أرتيكاريا الإخوان

 


 

 

ـ لو كانت أملك سلطة محاسبة من أى نوع فى هذا البلد ، لطبقتها من فورى على من يقف وراء قرار هدم "المستشفى الخيرى المركزى" بمدينة نصر أيا كان ذلك العبقرى أو حجمه ، وأيا كانت دوافعه !

ـ سأحاسبه على اصدار قرار الهدم واهدار كل هذه الملايين ، خاصة والمنشأة ، التى حصلت على قرار تخصيص الأرض من رئيس الجمهورية شخصيا ، ترتفع يوما بعد يوم أمام أعين الجميع على مدار سنوات عديدة استغرقتها عملية البناء والتشييد لتصبح منشأة خدمية لا مؤسسة ربحية .

ـ سأحاسبه بسبب تقاعسه عن اتخاذ اجراء يمنع المخالفة قبل ظهورها وقبل الانفاق عليها من تبرعات الناس الطيبين ! هذا على فرض أن هناك ثمة مخالفة كارثية بالفعل قد حدثت ! أقصد غير عدم وجود جراج للمستشفى كما اكتشف وبرر الرجل اللماح شديد الملاحظة محافظ القاهرة ! غير منتبه الى أن نوعية المترددين على المستشفى ليس فى وسعهم أصلا إمتلاك "حمير" ، أعزكم الله ! ، أو غير ما تمطع به نائبه "الحملاوى" أو أيا كان اسمه ، وحدد المخالفة على الهواء مع الاعلامى "عمرو أديب" بعدم وجود دراسة مرورية قدمها القائمون على المستشفى !! وربما سيخرج علينا رئيس الحى غدا ليحذو حذوهما ويبرر القرار برفض وزارة الداخلية تعيين خدمة مرور أمام المستشفى ! وكأنهم يتعاملون مع أحد مواقف الميكروباص !!! دون أن يفتح الله على أحدهم بمبررات مقنعة سهلة التلفيق ، مثل اعتراض وزارة الصحة أن المستشفى لا يصلح للغرض المنشأ من أجله مثلا ، أو ضعف الأساسات ، أو "غش" فى مواد البناء يهدد أرواح رواد المستشفى كما يحدث فى أبراج مدينة نصر نفسها أو فى أى بقعة أخرى على أرض المحروسة ، أَغْشَت "المسائل" عيون معاول الهدم عنها ! الى آخر هذه المبررات المنطقية نوعا ما ، الكفيلة على الأقل ببعث الشك فى خطأ القرار ! 

ـ سأحاسبه أيضا على استباقه أحكام القضاء لدرجة استعانته بجيوش شركة "المقاولون العرب " لهدم منشاة تقدم خدمة طبية تكاد تكون دون مقابل ! فى بلد الموت فيه أرخص تكلفة وأخف وطأة من العلاج ، على فرض أن هناك علاج بمعناه المفهوم ، بلد يخصص فقط 1.7 %  من موازنته للإنفاق الصحي  مقابل 8% فى بقية دول العالم ، بلد يموت فيه 50 من كل ألف مولود ، وطفل من كل اثنين أحياء لديه انيميا ، و8 مليون مصاب بالسكر ، و9 مليون مصاب بفيروس "سي" ، و20 ألفا يموتون سنويا بسبب نقص الدماء ، وأكثر من 100 ألف يصابون سنوياً بالسرطان ، و90 ألفً قتيل و380 ألف مصاب بسبب حوادث الطرق خلال خمس سنوات ، وسيارة اسعاف واحدة لكل 35 ألف مواطن بجميع المحافظات ، وعجز حاد ورهيب فى وحدات العناية المركزة ، وعدم توافر الأجهزة الطبية الحديثة بالصورة الكافية ، صحيح أننا دولة فقيرة متواضعة الامكانيات ، حسب ما أفهمونا طوال سبعة وخمسين عاما !!! ، ولكن ألا يعتبر ذلك أدعى للترحيب بمن يتبرع ولو بـ "ملاءة" سرير ؟؟!!

ـ ولكن الأمر كما أراه ليس كذلك ! أعنى أنه ليس صحوة مفاجئة لتطبيق القانون فى بلد أغلب مبانيه مخالفة لنفس هذا القانون من أسوان الى الأسكندرية التى أصبحت مدينة للأبراج التى ترتفع لأكثر من 25 طابقا على شوارع بعرض أربعة أمتار بالمخالفة لكل القوانين منذ عهد مينا موحد القطرين ، كما سمح ، أو تغاضى ، اللواء "المحجوب" يوم كان محافظا للمدينة ! الذى هو نفسه وزير التنمية المحلية الحالى .. أحد الذين أخرجوا القانون من الأدراج وفعَّلوه لهدم المستشفى المنكوب ! 

وانما الأمر ، وأكرر كما أراه وأفهمه ، لا يعدو عن كونه ملعوبا سياسيا وضربا "تحت الحزام" نكاية فى "جماعة الاخوان" التى وقفت وراء تشييد ذلك الصرح الخيرى الضخم الذى أصاب بعضهم بارتيكاريا حادة بعد أن أكلته الغيرة من المشروع الذى يصب فى رصيد الجماعة حتى لو كانت أهدافه سياسية ، ولذلك نأمل ، حتى تزداد حالة الأرتيكاريا وإحمرار الأنف ، أن تحذو كل القوى السياسية الأخرى حذو الجماعة فى التواصل مع الشعب وقواعده بالخدمات الاجتماعية ، بدلا من الاكتفاء بالوقفات "الاعلامية" على سلالم النقابات ، والتى غابت جميعها بكل أسف عن مشهد المستشفى المنكوب !!!

ـ وحتى تتضح الصورة والمعنى وتبعات قرار الهدم على بسطاء هذا الشعب ، وحتى لا يٌهَوِّن "كورال" حزب الحكومة من الموضوع ، فانا لست "اخوانى" الهوية أو الهوى ، ولا أظننى سأكون يوما ما ، ولكننى احترم الجماعة رغم اختلافى معها سياسيا وجذريا حول طريقة الوصول الى الهدف ، لا الهدف نفسه ، وأعجب جدا بقدراتها التنظيمية العالية وتواجدها الحقيقى الفعال ، والوحيد على حد رأيى ، فى الشارع ، وطريقتها فى تأليف القلوب بخدماتها الاجتماعية والتكافلية المنتشرة والملموسة فى كل بقعة على أرض مصر .. استعدادا ، اللهم لطفك ، لما هو آت !! أشبه بمياه الرى فى أرض "شراقى" .. تبدأ صامتة من أسفل دون ضجيج ! فاذا شبع الأسفل ذاك .. فجأة .. يرتفع الماء ليغمر سطح الأرض .. إما بالخير وإما بالطوفان .. هذا ما لا يعلمه الا الرحمن .. سبحانه !

ـ بقى أن نتحدث عن حسابات الربح والخسارة ، الرابح الأكبر لا ريب هو الجماعة .. "المحظورة" !!! التى لو أنفقت ما لديها جميعا ما كانت لتحظى بكل هذه الدعاية والتعاطف الشعبى الذى يستوجب عليها توجيه الشكر الجزيل الى السيد "مستحفظان" القاهرة وقواده وأركانه وكل مماليكه وغلمانه ، وكذلك الى السيد أو السادة ، الذى أو الذين ، "دفعوه" لاصدار فرمانه الحاسم الذى أظن أنه نفسه غير راض عنه وفقا لتبريراته المضحكة ، رغم أنه فرمان دخل به "المستحفظان" فى موسوعة "جينس" العالمية كأول مسئول فى العالم يهدم "مستشفى" ! فرمان سيؤرخ باسمه فى سجل الوطن هكذا: ( خوفو بنى الهرم الأكبر .. والمحافظ الوزير هدم "مستشفى" ) .. "مستشفى" هكذا مُنَكَّرَة دون تعريف ، إمعانا فى التعجب !!!

أما المتبرعون .. فحسبهم أنه سبحانه وتعالى مطلع بصير لا يحتاج الى تقارير من حزب الحكومة كى يكافئهم على ما قدموا من صدقات ابتغاء وجهه الكريم ، فانما الأعمال بالنيات !

أما الخاسر الأكبر .. فهو لا ريب حزب الحكومة ، كما يكره أن نناديه ، صحيح انها خسارة ليس لها مردود على صناديق الانتخاب بكل تأكيد ، هذا على فرض صحة التسمية أو واقعيتها ! ولكنها خسارة تتمثل فى ازدياد الحنق والغضب الشعبى أكثر من ذى قبل ، هذا لو كان الأمر حقيقة يعنيه ، أو يعنى من أضلوه السبيل !

أما المرضى المستفيدون من المستشفى ، فأرجو الله تعالى أن يعوضهم بصرح طبى جديد ، يُراعى فى انشائه بناء جراج ودراسة مرورية ومهبط طائرات أيضا ، فقط أرجوهم الدعاء معنا بكل إخلاص وكل يقين بالاجابة .. اللهم على الظالم .. أمهله يا ربى إن شئت .. ثم خذه لا تفلته .. إن أخذك أليم شديد .. قولوا آمين !!

ضمير مستتر: 

يقول تعالى : { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } الكهف58

a4hamdy@yahoo.com

 

آراء