أخْوَنَةُ الجَيشِ السُّودانِي المُفْتَرَى عَليه..

 


 

 

yuotl2468@gmail.com

علي أحمد التولي
ARIZONA USA
=لقد تعرَّضَ الجيشُ السودانيُّ لعمليَّةِ تسْيِيْسٍ مِمَّا حَدَا بأنْ يكونَ هوَ الإشكال الجوهريّ في معضلةِ الحكم السوداني، في القبضِ بتلابيب المهنيَّةِ العسكريَّة وإعادَةِ بناءِ جيش.. بعيدًا عن تَسْيِيْسِهِ العقائديِّ الذي ورَّثَ تقاليدَ نَرجِسِيَّةِ القادة العسكريِّين وأحلام ذوي الرُّتب العسكريَّة -خاصَّة خريجي الكليات العسكرية- فتناوَبَتْ على السودان بدكتاتورياتٍ بغيضة.. لم تسلم من أن تكونَ خاضعة في التسييس والأدلجة العقائدية.. فكانَت جُلُّ الانقلابات تكلِّف كثيرًا من الدماء العزيزة على رأسهم من يريدون المحافظة على مهنية الجيش ويريدون إعادة بناء الجيش لأنهم أدرى الناس به وبما يحيكه الإخوان المسلمون حوله وحول مستقبل السودان.. ولم تقف عند البشير وممارسة أبشع أنواع القمع والتنكيل.. وما كان من ما يُدعى بالضباط الأحرار وثورتهم إلا ما ضاق به صدور بعض الضباط في مشاهد اختطاف الإخوان المسلمين واختراقهم لجيشهم العظيم.. هذا ما طفح به كيلُ التسييس العقائدي ليكشف مخبوء دسائس أخونة الجيش بتسييسه العقائدي.. ولكن تمكُّن الأخوان من اختراق الجيش حاد بهم أن يضمنوا لهم سلطة دالت لهم وما زالت أذيالها تسحب على رؤوس الأمة السودانية..ولو أنها صارت ذيولاً من الخيبة التاريخية سينقطع دابرها وشيكًا..
=إن الإجرام الذي ظلَّ يتعاظَم أمرُهُ منذ أنْ أخذَ الاخوان المسلمون يدِبُّون به نحو السلطة منذ العام 1949 بشكل غير معلن.. في تنظيم سِرِّيِّ ومحاولة دؤوبة لاختراق المهنية العسكرية لبناء قواعدهم داخل الجيش وانقضاضهم، وتكالبهم، وتهافتهم على كل شيء لتأمين سلطتهم المباشرة وغير المباشرة على جميع الحقب.. فهو الدَّاءً العُضَال الذي صار يفتُّ في عَضُدِ الدولة السودانيَّة والسُّوسُ الذي ظلَّ يَنْخر بكلِّ قوَّة في (مِرِقِ وَرَصاص) أي؛ عماد سقفِ البلادِ وعرشِ سيادتِها.. حتَّى بلغَ بهم الاعتدادُ بما آل إليهم مِن كلِّ مفاصلِ الإقتصاد وَبِمَا أفضَى بهم إلى انقلابِ البشير بدعوى ثورة الإنقاذ.. قاصمةُ ظَهْر الهُوِيَّةِ السُّودانيَّة والبلاء المستطير.. الذي مازال يفتكُ ويمزِّقُ عُرَى الدَّولة..
=إنَّ هذا التنظيم المستمد من جماعة حسن البنا بمصر.. أخذ منهم كل القبح الاخواني.. في أن تكوين جيش إسلامي حيث تمت الولادة الحقيقية لهذا التنظيم بكل ثقله في خلخلة كيان الدولة "حينما لجأَ الضابط الإخواني أبوالمكارم عبدالحي إلى السودان هاربًا من ثورة يوليو 1952 في مصر وملاحقتها لعناصر الحركة، وكان أبوالمكارم هو المسؤول عن الجهاز الخاص للحركة في مصر، وهو الجهاز المسؤول عن العمل السري داخل الجيش والشرطة، وبالتالي انتقلت الأسرار والتجربة كاملة إلى السودان، لتكوين البناء القاعدي في تعامل حركة الإخوان المسلمين السودانية مع الجيش وفي أسلوب العمل السري والتخطيط للوصول إلى السلطة لحقب لاحقة" .
=هذا على الصعيد العسكري وهو جوهر مقالنا هذا.. لأن هذه التسييس العقائدي يمثل لدى التنظيم الإخواني البوتقة التي ينصهر فيها جِمَاعُ مُكَوِّنِهم التفكيري لغايَةٍ لا يَعلمُ مَداها عَرَّابُوهُ.. فهو يسعى في تطوير مُخطَّطٍ مُنْفتِحٍ على مزيد من الجرائم في حقِّ الحياةِ المدنيَّة في دولة المنشأ التنظيمي وهي مصر أو تنظيم الإخوان في السودان، فقد كان عرَّابُهم (حسن الترابي) يَغْلو في أطماعِ التنظيم وأوْهَامه.. خاصة بعد أن أحكم التنظيم قبضته بتلابيب الحكم في السودان تحت جنرالِهم البشير الذي كان مغمورًا في زُمْرَةِ أَخْوَنَةِ القَادَةِ العَسكريين.. سعت جماعة التنظيم لمخططات الإطاحة بالرؤساء في أنظمة دول الجوار الإقليمي عربيًّا وإفريقيًّا.. وتمَّ لهم تغييرُ عددٍ من الأنظمة.. ولكن الطامَّة التي مازال يجني عواقبها الشعب السوداني.. في أجزاء عزيزة من أراضيه.. هو محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك بأديس أبا با.. وما طالته من "قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1070، المتخذ في 16 أغسطس 1996، بعد إعادة تأكيد القرارين 1044 (1996) و1054 (1996) بشأن محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في مؤتمر قمة منظمة الوحدة الأفريقية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 26 يونيو 1995 والجزاءات اللاحقة، فرض المجلس جزاءات الطيران على حكومة السودان بعد فشلها في الامتثال لطلبات منظمة الوحدة الأفريقية بتسليم المُشتَبه فيهم".
في العام 1959 استطاع المراقب العام للإخوان المسلمين (الرشيد الطاهر بكر) خلخلة النسيج المِهني للجيش بإقامة علاقات ذات خصوصية مع ضباط الجيش بالمنطقة الشرقية؛ حتى وصل إلى أن يشكل تحالفًا معهم في مشروع الإطاحة بالفريق عبود، في ما عُرف بانقلاب نوفمبر 1959 بقيادة المقدم علي حامد؛ الذي تم احتواؤه فتم إعدام خمسة من الضباط وإحالة الرشيد بكر للسجن. ورغم أنَّ التنظيمَ قد أنكر ضُلُوعَهُ إلا أنَّه قامَ بأدَاءِ صَلاةِ الغائِبِ على هؤلاء الضباطِ لأنهم أعضاء انْضَووا تحت لواءِ هذا التسييس العقائدي للجيش..
= في الستينيات والسبعينيات تغلغل الإخوان في أوساط طلَّاب الكليَّات والمدارس الثانوية مع التركيز على تجنيد الطلاب العسكريين.. والإخوان دائمًا ما يَخْطِبُون وُدَّ الحِزبَيْنِ اليَمِينِيين (الاتحادي والأمة) على أيسر ما يمكن بتشغيل اسطوانة الدين واستعداء الأحزاب اليسارية.. وإشاعة مناهضة العلمانية.. كانت هذه الصلات قديمة قبل أن يتحقَّق للسودان استقلاله.. بتقديم مشائخ المعهد العلمي وخريجي الأزهر.. لمنهاضة خريجي كلية غردون والجامعات البريطانية وجامعة بيروت.. ولكن أمر السياسة عندهم محسوم النتائج باعتبار أن لهم قاعدة داخل المؤسسة العسكرية لم يسبقهم عليها منافس..
= لقد سعى التنظيم الإخواني إلى أبعد من كل هذا بعد نجاح انقلاب البشير.. أخذ التنظيم في تجييش الشعب.. واستعداء القبائل وشنَّ حروبًا طاحنة في الجنوب أدَّت لانفصاله.. وفي جبال النوبة، والنيل الأزرق، ودارفور، وشرق السودان.. وقام بقمع ثورات قام بها الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والطلاب.. أراق كثيرًا من الدماء ونكَّلَ وعَذَّب الكثيرين مِنَ المُناهضين لسياسته.. ففي مشاريع تجييشه قام بخلقِ مليشياتٍ وكياناتٍ مِن القُوَى العسكريَّة والشرطيَّة تجلُّ عن الوصف.. ومن ضمن هذا الخلْط والتَخَبُّط في استحداثِ قُوًى تحمِي النظام وتُقِيمُ إلى الأبد وفق ما يزعمون كان التجييش القبليّ لقبيلة المسيريَّة المتاخمة والمتداخلة مع قبيلة دينكا نوق.. فكان موسى هلال وظهور حميدتي الذي خَلا لَه وجْهَ القُرْبَى إلى القصر الرئاسي حتى تربَّع عليه منافسًا للبرهان ربيب تسييس الإخوان البغيض.. هذه المنافسة التي أفضَت بهم إلى هذه الحرب الضروس التي يُعَاني وَيْلاتها الشعب السوداني الآن.. =وكل هذا يتلخص في جملة تلك الأسباب آنفة الذكر ضمن مخططات الإخوان المسلمين وتَوَسُّعَاتِهم بعد أنْ آلَ لهُم الجيشُ سياسيًّا؛ صارت هذه الخُطط التَّوَسُّعِيَّة في التسليح.. والآن بعد أن استمرَّت هذه الحربُ لأكثرَ من تسعة أشهر وقد استنفد الجيش طاقته؛ رَأوا أن يتمَّ تجييشُ الشعبِ.. والذي هو مطيَّة كِلا الطرفين المتحاربين وضحيَّة هذا الصِّراع..
= ستظلُّ مُعْضِلةُ إعادةِ بناءِ جَيشٍ سودانيٍّ مهنيٍّ متعافٍ عن أمراض التَّسييسِ الحزبيِّ مِن أوْلى اهتماماتِ المَراحِل الفاصَلة بينَ عُهودِ التِّيْهِ السياسيِّ؛ تحت نَيْر الدكتاتوريات البَغِيضَةِ، وبينَ استشرافِ مستقبلٍ خالٍ مِن كلِّ انتهازيَّة حزبيَّة وأهواء الساسَةِ والنُّخَبِ.

 

آراء