أزمة الشفافية في الانتخابات المقبلة … بقلم: د. سعد عثمان مدني

 


 

 

saadosman2002@yahoo.com

 

معظم الأنظمة الشمولية تكرس كل جهدها لتزوير الانتخابات لصالح بقاءها و هزيمة الأحزاب الاخري ، والانتخابات المزمع قيامها في السودان تحت سلطة المؤتمر الوطني، تفتقد للكثير من أبجديات إقامة انتخابات حرة، أن القراء ة الفاحصة و المستنيرة لمجريات الانتخابات المزمع قيامها في الفترة القادمة، يمكن من خلالها التكهن بأنها سوف لن تؤدي الي الدور المنوط بها  لإحلال الحكم الديمقراطي و احترام حقوق الإنسان، و القضاء علي الحكم الشمولي الذي سعي له المؤتمر الوطني طوال الفترة الفائتة.  المؤتمر الوطني الذي وجد نفسه تحت ضغط كبير داخلي و خارجي لتنفيذ اتفاقية نيفاشا، والتي تنص صراحة علي ضرورة قيام انتخابات حرة لإقامة الديمقراطية. والمؤتمر الوطني الذي يعشق الحكم الشمولي ويسيل لعابه لزخرف السلطة و رنين دنانير الأموال العامة، وجد نفسه امام الأمر الواقع لتنفيذ ذلك. ولكن حتي يخرج المؤتمر الوطني بأقل الخسائر، فان الإستراتيجية المقبلة هي التظاهر بإقامة انتخابات ديمقراطية و الاستفادة من ذلك في إضفاء الشرعية علي فترة حكم جديدة. فالانتخابات التي تتم في أجواء شمولية ، كالتي موجودة الآن بالسودان، تتسم بأن نتائجها تكون معروفة مسبقا وليس ثمة إمكانية لتغيير مركز القوة السياسية، وذلك ليس لثبات آراء الناخبين وإدراكهم للبدائل المطروحة، وإنما نتيجة للآليات التي طورها المؤتمر الوطني، للتأثير على أصوات الناخبين بالترهيب والعنف وشراء الأصوات والتلاعب في النتائج. إن المستفيدين الآن من المؤتمر الوطني في تامين حياتهم المهنية و المالية، والماسكين بقوة علي مفاصل السلطة، لن يكون من السهل إقناعهم بحرية تداول السلطة و ترك المقاعد الوثيرة في أبنية السلطة التي جاءوا أليها علي طريق الولاء و المحسوبية. و سوف يعمل كل هؤلاء علي التأثير المباشر و غير المباشر علي إيجاد السبل الكفيلة بالتلاعب في سير الانتخابات لصالح مصالحهم المذكورة. فمثل هؤلاء ترعبهم كلمات مثل الحرية و الانتخابات و التداول السلمي للسلطة.

 

فالمؤتمر الوطني لا يحتكم في عمله علي دستور   ينظم علاقات السلطة في السودان، و الدستور الحالي يتلاعب به المؤتمر الوطني و يعيد صياغة تفاصيله حسب مقاسه تماما.و لا وجود لسيادة مبدأ الاحتكام الي القانون ، قانون يتساوي تحته الحاكم والمحكوم. فالقضاء في ظل الحكم الشمولي الحالي مسيسا و موجها نحو استدامته، و كما هو معروف أن الكثير من القضاة في السودان تمت إحالتهم للمعاش وتم إحلالهم بجهاز قضائي قريب من السلطة القائمة، لا يتسم في جل أحكامه بالمصلحة العامة، و يضع ألف حساب لسلطة المؤتمر الوطني عندما يحكم ضد أفراده او مؤسساته.

 

لإقامة نظام ديمقراطي يسمح بتداول السلطة سلميا لابد من تكوين حكومة موسعة، تكون مهامها هي تهيئة الجو السياسي في البلاد لإقامة انتخابات نزيهة ومعاملة كل الأحزاب المجودة في الساحة بالتساوي في التمهيد لإقامة الليالي السياسية و العمل الحزبي الحر الذي يسبق الانتخابات، ولكن المؤتمر الوطني الآن ممسكا بمفاصل بالسلطة ولا يتيح للأحزاب الاخري من ممارسة نشاطاتها الديمقراطية و الفكرية بصورة حرة، و هذا لا يساعد علي طرح برامج هذه الأحزاب الانتخابية علي جمهورها، مما يعد نفيا لشروط إقامة انتخابات نزيهة.

 

لابد قبل إقامة الانتخابات من إتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن أرائهم بحرية كاملة وبدون أي ضغوط سياسية او امنية من السلطة الحاكمة. وذلك حتي تستطيع كل الأحزاب من التبشير ببرامج التغيير و يحدث جدل الآراء و الاختلاف الذي هو ضروري لإثراء الساحة. حتي يتمكن المواطنين من اختيار الحزب الذي يريدونه بوعي كامل بأطروحاته ، ولكن المؤتمر الوطني بعطل كل هذه الآليات الديمقراطية. وهو يعمد الي الاعتقال و تكميم الأفواه وفض المسيرات السلمية عن طريق القوة، و مصادرة الصحف و نزع مقالاتها، قمع حرية الصحافة و خلق الخوف الداخلي لدي الصحافيين الذي يعرقل الكلمة الحرة في كشف الأعيب النظام في التلاعب بالانتخاب.

 

الآن كل موارد الدولة تتحكم فيها مؤسسات المؤتمر الوطني المختلفة، و هنالك الكثير من الشبهات التي تشير الي استفادة المؤتمر الوطني من هذه الموارد في حملته الانتخابية. و لعل هنالك العديد من الشواهد التي تؤكد انعدام الشفافية في المال العام في العشرين سنة السابقة، مما يعد مؤشرا هاما علي توقع عدم نزاهة الانتخابات المزمع قيامها، متمثلا في استغلال السلطة الحاكمة للمال العام في الترويج لبرامج حزبها و الدعاية للمؤتمر الوطني، مثل إقامة اللقاءات السياسية في مختلف إنحاء السودان والتبرع المالي للمنطقة التي يزورها وشراء الذمم.

 

أن وزارة الداخلية هي الاخري قد تمت تغيرات فيها كثيرة أثناء سنين الإنقاذ، هذه التغيرات صبت في أن يكون نجاح المؤتمر الوطني في الانتخابات هو همها و منتهي عزمها. و المعروف أنها الجهة المحايدة التي تنظم اصطفاف الناس و دخولهم للإدلاء بأصواتهم و حراسة صناديق الاقتراع و تأمينها. و لكن من يأمن أن تكون الجهة المناط بها الأمر، منحازة للمؤتمر الوطني لأنه الذي أوجدها و عين أفرادها عن طريق الولاء و الطاعة. لذا يبقي من الصعب جدا الثقة في جهة تكون محايدة تنظم انتخابات نزيهة و خالية من العيوب.  

 

 للانتخابات مقصد هام هو محاسبة الحكام ومساءلتهم وقت الانتخابات إن من خلال تقويم برامج المتنافسين قبل الانتخابات أو عن طريق مكافأة أو معاقبة السياسيين إذا ما أرادوا الترشح للمرة الثانية. و حالم من يظن المعارضة لديها الآلية المناسبة لمحاسبة المؤتمر الوطني او كشف الفساد و انتهاك حقوق الإنسان التي تمت في فترات سابقة. فالمعارضة قد أصابها الإنهاك و الإرهاق من كثرة الاتفاقيات غير المنفذة، والمؤتمرات غير المثمرة، و انقساماتها الداخلية، و كيدها لبعضها البعض. و هنالك فشل برامج مجاهداتها المدنية في او تحريك الشارع العام للمطالبة بحقوقه، عندما يتأثر بسياسات و قرارات السلطة الحاكمة  ضد معاشه و حريته.

 و في ظل انعدام مقدمات الشفافية لإقامة انتخابات نزيهة بالسودان، فما هو مزمع قيامه من انتخابات، تودي في مسارها الأخير الي القيام بوظائف أخرى، ليس منها تداول السلطة، مثل إضفاء شرعية شعبية زائفة على المؤتمر الوطني، و تخفيف الضغوط المحلية والدولية المطالبة بالإصلاح واحترام حقوق الإنسان. 

 

آراء