أحَسبَ رموز النظام البائد وفلوله أن يتركوا سُدَّى؟

 


 

 

من عجائب المشهد السياسي السوداني، إن يتجرأ القتلة واللصوص، وسارقي أموال الشعب على التهديد بالوعيد، لمن يعتزمون ملاحقتهم، للقصاص منهم، وتجريدهم من الثروات والممتلكات التي نهبوها خلال الثلاثين عاماً. وما كانوا بقادرين على إخراج رؤوسهم من الأجحار، لو لا الغطاء القضائي والأمني الذي وفّرته لهم السلطات الانقلابية، الحاكمة الآن بأوامرهم، والتي تسابق الزمن، وتستميت لإعادة تمكين رموزهم.
تابع الشعب السوداني مؤخرا مخاطبة عنترية عبر تسجيل فيديو لعنصر لجهاز الأمن السابق أنس عمر، يزبد ويرغي، محذراً القوى السياسية أمام المحكمة الصورية والعبثية لمدبري انقلاب الـ 30 من يونيو 89 يردد فيها عبارة "أحسن ليكم تختونا، دربنا فِكو" ضاغطا على كل حرفٍ من حروفها، معرفا أنفسهم بالتيار الإسلامي.
وجدوا أنفسهم في زاوية دفاع ضيفة للغاية، وأنّ فسحة الاتفاق الإطاري أضيق عليهم من ضيق "ود اللحد" لتارك الصلاة، ولم يتبقَ لهم سوى استعراض العنتريات الجوفاء، والتي ما قتلت ذبابة، ولن تخيف نعامة ربداء، لذا طفق عنصر جهاز المخابرات أنس عمر يمّني نفسه، ويبّشر زمرته من يتامى النظام البائد، بأن موعد خروج قياداتهم الفاسدة، وشيوخ الضلال الرازحين في سجن كوبر قد أقترب، وذلك عشم إبليس في دخول الجنة.
ارتكبت القوات الأمنية، ومليشيات الحركة الإسلامية، أبشع مجزرة في تاريخ السودان، وفضوا اعتصام القيادة العامة، ظناً منهم، إن ذلك كافيا لإرعاب قلوب الثوار، وردع الإرادة الشعبية التي انعتقت وتفّجرت كالبراكين، لإنهاء حكم الإسلامين تجار الدين وقد كان، ذبحوا الثوار المعتصمين بالقيادة العامة، ذبح النعاج، وفضوا الاعتصام، ولم تنفضّ الإرادة الشعبية من الرغبة في الخلاص من القتلة والسفاحين، والذي تحقق في فجر 11 ابريل 2019م.
نفذت اللجنة الأمنية للنظام البائد، انقلاب الـ 25 من أكتوبر 2021م، واستأنفت سحل شباب المقاومة وتقتيلهم، ظناً منها أنها بمقدورها أن تفلح في قمع الثورة، ولكن هيهات، ورغم عشرات الشهداء منذ انقلابهم المشؤوم، آخرهم الشهيد إبراهيم مجذوب، ولا تزال مليونيات المقاومة مستمرة، ولم تفتر لها همة. فشل الانقلابيين في فرض أمر واقع، ووجدوا أنفسهم مجبرين لا أبطال التوقيع على الاتفاق الاطاري في ديسمبر الماضي مع القوى المدنية، وكلّما اقترب موعد ترجمة هذا الاتفاق إلى واقع، يلزم العسكر بالعودة للثكنات، وتولي المدنيين السلطة وإبطال قرارات اللجنة الأمنية الاعتباطية، واستئناف أنشطة لجنة تفكيك التمكين ومحاربة الفساد، كما اقترب موعد هذا المنعطف المفصلي، يزداد رموز الحركة الإسلامية، تشنجا وصراخا، ليصدح قائلهم الأصولي أنس عمر "أحسن ليكم تختونا، دربنا فِكو"!
كآخر محاولة يائسة لقطع طريق التحوّل الإطاري، عقد مؤخرا، رهط من رموز الحركة الإسلامية بقاعة الصداقة بالخرطوم، حشدا محدودا للمغامرين منهم، حضره بعض من رموز حلفائهم السابقين، معلنين إطلاق اسم "حركة المستقبل للإصلاح والتنمية"، كواجهة جديدة لحزب المؤتمر الوطني المحظور، ظانين بكل سذاجة سياسية، أنهم بمثل هذه المسرحية المضحكة، باستطاعتهم التحايل على النص القانوني الذي يحظر نشاط حزبهم المحلول؟
أُسندت الأمانة العامة لهذه الواجهة الإسلامية "الممكيجة" إلى أحد العناصر الأمينة (عبدالواحد يوسف)، زميل الأصولي أنس عمر، مما يؤكد أنّ الحركة الإسلامية كفكرة قد هزمت وتقهقرت، وإلاّ كلف مؤتمر قاعة الصداقة أحد الرموز الفكرية للحركة، لتولي هذه المهمة في الرمق الأخير من محاولات إعادة الأمجاد السلطوية الغاشمة باسم الدين، والدين منهم بُراء.
هل حقاً يطمح هؤلاء الإسلامين، أن يتركوا سُدَّى على جرائمهم المهولة، وألاّ يحاسبوا على تجاوزاتهم الفظيعة، لتضيع الأرواح البريئة التي أزهقت على أيديهم "سمبلا"؟ وأن يفسح لهم طريق العودة للحكم سداح مداح، ليستأنفوا الفساد والإفساد في الأرض؟
الدرب الذي يسلكه التيار الإسلامي، أياً كانت وِجهته، لهو دربٌ وعر، محفوف بالمخاطر، فإن كانوا مقبلين على السلطة، فأنّ الذين ظلوا يسومنهم سوء العذاب لثلاثة عقود، يقّتلون أبنائهم، يستبيحون أموالهم، ويبيعون ويشترون في مقدرات بلادهم، لهم بالمرصاد، وإنّ عودتهم للسلطة لن تتم إلاّ على جثة آخر ثائر في شوارع المدن السودانية، وإن كانوا مدبرين بالمسروقات، "فالمطرودة، لا محالة ملحوقة".
ebraheemsu@gmail.com

///////////////////////////

 

آراء