آه يا وطن !
د. زهير السراج
8 September, 2022
8 September, 2022
manazzeer@yahoo.com
* مطار بالى كئيب فناؤه مكتظ بالمئات ما بين مسافر ومودع وعامل وبائع وفضولي، لا تجد شيئاً تجلس عليه ولا ظلا تستظل به، ولا هدفا مقنعا للموجودين هنالك سوى القلة منهم .. عمال توصيل العفش يدفعون عربات صدئة بصعوبة بين الحفر والمطبات، تنادى احدهم ويأتيك خمسة او ستة، كلهم بملابس بالية ومتسخة وشباشب سفنجة (كل واحدة من بلد) حالها يحكي عن حال الوطن ..
* تصل الى البوابة بصعوبة بين جموع البشر، ولا ترى ابتسامة فى وجه واحد منهم، كأنهم فى مأتم. يجلس بالمدخل شاب تتدلى من عنقه ديباجة لم اهتم بماهيتها كثيراً ..
هو: جوازك!
انا: هاك ..
هو: تذكرتك معاك؟
انا: التذكرة إلكترونية..
هو: اسحبها لى فى موبايلك عشان اشوفها..
* حاولت واخذ ذلك وقتاً ليس بالقصير لرداءة الشبكة قبل ان يمل ويسمح لى بالدخول: "مع السلامة يا حاج".
* فى مثل هذا الوقت قبل عام غادرت الخرطوم فى ختام زيارتى للسودان، وهآنذا اغادرها الآن ولكن شتَّان بين المرتين.. غادرتها مفعمة بالحياة زاهية نضرة موعودة بمستقبل زاهر وشمسها على وشك الشروق من ظلام ليل دامس بارد. غادرتها و قد لاحت فيها معالم دولة وفي آفاقها خير و بركة، وفى فضاءها حرية و سلام و عدالة، وعلى الوجوه ابتسامات مضيئة ومظاهر أمل، غادرتها وقد اصبحت عاصمة لها شأن بين العواصم و تستعد شركات الاستثمارات لشد الرحال اليها.
* غادرتها وانا ارنو الى السماء وازداد شموخا وفخراً وعزة. غادرتها وابتسامة شهدائنا تنير الجنان وقد ايقنوا ان ما رووه بدماءهم الزكية يوشك ان ينمو ويصبح حقلاً بهيّاً، وان احلامهم دبت فيها معالم الحقيقة، وغرسهم يوشك ان يؤتي اكله.
* غادرتها و الكل يصدح (شكراً حمدوك) رغم تراخى الرجل فى بعض مستحقات الثورة، ولكن من اجل ان تسير الحياة الى الامام بسلام ولو ببطء كما كان يقول هو.. غادرتها وأنا ملئ بالحياة والأمل وكل شيء يبشر بالخير والنماء ..
* فجأة حلت المصيبة بإنقلاب ٢٥ اكتوبر وما تبعه من مصائب واحداث، وعندما عدتُ إليها هذا العام وجدتها وقد علا هامتها البؤس، ونعق غراب الشؤم على اسطح بيوتها الباكية .. واغادرها اليوم وهى الى الموت أقرب من الحياة ..
* أغادرها ولقد انقلب العرس الى مأتم بفعل أحمق اغتال العريس والعروس. أغادرها وشهداء ثورتنا المجيدة يتقلبون فى قبورهم حسرة، ويموتون فيها كمدا عشرات المرات في اليوم الواحد. اغادرها و قد صعدت ديوك العدة على العدة مرة أخرى بأرجل يملؤها الطين والوحل والقاذروات والحقد الدفين ..
* اغادرها والانقلابيون يقتلون مستقبلها ويرجون الخلاص فى ماضٍ كالح السواد، ويتصدر المشعوذون و الدجالون و كهنة الضلال ومرتزقة الحركات المشهد.. اغادرها و قد غادرها الامل وخاب رجاء الملايين وماتت احلام الشباب .. اغادرها بدون ان ازور كشك الهدايا بالمطار، ولا الكافتيريا لارتشف القهوة كما فعلت المرة السابقة..
* يا حسرتاه على دولة تقهقرت الى الدرك فى كل شيء بسبب شلة من النفعيين الانانيين والحمقى بعد ان كانت على مشارف الانعتاق و الازدهار..
* كان ذلك ما كتبه (ساتي فقيري)، ولا شك أنه يجيش في خاطر كل منا ويعبِّر عن مشاعرنا ويجعل اعيننا تفيض بالدموع .. لك الله وطن !
///////////////////////////
* مطار بالى كئيب فناؤه مكتظ بالمئات ما بين مسافر ومودع وعامل وبائع وفضولي، لا تجد شيئاً تجلس عليه ولا ظلا تستظل به، ولا هدفا مقنعا للموجودين هنالك سوى القلة منهم .. عمال توصيل العفش يدفعون عربات صدئة بصعوبة بين الحفر والمطبات، تنادى احدهم ويأتيك خمسة او ستة، كلهم بملابس بالية ومتسخة وشباشب سفنجة (كل واحدة من بلد) حالها يحكي عن حال الوطن ..
* تصل الى البوابة بصعوبة بين جموع البشر، ولا ترى ابتسامة فى وجه واحد منهم، كأنهم فى مأتم. يجلس بالمدخل شاب تتدلى من عنقه ديباجة لم اهتم بماهيتها كثيراً ..
هو: جوازك!
انا: هاك ..
هو: تذكرتك معاك؟
انا: التذكرة إلكترونية..
هو: اسحبها لى فى موبايلك عشان اشوفها..
* حاولت واخذ ذلك وقتاً ليس بالقصير لرداءة الشبكة قبل ان يمل ويسمح لى بالدخول: "مع السلامة يا حاج".
* فى مثل هذا الوقت قبل عام غادرت الخرطوم فى ختام زيارتى للسودان، وهآنذا اغادرها الآن ولكن شتَّان بين المرتين.. غادرتها مفعمة بالحياة زاهية نضرة موعودة بمستقبل زاهر وشمسها على وشك الشروق من ظلام ليل دامس بارد. غادرتها و قد لاحت فيها معالم دولة وفي آفاقها خير و بركة، وفى فضاءها حرية و سلام و عدالة، وعلى الوجوه ابتسامات مضيئة ومظاهر أمل، غادرتها وقد اصبحت عاصمة لها شأن بين العواصم و تستعد شركات الاستثمارات لشد الرحال اليها.
* غادرتها وانا ارنو الى السماء وازداد شموخا وفخراً وعزة. غادرتها وابتسامة شهدائنا تنير الجنان وقد ايقنوا ان ما رووه بدماءهم الزكية يوشك ان ينمو ويصبح حقلاً بهيّاً، وان احلامهم دبت فيها معالم الحقيقة، وغرسهم يوشك ان يؤتي اكله.
* غادرتها و الكل يصدح (شكراً حمدوك) رغم تراخى الرجل فى بعض مستحقات الثورة، ولكن من اجل ان تسير الحياة الى الامام بسلام ولو ببطء كما كان يقول هو.. غادرتها وأنا ملئ بالحياة والأمل وكل شيء يبشر بالخير والنماء ..
* فجأة حلت المصيبة بإنقلاب ٢٥ اكتوبر وما تبعه من مصائب واحداث، وعندما عدتُ إليها هذا العام وجدتها وقد علا هامتها البؤس، ونعق غراب الشؤم على اسطح بيوتها الباكية .. واغادرها اليوم وهى الى الموت أقرب من الحياة ..
* أغادرها ولقد انقلب العرس الى مأتم بفعل أحمق اغتال العريس والعروس. أغادرها وشهداء ثورتنا المجيدة يتقلبون فى قبورهم حسرة، ويموتون فيها كمدا عشرات المرات في اليوم الواحد. اغادرها و قد صعدت ديوك العدة على العدة مرة أخرى بأرجل يملؤها الطين والوحل والقاذروات والحقد الدفين ..
* اغادرها والانقلابيون يقتلون مستقبلها ويرجون الخلاص فى ماضٍ كالح السواد، ويتصدر المشعوذون و الدجالون و كهنة الضلال ومرتزقة الحركات المشهد.. اغادرها و قد غادرها الامل وخاب رجاء الملايين وماتت احلام الشباب .. اغادرها بدون ان ازور كشك الهدايا بالمطار، ولا الكافتيريا لارتشف القهوة كما فعلت المرة السابقة..
* يا حسرتاه على دولة تقهقرت الى الدرك فى كل شيء بسبب شلة من النفعيين الانانيين والحمقى بعد ان كانت على مشارف الانعتاق و الازدهار..
* كان ذلك ما كتبه (ساتي فقيري)، ولا شك أنه يجيش في خاطر كل منا ويعبِّر عن مشاعرنا ويجعل اعيننا تفيض بالدموع .. لك الله وطن !
///////////////////////////