أزمة دارفور وطلابها .. بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان
بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان – جامعة الزعيم الأزهرى
أن أزمة دارفور منذ أن تحول التفكير عند النخبة من ابناء دارفور لتحقيق مطالب أهليهم من الحوار الى رفع السلاح بعد أن رأوا أن القتال من أجل تحقيق هذه المطالب هو السبيل الوحيد مع نظام الأنقاذ ولهم من قضية شعب جنوب النبراس والقدوة لتحقيق مطالبهم. ظلت هذه الأزمة تراوح مكانها ولم تنفع معها المعالجات برغم الأتفاقيات التى توصلوا لها مع الحكومة فى أبوجا وفى الدوحة هنالك تقاعس فى تنفيذ بنودها.
أن أتفاقيتى أبوجا والدوحة كان من ضمن بنودها أن تتكفل الدولة بالمصاريف الدراسية لأبناء دارفور الذين يتم قبولهم بجامعات التعليم العالى الحكومية وذلك لأن اسرهم قد تشردوا بسبب الحرب الدائرة بين الحكومة والحركات المسلحة ومعظم أهاليهم فى معسكرات تقوم المنظمات الدولية بأطعامهم من جوع وعلاجهم من مرض وأروائهم من عطش وليس لذويهم من دخل حتى يقوموا بالصرف على تعليمهم. بل لقد ألزمت الأتفاقيات أن يقبل ابناء دارفور المنافسين للقبول فى الجامعات مجاناً والا يحصر قبولهم فى الجامعات التى أنشئت بولايات دارفور.
أن ألتزام حكومة الأنقاذ فى أتفاقياتها مع الحركات المسلحة من ابناء دارفور أن تقوم بقبول أبناء دارفور فى الجامعات السودانية بمصاريف دراسية تقوم وزارة المالية الاتحادية بتسديدها للجامعات التى بها طلاب من أبناء دارفور. وهو بند أتفاقى مصحوب بكثير من العلل اذ لم يحدد من هم أبناء دارفور الذين يشملهم قرار القبول دون أن يدفعوا مصاريق دراسية للجامعات وبهذا يكون قد شمل المؤسر على الفقير من ابناء دارفور الذين فى معسكرات النازحين على غيرهم. ان هنالك من طلاب دارفور فى الجامعات من اسرهم فى المدن الكبيرة فى دارفور ومدن الأقاليم السودانية المختلفة التى يعمها السلام وليس فيها حرب واهلهم مؤسرين وحتى لو كانوا فقراء فيجب أن تتم معاملتهم معاملة الطلاب الفقراء من اقاليم السودان المختلفة. فالتعميم على كل ابناء دارفور على اطلاقه مخل وفيه اخلال وعدم عدالة للطلاب الذين لا ينتمون لدارفور ولا يمكن ان يقال لى أن ابن محمد عثمان كبر والى ولاية شمال دارفور او على محمود وزير المالية الأتحادى يعفوا من المصاريف الدراسية حسب نص أتفاقيتى ابوجا والدوحة وهنالك من هم افقر منهم ويحرموا من التسجيل لعدم دفع الرسوم الدراسية. أن طلاب دارفور بجامعة الجزيرة والذين قتلوا بدم بارد يتحمل مسئوليتم وأبراز الجناة ومحاسبتهم أبناء دارفور الذين فى السلطة أبتداءً من الحاج آدم نائب رئيس الجمهورية ومرور اً بوزير المالية وأنتهاءً بالنائب العام محمد بشارة دوسة وكلهم من دارفور وبيدهم الحل اللهم الا أذا تم تدجينهم لعقلية الستعلاء العنصرى.
ان هذه الأتفاقيات ملزمة لحكومة الأنقاذ ويجب ان تقوم وزارة المالية الأتحادية أو السلطة الأنتقالية لدارفور بدفع هذه المصاريف للطلاب المستحقين للأعفاء من هذه الرسوم الدراسية. ان حكومة السودان تعلم علم اليقين ان الجامعات فى تسيير أمورها الدراسية تعتمد أعتماداً كلياً على المصاريف الدراسية للقبول العام والخاص اذ ان وزارة المالية لا تدفع الا المرتبات للفصل الاول لأعضاء هيئة التدريس والعاملين ومع ذلك ما تدفعه لا يغطى الفصل الأول كله ويتم اكمال النقص من هذه المصاريف التى يدفعها الطلاب. وهنالك جامعات بها أعداد مهولة من أبناء دارفور وعدم دفع مصاريفهم الدراسية يتسبب فى ألا تؤدى تلك الجامعات دورها كاملاً من الناحية التعليمية للطلاب جميعاً ولذلك كانت الجامعات واضحة مع وزارة المالية والسلطة الأنتقالية لدارفور بأنها لا تستطيع أن تقبل هؤلاء الطلاب مجاناً ويجب أن تدفع أحدى هاتين الجهتين المصاريف الدراسية كاملة لأبناء دارفور وليس هنالك مجالاً لأستمرارهم فى الدراسة دون دفع هذه المصاريف الدراسية. وقد كانت وزارة المالية والسلطة الأنتقالية لدارفور فى الأعوام الماضية تقوم بدفع هذه المصاريف الدراسية بعد الضغوط التى يشكلها أبناء دارفور بالجامعات على الدولة وأصرار الجامعات على عدم تسجيلهم ما لم يتم الدفع. ولكن عندما أصاب الدولة الأفلاس والجدب وتوقف بترول الجنوب وتدنى الجنيه السودانى نتيجة للتضخم وقلت الموارد المالية للدولة توقفت وزارة المالية الأتحادية عن دفع هذه الأموال الطائلة للجامعات مما أجبر الجامعات على أيقاف طلاب دارفور عن الدراسة وبذلك ضاع الطلاب بين رحى الجامعات والحكومة لا لذنب جنوه غير عدم مقدرتهم على سداد المصاريف الدراسية واهلهم فى معسكرات النزوح دون دخل ومورد مالى حتى يلتجئون اليهم وأهلهم فى العراء يلتحفون السماء, أى عدل هذا ياحكومة المشروع الأسلامى الحضارى؟
أن حكومتنا ينطبق المثل الذى يقول فلان زى ضل الدليب يرمى بعيد بمعنى أنه يقى البعيد من حر الشمس ولا يقى القريب الذى تحته. فالحكومة تستنهض الشعب السودانى وتجبر القطاع العام والشركات فى القطاع الخاص وتجمع منهم الأموال الطائلة من أجل نصرة شعب غزة الفلسطينى والكميات الهائلة من الأدوية من شركات الأدوية والأجزخانات ولا تفعل ذلك لأهلنا فى دارفور أو من أجل تعليم أبنائهم وهم ضحايا الحروب بين الحكومة والحركات المسلحة. كيف يفهم ذهاب اموال الشعب السودانى للغير وهنالك من هم من شعبنا أحوج اليها من شعب غزة؟ ما لكم كيف تحكمون؟ ولكن الهوس الدينى والأستعلاء العرقى والعنصرى هو الذى يجعل حكومتنا تفضل شعب غزة على أهلنا فى دارفور وعلى ابناء دارفور فى الجامعات. وللأسف الذين احتجوا وتظاهروا سلمياً من طلاب دارفور على هذا الأختلال فى النظرة وألتزامات الدولة تجاههم قد قتلوا بدم بارد لا لذنب جنوه غير مطالبتهم بحقوقهم. أقول هذا وقد كنت عضواً قبل عامين فى اللجنة المكونة من كل منظمات المجتمع المدنى والقوى السياسية السودانية - ممثلاً للحزب الأتحادى الديمقراطى – لنصرة شعب غزة المحاصر وقتها وكان رئيس اللجنة المرحوم الأستاذ فتحى خليل نقيب المحامين ومقررها الأخ تيسير مدثر وقد تم الأتصال بشركات الأتصالات الأربعة العاملة بالبلاد وتم فرض قرش واحد على كل دقيقة محادثة ولمدة شهر كامل كما ألتزمت شركات الأدوية والأجزخانات بالتبرع بالأدوية وتم التبرع بكميات كبيرة من الدماء. وحقيقة الأمر أنى قد ذهلت عندما وجدت الكميات الكبيرة جداً من الأدوية والتى رافقها الأخ بروفيسور محمد سعيد الخليفة ليتم توصيلها للشعب الفلسطينى فى غزة وبلغت المبالغ التى تم الحصول عليها من شركات الأتصالات قرابة الثمانية مليار جنيه سودانى . عندها وقفت فى احد الأجتماعات والذى راسه الأخ المرحوم فتحى خليل وقلت نيابة عن الحزب الأتحادى الديمقراطى واصالة عن نفسى أطالب بأن تقسم الأموال والأدوية والدماء مناصفة بين شعب غزة وبين شعبنا فى دارفور والشئ الذى لا يكفى أهل البيت يحرم على الجيران وما نبقى ذى ضل الدليب نرمى بعيد. وكان رد الفعل أن هاج وماج أصحاب الهوس الدينى والأستعلاء العرقى وقالوا أنها جمعت وتم التبرع بها لشعب غزة ولا يمكن أن تذهب لغرض آخر ومن وقتها تقدمت بأستقالتى ولم أواصل مع اللجنة وأخطرت قيادة حزبى بذلك. أن أهلنا فى المعسكرات فى دارفور كانوا أحوج لذلك من شعب غزة فهم فى حصارهم يعيشون عيشة أكثر رغداً من أهلنا فى دارفور الذين يبيتون فى العراء ويلتحفون السماء. ونحن نرى منظمات الأغاثة تعينهم أكثرمنا نحن أبناء جلدتهم. لو وافق الأجتماع على ذلك الأقتراح لجعلنا أهلنا فى دارفور يحسون أن أهلهم فى الشمال والوسط النيلى أكثر حساساً بآلامهم ولزادت هذه اللفتة آصرة الوحدة ولكنى أعتقد أن الحاكمين سيجبرون أهلنا فى دارفور على الأنفصال كما فعلوها مع أهلنا فى جنوب السودان وأعتقد أن تحقيق مثلث حمدى يسير بخطى حثيثة.
أبضاً للأسف فأن هنالك مدراء جامعات قد قاموا بأستقطاع مرتب يوم أو يومين من العاملين بجامعاتهم تبرعاً لشعب غزة الذى تضرب فيه أسرائيل بالصواريخ فى حرب شاملة وهى مبالغ ليست بالقليلة فما بالهم لو قاموا بنفس الحمية لشعب غزة بأن تكون حميتهم لطلاب دارفور بالجامعات وذلك بخصم مرتب يوم أو يومين من العاملين بجامعاتهم لتغطية المصاريف الدراسية بجامعاتهم لطلاب دارفور. ألم يكن هذا أجدى من أعانة الآخرين عبر القارات ونحن مشاكلنا المادية تأخذ برقاب بعضها البعض؟ وكنا حفظنا الدماء التى ضاعت هدراً من أجل حق التعليم فى دولة المشروع الحضارى. ما بال هؤلاء الأسلاميون يريدون أن يكونوا كاثوليكاً أكثر من البابا وهنالك دول وشعوب عربية أكثر منا قدرة ومقدرة مادية على الأعانة وأكثر ألتصاقاً بفلسطين وشعبها مننا نحن السودانيين الذين لسنا عرلاً بالكامل ولسنا افارقة بالكامل ولسنا كلنا مسلمون. ومدينة غزة التى نراها فى التلفزيون لهى أكثر ثراءً ونظافة من الخرطوم ومعظم مبانيها ناطحات سحاب فما لكم كيف تحكمون؟ مع العلم أن فلسطسن قد فرط فيها أهلها الفلسطينيون بيعاً وشراءاً ومن بعدهم فرطت فيها الدول العربية التى حولها ومن ثم بقية الدول العربية. والذى رفضه الفلسطينيون والعرب عام 1948 م بالتقسيم الآن يلهثون وراء أقل من ثلثه وأذا أعطوا سيملأون الدنيا فرحاً ألم نرى فرحهم بمجرد أن وافقت الأمم المتحدة على فلسطين كمراقب بالجمعبة العامة للأمم المتحدة وأعتبروها بداية اعتراف بدولتهم التى تساوى ثلث ما رفضوه عام 1948م. قال عبد الناصر أنه سيرمى باسرائيل فى البحر فأخذت منه سيناء وأنهزم شر هزيمة وأخذت الجولان من سوريا وأخذت الضفة الغربية من الأردن. أتمنى كما يقول المثل أن تمد حكومتنا وأسلاميوها أرجلهم قدر لحفاتهم كما يقول المثل عندنا.
Mohamed Osman [z_osman@yahoo.com]