أبيي: قصة خلاف طويل لم ينته … تقرير: خالد البلولة ازيرق

 


 

 


 مرة أخري ومع اقتراب موعد الاستفتاء علي جنوب السودان صعدت أبيي مجدداً الي واجهة الأحداث، وبدأت تتصدر أجندة الخلافات السياسية بين شريكي الحكم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، خلاف حول ترسيم حدودها وفقاً لما نص عليه قرار هيئة التحكيم الدولية بلاهالي، تمهيداً لإجراء الاستفتاء بشأن تبعيتها لشمال أو الجنوب، واستفتاء هو الآخر يشهد خلافاً سياسياً وفنياً كبيرا حوله، خاصة فيما يتعلق بتكوين مفوضيته وتحديد الناخب الذي يحق له التصويت في استفتاء ابيي المرتقب، خلافات أعادت مجدداً المنطقة التي شهدت هدوءاً نسبياً بعيد قرار التحكيم الدولي الي حالة من التوتر السياسي الذي ربما ينعكس بدوره علي الوضع الأمني بالمنطقة الذي يوصف بالهش نتيجة كثير من العوامل التي تتداخل فيها سلبا وايجاباً.
بدأت التطورات الأخيرة تتصاعد حول أبيي، التي كانت مشكلتها في تكوين مفوضيتها وترسيم حدودها، تساير ذات المشكلة التي تعترض تكوين مفوضية استفتاء الجنوب وكذلك لجنة ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وكان البطء والتعقيدات التي ارتبطت بمفوضية الاستفتاء وترسيم الحدود تؤثر كذلك علي آليات تنفيذ برتكول أبيي ذو الارتباط الوثيق بهما، ولكن قضية ابيي اخذت في التصاعد الاسبوع قبل الماضي عند صرح مستشار رئيس الجمهورية الفريق صلاح عبد الله قوش بقوله ان قرار المحكمة الدولية لم يحل مشكلة ابيي ولم يكن عادلا او شافياً او ملبياً لاحتياجات الطرفين، ودعا الى ايجاد مخرجات جديدة بالنسبة للشريكين. تصريح أعاد مجدداً أبيي الي واجهة الأحداث وزاد من تعقيدها كثيراً بعد ان ردت الحركة الشعبية بعنف علي تلك التصريحات التي وصفتها بالنكوص عن قرار التحكيم الدولي بلاهالي الذي سبق للمؤتمر الوطني الاعتراف به وعلن التزامه بتطبيقه علي ارض الواقع، وحذرت الحركة الشعبية من التشكيك في قرار محكمة التحكيم الدولية بشأن نزاع ابيي، واعتبرت القرار خطا احمر واكدت حق مواطني المنطقة في مقاضاة الحكومة في حال نكوصها عن القرار. ومن جهته اتهم دكتور لوكا بيونق وزير رئاسة مجلس الوزراء، في ندوة "دور المجتمع الدولي والاقليمي في الاستفتاء والتاثير علي خياراته" التي اقامتها الامانة السياسية بالمؤتمر الوطني بولاية الخرطوم بقاعة الصداقة يوم الثلاثاء الماضي، اتهم تيارا داخل المؤتمر الوطني بأنه يسعي لعرقلة استفتاء ابيي وقال "اي تاخير في استفتاء ابيي سيؤثر علي قضايا السلام الأخري ويمكن ان يؤثر علي الامن السوداني، لأن المؤتمر الوطني بدا يشكك في قرار التحكيم الدولي وهذا امر خطير يعطي الحق للمواطنيين لمقاضاة الحكومة دولياً".
يواجه استفتاء ابيي بكثير من التعقيدات السياسية والفنية، فمفوضية استفتاء ابيي المعنية بحسم قضية المنطقة لم تشكل بعد وهناك خلافات كبيرة بين الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول تشكيلها وكانت الحركة الشعبية قد قالت ان الخلافات بينها والمؤتمر الوطني حول تشكيل مفوضية ابيي وصل لطريق مسدود وان الحوار جار لتجاوز العقبة، بعد ان نكص المؤتمر الوطني عن اتفاق مسبقاً مع الحركة الشعبية بأن يختار رئيس مفوضية استفتاء جنوب السودان علي ان تختار الحركة الشعبية رئيس مفوضية ابيي التي ستواجه بدورها كذلك معضلة تحديد الناخب الذي يحق له التصويت في استفتاء ابيي أن جعلها قانون استفتاء ابيي من اختصاص مفوضية ابيي. وكان اللواء عبد الرحمن ارباب محافظ ابيي سابق قال لـ"الصحافة" ان هناك ثلاث اشكاليات ستعيق عملية تنفيذ الاستفتاء وهي ترسيم الحدود لأن قرار لاهالي حدد الحدود بخطوط وهمية وليس طبيعية وهذه قد تؤدي عند تنفيذ الي تقسيم قري الي نصفين، وقال ان الاشكالية الثانية ان المسيرية غير موافقين علي هذه الحدود الوهمية، وثالثاً ان بروتكول ابيي أعطي الحق لتصويت في الاستفتاء لمجتمع ابيي والسودانيين الاخرين المقيمين، والمسيرية بطيعهم غير مقيمين الاقامة الكاملة وهذه واحده من الاشكاليات، وقال ارباب ان القضية اصبحت في يد مفوضية استفتاء أبيي التي ترك لها تحديد ذلك، واضاف "المفوضية تتكون من خمسة اعضاء إثنان من المسيرية وإثنان من الدينكا وواحد مستقل" وقال الموضوع سيكون معقد جداً حسب ميول العضو الخامس، اذا كان ميوله للحركة الشعبية سيكون ذلك خصماً علي مشاركة عدد كبير في التصويت، واذا كانت ميوله للحكومة سينضم عدد كبير جداً من السكان للمشاركة في التصويت، واشار ارباب الي ان الحكومة منذ فترة تستخدم نظرية ترحيل المشكلة منذ توقيع البرتكول الي اللجوء الي لاهالي ثم إنتهت الي القانون والمفوضية لتحديد الناخب، وقال ان هذا الاشكال يتطلب تدخل حكماء لمعالجتة لأن ضيق الوقت للاستفتاء قد يخلق توترات في المنطقة، وقال "اللجنة ستجد صعوبات كثيرة في تحديد الناخب".
وبخلاف القضايا والتعقيدات الفنية المتعلقة بعمل مفوضية استفتاء ابيي فإن هناك تعقيدات اخري تواجه القضية الفنية الأخري المتعلقة بترسيم حدود منطقة أبيي حسب قرار هيئة التحكيم الدولية بلاهالي، فالقرار يواجه برفض من قبل المسيرية الذين يرون أنه انتقص حقوقهم، ومن جهة اخري يواجه بتعقيدات فنية في ترسيمه علي ارض الواقع، لان قرار محكمة لاهاي كان ذا شقين، الاول: تحديد الرقعة الجغرافية لابيي، والشق الثاني ترسيم الحدود، وبرغم من أن رئاسة الجمهورية كونت لجنة ترسيم الحدود لكن الاعتراضات علي القرار عطلت عمل اللجنة كثيرا خاصة بعد تلقيها لتهديدات من مليشات مسلحة عطلت عملها. وقال مولانا دينق أروب حاكم ادارية أبيى فى حوار له مع الزميلة "الرأي العام" أنهم سيلجأون لمجلس الأمن لمطالبة الحكومة بتنفيذ الحدود ورسمه على الأرض بعد ان تم تحديده على الخريطة وصدر قرار جمهورى من رئاسة الجمهورية بترسيم الحدود وكوِّن لجان لذاك الغرض، إلا أنه قال أن اللجان واجهت صعوبات فى الحدود الشمالية حيث تعرضوا لتهديد من قبل مليشيات المسيرية، ولم تسطتع لجنة ترسيم الحدود ممارسة عملها شمال المنطقة وتحديداً خط "10-10" عرضاً، وقال اروب أن هناك عملية بناء مستوطنات فى الحدود الشمالية وإتهم المؤتمر الوطنى بالوقوف وراء العمليات الإستطيانية، وقال قبل ان نذهب الى لاهاي اتفقت الحركة الشعبية مع المؤتمر الوطني "حكومة السودان" في اتفاقية مكتوبة نصت على ان قرار لاهاي ملزم ونهائي، كما نصت على أنه في حال الاجراءات القضائية وأثناء التنفيذ لا تتمتع حكومة السودان بالسيادة ففيما يتعلق بقرار محكمة لاهاي ليست هناك سيادة لحكومة السودان، لذلك ان تنفيذ القرار بيد رئاسة الجمهورية، واذا لم يتم تنفيذ القرار الخاص بأبيي وحدثت مشاكل فيمكن أن تؤثر على دول الجوار وعلى السلام العالمي، وهذه هي الجزئية التي يمكن أن يتدخل فيها مجلس الامن. لكن الأمين السياسي بالمؤتمر الوطني البروفيسور ابراهيم غندور، قال ان قضية ابيي جزء من ترسيم الحدود، وما ينطبق على بقية الحدود ينطبق عليها رغم قرار التحكيم الدولي، ووصف غندور في حواره مع «الصحافة» الاسبوع الماضي قضية ابيي بأنها شائكة وتحيط بها كثير من الملفات التي تحتاج الى عناية خاصة وارادة واتفاق قوي، وابان ان قرار لاهاي حول أبيي حوى نقاطا عامة ووضع خارطة الطريق للاتفاق ولكنه قطعاً ليس ترسيما للحدود، لأنه ترك للجهات الفنية إكمال ترسيم الحدود، واشار غندور الى المصالح التاريخية والتداخلات القبلية الكبيرة في المنطقة لابد من ان تراعى بصورة واضحة جداً، عبر استصحاب قبائل المنطقة وعلى رأسها المسيرية ودينكا نقوك، واكد ضرورة استيفاء هذه المصالح حتى في حال قيام دولة مستقلة في الجنوب.
وكانت منطقة ابيي قد شهدت مظاهرات سلمية لمنظمات المجتمع المدني في الثاني والعشرون من يوليو الماضي بمناسبة مرور عام علي قرار تحكيم لاهالي حول أبيي، وقد نددت التظاهرات بعدم ترسيم الحدود وتكوين مفوضية استفتاء المنطقة ليقرر سكان أبيي كما جاء في بروتكول أبيي وقانون الاستفتاء في 9 يناير 2011م حول تبعية المنطقة السياسية الي شمال أو جنوب السودان، وقرر تجمع منظمات المجتمع المدني بأبيي تسيير مظاهرات سلمية في الثاني والعشرون من كل شهر وكذلك في التاسع من كل شهر حتى موعد إجراء استفتاء المنطقة. فيما يتخوف مراقبون ان تنزلق المنطقة مجدداً الي دائرة العنف نتيجة الاستقطاب والاستقطاب المضاد الذي تشهده المنطقة بسبب ترسيم حدودها واجراء استفتاءها.


khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء