أزمة البشير- أوكامبو ، أفق مسدود وقرع أبواب المستحيلات … بقلم: سارة عيسى

 


 

سارة عيسى
9 March, 2009

 

 

     في موقعة صفين طلب سيدنا/علي إبن أبي طالب من سيدنا معاوية بأن يبرز إليه للقتال حتى لا يتقاتل المسلمون ويموتوا  لأجلهما  ، فأستشار سيدنا معاوية عمرو  إبن العاص  ، فما كان من الأخير إلا أن طلب منه النزول على الطلب بمقولة شهيرة هي : قد أنصفك الرجل فأخرج إليه  ، فرد عليه معاوية : والله قد طمعت فيها يا إبن العاص من بعدي ..والله إنك تعلم أنه ما بارز رجلاً إلا وقتله ، كان سيدنا معاوية داهية من دهاة العرب ، لذلك لم يعمل بنصيحة عمرو بن العاص ، من هنا على الرئيس البشير أن يحذر من حاشيته  وليس من الطابور الخامس المزعوم ، عليه أن يحذر من الذين يرقصون حوله ويهتفون له  سير ..سير يا بشير ، هؤلاء هم الذين أكدوا أن الرئيس البشير سوف يحضر قمة الدوحة ، هذه مخاطرة كبيرة وتكشف بجلاء أن الرئيس البشير في هذه الأزمة يحيط به من قالت العرب عنه : التي عثرت على  موتها بظلفها ، بعد ساعات من صدور قرار المحكمة الدولية أكد هؤلاء المستشارين أن الرئيس البشير سوف يمارس عمله بصورة إعتيادية ، وسوف يسافر للدوحة من دون أن يأبه لمذكرة أوكامبو ، وهناك من يراهن أن القطريين سوف يوفرون  إذن سفر جوي خاص  لطائرة  الرئيس البشير وذلك بحكم علاقتهم الوطيدة مع الولايات المتحدة ، عندما رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس حضور قمة الدوحة بحجة أن الإسرائيليين لم يسمحوا له بالخروج في تلك اللحظة رد عليه وزير الخارجية القطري :بأن دولة قطر كانت قادرة على إستصدار تصريح السفر من حكومة تل أبيب ،  لكن هل يعني ذلك أن الرئيس البشير سوف يتمكن للسفر إلي مصر والسعودية وغيرها من بلدان العالم من غير أن يمر بأي مطب هوائي تسببه المحكمة الدولية ؟؟ فقبل عام كاد المطلوب الأول الوزير  أحمد هارون أن يقع في شراك الجنائية الدولية لولا أنه عدل عن فكرة السفر في الساعات الأخيرة ، مع هذه الأجواء المفخخة  تبقى تحركات الرئيس البشير محدودة داخل السودان ، فالرجل مهما ألتف حوله الناس فهو ليس برجل هذه المرحلة بالذات  ، كما لا يمكن إختصار قضية السودان في تجمع للمتظاهرين قرب القصر الجمهوري  ، الصورة الغائبة عن هذه الحشود أن هناك أكثر من أربعة ملايين متضرر يعيشون حياة غير كريمة في معسكرات النزوح ، فهؤلاء النازحين يمثلون تظاهرة قائمة في حد ذاتها ، أنها تظاهرة قائمة على المعاناة وعدالة المطلب ، فالرئيس البشير الذي يحكم السودان بالحديد والنار في كل زياراته لدارفور يمتنع عن زيارة هذه المخيمات ومخاطبة أهلها ، وعادةً ما يختم زياراته بحفلة صاخبة على أنغام الحماسة والفولكلور الشعبي  ، وهذه الإحتفالات هي كل ما يجيده واليه هناك محمد عثمان يوسف كبر  هذا الوضع أستمر لمدة  خمسة سنوات متتالية  .وعلى الذين يراقبون الشأن السوداني أن ينظروا إلي ما يحدث في دارفور من جرائم وتجاوزات   ، وبأن يقلقوا على مصير السودان وأهله وليس على  الرئيس البشير والذي نال حقه في السلطة بما يكفي من الفترات الزمنية ، وقد خاض السودان  أزمة أوكامبو بدون توفر  حريات عامة ، فكل الذين أسمعهم الآن يقول لا صوت فوق صوت المعركة ، ومن يدعو للتعاون مع المحكمة الدولية سوف نقطع أوصاله ، إذاً الناس قد خرجت تحت حراب الإرهاب والتضليل ولا أرى سبباً غير ذلك  ، فشعار " فليعد للدين مجده أو تُرق كل الدماء " ليس مستحسناً في هذه المرحلة كما أن التاريخ لن يعود للوراء لمعالجة خلل الإستئناس الذي أوهن جسد الإنقاذ خلال السنين التي تلت إتفاقية نيفاشا  ، وقد وعدوا أكثر من مرة بأنهم سوف يعودون إلي مربع التطرف ، فالقفز بين هذه المربعات ليس بالأمر السهل ، هذه ليست لعبة " الريكة عمياء " التي كنا نلعبها ونحن صغار السن  ، هذا التاريخ القديم يتطلب عودة الترابي إلي سدة الحكم ليدير المؤتمر العربي والإسلامي الشعبي والذي أغلقت الإنقاذ دوره وصادرت ممتلكاته من أجل كسب تعاطف مصر والولايات المتحدة ، أو بأن يطلبوا من اسامة بن لادن العودة بمعسكراته إلي السودان ليحارب الصليبيين واليهود  ، عندها سوف نؤمن جازمين بأن الإنقاذ عادت للمربع الأول ، لكن هل هذا سوف يساعد في حل أزمتنا مع المحكمة الدولية ؟؟ الإجابة هي النفي ، ففي فترة التسعينات كانت الإنقاذ تحكم سوداناً موحداً ليس مثل سودان اليوم الذي به أكثر من خمسة جيوش سادسها قوات الأمم المتحدة ، كما أن المجتمع الدولي لن يتسامح مع حرب دينية جديدة ، وقد تفقد الإنقاذ بعض الأصدقاء العرب مثل مصر والسعودية واللتان يزعجهما أوبة السودان إلي مربع التطرف عن طريق دعم الصلات مع الجماعات الإرهابية ، إن  ما حدث في الرابع من مارس كان متوقعاً ، فالنظام بدأ يهذئ ويصرخ قبل صدور القرار بأيام  ولكن النظام لم يفق من هول الصدمة بعد  ، صحيح أنه جازف بطرد المنظمات الإنسانية لكن لم تبلغ به الجرأة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا ،  فهو يراهن على دعم عربي غير مسبوق ، هذا الدعم العربي لم يجده الرئيس العراقي صدام حسين الذي حارب إيران نيابة عن العرب ، وما يجعلني أحترم الرئيس العراقي أكثر فأكثر أنه طلب من محاميه خليل الدليمي بأن لا يطلب المساعدة من أي زعيم عربي حتى ولو كانت هذه المساعدة سوف تخرجه من الأسر ، لكن حكومة الإنقاذ حوّلت القصر الجمهوري إلي بيت عزاء ، يزداد عدد المعزين في  كل يوم ، مجلس الشوري الإيراني بإكسسوارته مثل حماس وحزب الله ، هؤلاء ليست لهم خلفية عن ما يجري في دارفور ، صحيح أن حكومة الإنقاذ تدعي أنها حكومة مقاومة لكنها مقاومة ضد من ؟؟ بكى العرب على ألف وثلاثمائة شهيد في غزة ، لكن من يبكي عشرة آلاف شهيد – بتقديرات الإنقاذ- ألتهمتهم مقاومة الإنقاذ .
سارة عيسى
sara_issa_1@yahoo.com

 

آراء