفية ذاتيا زراعيا وغذائيا؟)
واختتم الأستاذ بخاري مقاله بهذه العبارة التي يمكن أن نقول هي بمثابة نعي لدولة السودان، وهي دولة كان الحلم الكبير أن تُطعم العرب، بل والعالم، من خيراتها، ولكنها الآن مهدةة، أو بالأصبح، على وشك أن تُقسم، مما يعني ضياع الكثير من الأحلام.
(يبدو أن حلمنا الكبير سيظل مجرد حلم، فالسودان على وشك أن يجزأ، وأن يقسم، وأن يتشرذم، وسوف نظل نشتري غذاءنا من الدول المسيطرة التي خططت لانقسام السودان وتجزئته وشرذمته، وسنظل نأكل من زرعهم ونخبز من غلالهم، طالما أمكننا تسديد الفاتورة بأسعار هم يحددونها حسب تقديراتهم، وحسب مزاجهم وتفضلهم، ويلقون بالفائض في المحيطات أو يطعمون بها ماشيتهم. وآه يا سودان.)
لكن قد يقول البعض: ما ذا تفيدنا مثل هذه الآهات ونحن قد عملنا بكل جرأة على تفتيت الوطن؟ ماذا تفيدنا هذه الآهات وقد عملنا على القضاء على حلم ظل يراود الملايين أن نوفر لهم الغذاء في زمن عز فيه الحصول عليه؟
تفيدنا كثيراً مثل هذه الآهات، ولو كنا نتأوه من داخل قلوبنا، ونراجع أنفسنا وسياساتنا بين كل فترة وأخرى، ونتحسر على ما جنيناه بحق الوطن.. لو كنا نفعل ذلك.. لكان حالنا اليوم غير هذا الحال (المايل). مشكلتنا جميعاً أننا نصحو في الزمن الضائع، ثم نبدأ في الصياح والعويل. ليس هذا جلد للذات وإنما هو الواقع بعينه.. افتقدنا الصراحة والشفافية في تكوين أحزابنا السياسية، وأصبح شغلنا الشاغل .. نفسي.. نفسي... ظل كل منا – إلا ما رحم ربي وقليل ماهم – يحفر عميقاً لأخيه وما درى أن الهاوية ستبتلعه أيضاً.. بل ستبتلعنا جميعا..
هي يُعقل أن تتبدد الأحلام والأمنيات هكذا؟ وهل يُعقل أن نعجز، رغم إداعاءاتنا المتكررة بامتلاك ناصية الفهم والمعرفة في السياسة، والاقتصاد وغيرها.. أن نعجز في حل مشكلاتنا المستعصية، ونعلق اخفاقاتنا وفشلنا على التآمر الخارجي. حتى الاستفتاء والانفصال الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى – إلا أن تحدث معجزة،- قد وصفه أحد خطباء الجمعة بأنه مؤامرة أجنبية حيكت بليل.. أين كنا عام 2005م عندما وقعنا اتفاقية تنص على إجراء الاستفتاء وتمنح جنوب الوطن حق الانفصال؟ ألسنا نحن من وقع تلك الاتفاقية؟ صحيح أن الاتفاقية قد أوقفت نزيف الحرب التي ظلت تهلك الحرث والنسل سنين طويلة، ولكنها لم تكن مبرأة من كل نقيصة، وأعظمها هذا الذي يسمى "حق تقرير المصير" .. إذا كان كل هذا تآمر أجنبي ونحن عليه شهود، فينبغي أن نعترف أننا لم نكن جديرين أصلاً بأن نكون بلداً مستقلا. وهل حقاً نحن كذلك؟