أخرجوا من صمتكم: المياه الملوثة تقتل أطفالنا في صمت

 


 

 




حركة حق الحياة ومياه الشرب النظيفة في السودان

د. جعفر كرار أحمد

أزعجتني في الفترة الماضية ظاهرتان أو مسألتان أُولي هاتين الظاهرتين هي هرولة المعارضة السودانية لتسول النظام الفاشي في الخرطوم شيء من التغيير وإحتلال معظم رموز المعارضة للصفوف الأولي أمام حاكم لم يمل منذ ربع قرن من الكذب عليهم ناهيك عن سجنهم وإذلالهم . المسألة الثانية هي ربط الكثير من التقارير المحلية والدولية مثل تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف ) الأخيرة وتصريحات ونداءات الأطباء السودانيين ربط مياه المدن السودانية الشديدة التلوث بوباء الفشل الكلوي والسرطانات وأمراض الأطفال ووفياتهم المرتفعة وظاهرة التقزم عندهم وسوء التغذية . وقد وصفت بعض تلك التقارير مياه المدن بأنها غير صالحة للإستخدام الآدمي ، بينما يرى البعض بأنها غير صالحة للإستخدام الحيواني لأن الحيوانات في الوديان والبراري تشرب من مصادر المياه السطحية غير الملوثة بالطبع بمياه الصرف الصحي . هذا بينما نرى ملايين من إطفال السودان في المدارس وفي المنازل يشربون مياه – إن وجدت- غير صالحة للإستخدام الآدمي . وهذا يعني يرحمكم الله أن عملية إغتيال جيل كامل تجرى أمام أعيننا ونحن صامتون نتوسل رئيساً غارقاً في دمنا  تحولاً ديمقراطياً ، في وقت تقتل المياه الملوثة في صمت أطفاللنا  وأحبابنا علي طول خط النهر وما بعده .
خطاب الرئيس الذي هرولت إليه المعارضة وأضاع وقت الكثيرين والذي لم يقدم أية ضمانات لما حمله من رؤئ مثل بسط الحريات والسلام والتبادل السلمي للسلطة والتنمية والكرامة لا يختلف كثيراً عن أحاديث الإسلامويين المتكررة الكاذبة ، والجديد هو أن آلة النظام الدعائية داعبت أحلام السودانيين قائلة بأن محمود الكذاب لن يكذب عليكم هذه المرة . وقد كذب . هرولة البعض وكذب النظام وتفارير المنظمات المحلية والدولية حول مياه المدن السودانية الملوثة أصابني أنا أيضاً بصدمة حيث كنت غارقاً بدوري في أحلام إستعادة الديمقراطية وكيف تتم ، بالنضال المدني السلمي المستند إلى تأريخ شعبنا في إستعادة الديمقراطية ؟ أم بالكفاح المسلح ؟ لقد نبهتني تقارير المياه وجدل ما قبل وبعد خطاب الرئيس إلى أن هناك معركة لها أولوية خاصة هذه الساعة وهي معركة الدفاع عن حق الحياة لأطفالنا فأبناؤنا يستطيعون أن يعيشوا بدون ديمقراطية لحين من الزمن ، لكنهم لن يعيشوا بدون مياه شرب نظيفة ، وأن عاشوا ، عاشوا تنهشهم الأمراض . أن معركة إنتزاع حق السودانيين في مياه الشرب النظيفة وهو حق من حقوق الأنسان الأساسية معركة تأتي في هذا الوقت في الأهمية من معركة إسترداد الديمقراطية نفسها أو لا تقل عنها .
وعليه أدعوا الحركات الشبابية في المدن والنقابات المحررة من قبضة الإسلاماويين والقوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني إلى تبني حملة " إنتزاع حق أطفالنا في مياه الشرب النظيفة " أو " تكوين حركة حق الحياة ومياه الشرب النظيفة " أو غيرها من الأفكار والرؤى التي قد يبتدعها العقل الجمعي المؤمن بهذه الفكرة . وذلك بالتالي :-
-    تعبئة جماهير المدن لإحتلال الميادين الرئيسية رافعين شعار واحد وهو ( حق الحصول على مياه الشرب النظيفة حق أساسي من حقوق الإنسان )
-    التأكيد على أن هذه الحشود التي تحتل المدن ليست لها مطالب سياسية ولن تترك الشوارع حتي يتحقق هذه المطلب ، مطلب مياه الشرب النظيفة وإنشاء محطات التنقية من مياه النيل وتغيير شبكة توزيع المياه الموجودة وبناء شبكات جديدة بمواصفات صحية عالمية في كل المدن .
-    لا عودة للمياه الإرتوازية كمصدر لمياه الشرب ما بقي النيل .
-    إجبار الإسلاماويين علي إستدعاء أموالهم – هي أموالنا المنهوبة - في ماليزيا وغيرها لتمويل بناء محطات التنقية من مياه النيل .
-    على جماهير شرق السودان التي تحتل الميادين الضغط بإتجاه تنفيذ خط مياه بورتسودان الذي يرى فيه أسامة عبد الله بأنه غير إستراتيجي – يا سبحان الله - ، علماً بأن الحكومة دفعت قصد أول للشركة المنفذة قبل تجميد المشروع قيمته 47 مليون دولار أمريكي . وعلى الوالي في بورتسودان أن يتقي الله في أهله .
-    لا تؤجلوا هذه المعركة تحت أية ظرف ولنبدأ معركة تحريرأجساد أطفالنا الصغيرة من المرض . . . لنبدأ معركة مياه الشرب النظيفة ...
ملحوظة
كان الشيوعيون السودانيون في خضم نضالهم التأريخي لإستعادة الديمقراطية خلال فترتي حكم الفريق إبراهيم عبود والمشير جعفر نميري يلتفتون أيضاً إلى قضايا الناس العادية من حين لأخر وينظمون الناس في معارك مطلبية هنا وهناك لتحسين حياتهم وإنتزاع الحقوق دون أن يغيب هدفهم الرئيسي وهو إسقاط الديكتاتورية . إنني أتوجه للشيوعيين السودانيين بأن يهتموا بهذه الفكرة ويملكوا شعبنا بعض تجاربهم  في معركة ضمان حق مياه الشرب النظيفة لأطفالنا ولكل السودانيين .
" وذلك لأن الأجيال المعافاة هي وحدها القادرة على إستعادة الديمقراطية وبنائها وحمايتها " وقال سيد المرسلين وأفضل البشر جميعا " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير )
همسة
" أهمس فى أذن فاسدي الحركة الإسلامية الحاكمة بأن أجهزة التنقية الغالية الثمن التي تنصبونها في بيوتكم والمياه المعدنية التي ترونها نظيفة كلها ملوثة فأجهزتكم تنقي المياه ولا تقتل الجراثيم ولا عاصم لكم ولأطفالكم من مياهكم الملوثة سوى الإحتشاد مع شعبنا في الشوارع "  

ماذا سيقول العالم
عندما تندفع جماهير المدن للدفاع عن حقها في الحصول على مياه الشرب النظيفةفي بلد يقطعه النيل من أقصاه إلي أقصاه وتزدحم شاشات التلفاز بصور المحتجين الذين لا يطالبون بأكثر من حق مياه الشرب النظيفة ، سيعرف حلفاء النظام القليلين بأن نظام لا يملك رؤية ولا مقدرة لتوفير مياه الشرب النظيفة لشعبه لا يستحق الإحترام .

وقوموا إلي ميادينكم يرحمكم الله ( إستعارة بتصرف من مقولة للبروفسور عبد الله علي إبراهيم )



eastofahmed60@yahoo.com

 

آراء