أسباب وضرورات قيام الثورات!! (2 -3)

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس


-           قد يكون مستساغاً ومنطقياً أن نقول جزئياً أن أسباب وضرورات قيام الثورات لها أسباب خارجية ، ولكن الأسباب الرئيسية لقيامها بالضرورة هي أسباب داخلية نتيجة تراكمات سياسات  قمعية غير راشدة سببت غليان داخلي بين شرائح المجتمع، ونستشهد هنا بما كتبه المفكر البريطاني ثوماس مكولي ، مؤلف كتاب (تأريخ إنكلترا) يصف الثورات بأنها اختصار الخبرات الإنسانية على مدى أجيال ببضع ساعات يتغير فيها كل شيء عندما تسقط هيبة القانون والمؤسسات بالخروج عن النمط المألوف وتصار أشياء كثيرة الى الإهمال، فيما تظهر أشياء أخرى بقيم عالية واحترام كبير.
-           ومن المؤكد أن تعربف الثورات الاجتماعية عمومآ، هو أنها تبدل جذري في حياة المجتمع يأتي هذا التبدل بتشكيلة اقتصادية واجتماعية لتحل مكان غيرها بحيث تكون أرفع منها مستوى وتنسجم مع المتطلبات الجديدة للمجتمع التي كانت تختمر في أحشائه منذ زمن . وأيآ كانت محصلة الثورات التي تحدث فهي غير كافية إن لم يكن هناك تغيير إيجابي حقيقي إذ أن الثورات تتطلب تغييرآ جذريآ في بنية المجتمعات وتوجهاتها ومع قيام هذه الثورات ما زال الطريق طويلآ أمام فكر الإنسان ليستطيع تكريس ثقافة اللاعنف والسلم عند القيام بثورة ما..خصوصآ في وقت تعمل آلة القتل على إسقاط المنظومة الفكرية الإنسانية التي تخلق الثقافة والفكر.
-          الثورات تلتهب من عمق الشارع بكل شرائحه خاصة الضعيفة المستضعفة التي ذاقت الإضطهاد الطبقي في لقمة عيشها، وبالتالي يبدأ من عمق هذا الشارع نشاط آخر رديف هو قيام حركات إجتماعية إحتجاجية يقودها الطلبة الذين أنتجتهم هذه الشرائح الضعيفة المستضعفة، ونظرا لطبيعة الدور الذى باتت تلعبه هذه الحركات الاجتماعية فى إقليمنا، أصبحت ظاهرة الحركات الاجتماعية هى ظاهرة عرفها القاموس العربى منذ فترة قصيرة نسبيا لم تسمح ببلورة رؤية علمية متكاملة حول هذه الظاهرة باعتبارها جديدة على الواقع السياسى العربي , الا ان التجربة العملية لعدد من هذه الحركات اثبتت مدى قدرتها على التاثير داخل المجتمع بما لديه من رؤى وادوات استطاعت من خلالها ان تلعب دورا فاعلا على الساحة السياسية وبرز ذلك الدور فى عدد من المواقف التى اتخذتها بعض الحركات الاجتماعية في بلادنا  .
-          فقد شهدت بلادنا مؤخراً قيام مثل هذه الحركات مثل " قرفنا  وحركة " مرقنا" ، فقد شهدنا موجه من كثل هذه الحركات الاجتماعية لم تشهدها من قبل فى تاريخها السياسى, واستطاعت هذه الحركات احداث حالة من الحراك السياسى والاجتماعى داخل المجتمع على محدوديتها مما كان له اثره فى نشر ثقافة الاحتجاج. وكسر حاجز الخوف والمطالبة بالحقوق, فقد تمكنت الحركات الاجتماعية بما لديها من وسائل جديدة وغير معتادة من ان تلعب دورا فاعلا على الساحة السياسية, كما تمكنت من ان تحظى بتاييد العديد من الشخصيات الوطنية والمثقفين فى كافة المجالات.
-         وعلينا أن نقرر لحالة نشاة الحركات الاجتماعية ودورها الذى لعبته وستلعبه داخل المجتمع، واثره الفاعل فى احداث حالة من الحراك الاجتماعى والسياسى افضى بدوره الى إحتجاجات سبتمبر, فقد برز دور الحركات الاجتماعية فى سبتمبر الماضي باعتبارها واحدة من اهم الفاعلين فى الخروج من حالة الركود السياسي, فقد كان لدور الحركات الاجتماعية اثره على تحريك الوضع السياسى الراكد وكسر حالة الجمود السياسى حتى تمكنت هذه الحركات من العمل خارج الغرف المظلمة الى الساحات والفضاء الخارجى، كما تمكنت من العمل على توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم مما كان له اكبر الاثر على بالخروج والاحتجاج عقب قرارات سبتمبر برفع الدعم الذي أصاب حياة ومعيشة أهل السودان في مقتل, وإذا كان من نجاح يحسب لهذه الحركات الاحتجاجية فى ان تحظى بمكانة وتاييد على الساحة السياسية، الا ان دورها قد أجهض واخذ فى التراجع اى انها باتت فى مفترق الطرق , الا ان ذلك لا يغفل دورها البارز كفاعل رئيس في احتجاجات سبتمبر رغم محاولة تخويفها. ومن ثم فيحب أن نعلم أن الحركات الاجتماعية هى مراة التغيير لمجتمعاتها , كما انها مراة صحية وايجابية وليست تعبيرا عن حالة تهديد او خطر , فظهور الحركات الاجماعية داخل مجتمعنا يعتبر ظاهرة ايجابية ساعية الى احداث التغيير .
-         وعلينا أن نستصحب التاريخ لنتعلم من دروسه وكذلك تجارب الشعوب ، وفيما يتعلق بنشاة وتاريخ الحركات الاجتماعية نجد ان جميع الباحثين قد اتفقوا فيما بينهم على ان ظهور الحركات الاجتماعية ليس بالجديد بل انها نشات فى القرن الثامن عشر, حيث عرفت انجلترا الحركة الميثودية التى كانت بمثابة النواة الاولى للحركات الاجتماعية بمفهومها الحديث وكانت هذه الحركة فى جوهرها حركة دينية قادها فى اكسفورد عام 1729 تشارلز وجون يزلى من اجل اعادة احياء دور الكنيسة فى انجلترا،  كما تعود ايضا جذور الحركات الاجتماعية الى الثورة الفرنسية عام 1789 والتى اعتبرت ايضا بمثابة بداية تفجر وبروز الحركات الاجتماعية والسياسية فى اوربا . فهذه الثورة التى جاءت بمبادئها الثورية عن "العدالة والحرية والمساواة " قد تمخضت عن معاناة الشعب الفرنسى و تزهره من تحكم الملوك وبعض الفئات من الاغنياء ورجال الكنيسة والاشراف فى سيطرتهم على الحياة العامة , بالاضافة الى وعى الشعب الفرنسى باهمية ممارسة حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وانها هذه الحقوق ليست حكرا على احد ، ومن ثم بدأ ينتظم الشعب فى صفوف وكانت هذه الفكرة هى جوهر فكرة الحركات الاجتماعية, كما ظهرت ايضا فى الولايات المتحدة العديد من الحركات والتى كانت تنبثق عن فكرة الحركات الاجتماعية , وذلك حينما قاوم الجنوبين حركات مناهضة الرق انطلاقا من ان حضارتهم قامت على اكتاف عبيد المزارع مما ادى اى قيام الحرب الاهلية الامريكية (1861-1865).
يتصل...





Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]

 

آراء