أضواء على أحاديث الدكتور منصور خالد ،، حوار جديد مع الصفوة!
( وحواره عليه الرحمة مع الصفوة كان عبارة عن مجموعة مقالات شهيرة كتبها في أعقاب انتصار ثورة أكتوبر عام 1964، تناول فيها مختلف القضايا الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية والتعليمية. وقد صدر في كتاب يحمل اسم "حوار مع الصفوة" ثم صدرت طبعته الثانية في العام 1979 عن دار جامعة الخرطوم للنشر بتقديم للأستاذ الراحل جمال محمد أحمد.فاستقينا اسم المقال من الكتاب. بعد سلسلة حوارات أجرتها قناة العربية مع الراحل منصور بعنوان "الذاكرة السياسية"، نعيد نشر المقال كاملاً مع نبأ رحيله الفاجع مطلع الأسبوع، ليشكل الرحيل نفسه آخر بصمات جيل أكتوبر وما بعدها ،، لهم جميعاً الرحمة والمغفرة).
***
أنهي د. منصور خالد الحلقة الثانية من الحوار معه في برنامج الذاكرة السياسية بقناة العربية، بقصة حكاها لجوزيف سيسكو وزير الخارجية الأمريكي عندما التقاه في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي أبدى احتجاجه على تسليم الفلسطينيين الذين قتلوا السفير الأمريكي بالخرطوم داخل السفارة السعودية إلى قيادة منظمة التحريرالفلسطينية بمصر، وكان مفاد رواية منصور لسيسكو أن ذات الحدث وقع بالنمسا ورغم ذلك سلم كرايسكي المستشار النمساوي أولئك الفلسطينيين لمنظمة التحرير الفلسطينية ” عوز تحاكمنا أنحنا الدولة الصغيرة والمستشار النمساوي رجل يهودي”؟! ، وبهذا فقد أفحم د. خالد زوير الخارجية الأمريكي بهذا الرد الديبلوماسي الذي شهد فيه سيادة منصور خالد الذي ينكر على نفسه بأنه بالفعل رجل سياسة بالفعل خلافاً لما حاول التنصل عنه في الحلقة الأولى من الحوار!.
* حول دور العامل الخارجي في هزيمة انقلاب 19 يوليو 1971، أشار منصور لدور كل من القذافي وتايني رولاند بطائرته التي وضعها تحت تصرف اللواء خالد حسن عباس وزير دفاع نظام مايو وقتها، ولكنه تحدث بغموض عن دور أنور السادات الرئيس المصري الأسبق، عندما قال أنه لايريد استعمال كلمة “أمانه” لوصف السادات!، مشيراً إلأى أن السوفيت واتحاد نقابات العمال العالمي كانوا قد وسطوه لدى النميري لكي يحول دون إعدام الشهيد الشفيع أحمد الشيخ، فقال منصور أن ” النميري لم يستجب لذلك النداء”!. وهنا تجدر الإشارة إلى أن من تآمر بالفعل هو أنور السادات نفسه الذي أوعز للنميري الاسراع بإعدام الشفيع وعبد الخالق محجوب معاً!. فقد ذكر الكاتب والصحفي المصري محمد حسنين هيكل في كتابه” زيارة جديدة للتاريخ ” أن
لسادات فقد ضغط علي نميري لتنفيذ حكم الاعدام الفوري علي الشهيد عبد الخالق محجوب والشهيد الشفيع أحمد الشيخ بالرغم من تدخل الحكومة السوفيتية والرجاء الذي قدمه سفيرها في القاهرة لمنع إعدام الشفيع أحمد الشيخ. جاء في كتاب محمد حسنين هيكل (زيارة جديدة للتاريخ) ص 137 ” أن بوريس باناماريوف ذهب الي الرئيس السادات بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في السودان يرجوه ان يتدخل لانقاذ حياة الشفيع، وقد وعد الرئيس السادات أن يبذل مساعيه لدي نميري، واتصل بنميري وطلب منه أن يعدم الشفيع وعبدالخالق”!، وهي الواقعة التي سجلناها في كتابنا “عنف البادية” ولمزيد من التفاصيل راجع ص 317 ـ 318!.
* أشار منصور إلى حادث اختطاف طائرة الركاب البريطانية والتي كان على متنها كل من الشهيدين المقدم بابكر النور والرائد فاروق حمد الله والتي تمت قرصنة جوية نادرة لها من قبل القذافي ونظامه حيث أجبرت على الهبوط في ليبيا ليتم تسليمهما إلى النميري العائد إلى السلطة كالثور في مستودع الخزف فيبعث بهما إلى دروة الاعدام. الشاهد أن د. منصور قد أورد معلومة جديدة لأول مرة، حيث أشار إلى أن الراحل د. عز الدين علي عامر الكادر القيادي وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، كان على متن تلك الطائرة إلا أن المسؤولين الليبيين لم يتعرفوا عليه!، علماً بأني التقيت د. عز الدين ببراغ ورتبنا معاً ? بعد موافقته لتوثيق سيرته الذاتية – محاور متعددة للشروع لاحقاً في تفصيلها، ورغم أنه توقف عند أحداث 19 يوليو لكنه لم يشر لا من قريب أو من بعيد إلى واقعة وجوده داخل تلك الطائرة!، علماً أن الصديق الصحفي معاوية جمال الدين كان قد أجرى حواراً صحفياً نشرته صحيفة الفجر اللندنية مع السيد بشير إبراهيم إسحق الذى كان يشغل فى ذلك الوقت منصب رئيس مجلس ادارة مؤسسة القطن السودانية والذي كان من بين ركاب تلك الطائرة وكان يجلس في المقعد المجاور للمقدم بابكر النور، وقد أفاده بوقائع اختطاف الطائرة ونشرت فى جريدة ( الفجر ) التى كانت تصدر فى لندن ولم يذكر إسم بشير في تلك الافادة الصحفية لتقديرات خاصة في ذلك الوقت، واْوردها الدكتور عبدالماجد بوب فى كتابه التوثيقى عن حركة (19 يوليو 1971)، الشاهد أن بشير لم يذكر أيضاً تلك المعلومة المتعلقة بوجود د. عز الدين علي عامر بين ركاب الطائرة، الجدير بالذكر أن العميد الراحل يوسف بدري كان من بين ركاب تلك السفرية المشؤومة برفقة زوجته العائد معها من رحلة علاجية من لندن!. عليه نتمنى أن يجلي د. منصور لاحقاً هذه الافادة بمزيد من الإضاءات حولها لأهميتها التاريخية.
* نلاحظ أن د. منصور يبرر للنميري إرتماءه في أحضان الأمريكان لكي يحموا نظامه من معمر القذافي الذي كان يجهز لغزو السودان وبالفعل حاول هذا الأمر بقيادة الشريف الهندي والصادق المهدي والأخوان المسلمين، في إشارة إلى المحاولة الانقلابية في الثاني من يوليو عام 1976 والتي قادتها فصائل الجبهة الوطنية لاسقاط نظام مايو. وقد ذهب النميري إلى آخر الأشواط بمنح أمريكا قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر، كما وافق على مناورات النجم الساطع للقوات الأمريكية داخل الأراضي السودانية!، والسؤال هنا هل يمكن أن تكون “عمالة” النميري لأمريكا سببها الأساسي والوحيد هو أن تحميه الأخيرة من القذافي؟!، هل لهذه الدرجة كان القذافي يمثل بعباً للنميري حداً يجعله لاعباً على المكشوف بسيادة البلاد وأراضيها وهو يرهنها جهاراً نهاراً للأجنبي؟!. عموماً فإن النميري قد مشى عميقاً جداً في طريق “الخيانة الوطنية والاقليمية” عندما وافق على ترحيل اليهود الفلاشا، الذين رتب أمر ترحيلهم بشكل مباشر مع كل من إريل شارون شخصياً بوساطة رجل الأعمال السعودي عدنان خاشوقجي المضارب الآخر في اقتصاد السودان وقوت أهله، وما تلك الصورة الفوتوغرافية المتداولة عبر الصحف والمجلات والميديا إلا خير دليل دامغ لتهمة النميري بالعمالة للأجنبي والارتماء في أحضانه خدمة لأهدافهما معاً!.
* ورداً على استفسار المحاور حول موقفه من نظام النميري الذي أقدم على إعدام العشرات عقب حوادث 19 يوليو دون محاكمات عادلة، دافع منصور قائلاً لو أن الأمور تؤخذ بهذهى الكيفية لكان عليه أن يستقيل منذ أن أقدم نميري على إعدام الامام الهادي المهديفي أحداث الجزيرة أبا والتي أشار إلى أن اليسار والشيوعيين تحديداً قد هللوا لها!، هل بالفعل هلل الشيوعيين لموت الآمام المهدي؟ ومن هم هؤلاء الذين هللوا؟ علماً أن أروقة الحزب الشيوعي قد شهدت إنقساماً حاداً في تلك الفترة وقد تجذر الموقف من مايو عميقاً حيث ذهبت المجموعة التي ترى ضرورة التعاون مع مايو إلى أبعد الأشواط في هكذا تعاون! وعموماً ودون الدخول في مغالطات أو إنكار من هذا الجانب أو ذاك، ولكن دعونا ننتقل إلى وقائع محاكمة عبد الخالق محجوب والتي نقلها الصحفي إدريس حسن عبر مقاله الشهير بعنوان “شاهدتهم يحاكمون عبد الخالق محجوب” حيث ذكر :- ( قال رئيس المحكمة ، فيما اختلفتم مع الثورة؟. رد عبد الخالق قائلاً حول السياسات التى كانت تمارسها . قال رئيس المحكمة : مثلا . قال عبد الخالق ضربة الجزيرة أبا والقرارت الاقتصادية الخاصة بالمصادرة والتأميم . قال رئيس المحكمة أليس موضوع سيطرة الدولة على وسائل الانتاج وقيام مجتمع اشتراكى من الشعارات التى ينادى بها حزبكم وتدعو لها النظرية الماركسية؟ والا لازم تنفذوها انتو بس . قال عبد الخالق نعم إننا ندعو لتحقيق تلك الشعارات ولكن ليس بالكيفية التى تمت بها تلك القرارات والتي تجاهلت كافة ظروف البلاد. بل أن القرارات نفسها جاءت مرتجلة وغير مدروسة وسابقة لأوانها. وقال أننا كنا قد أوضحنا موقفنا فى سلسلة من المقالات فى جريدة (أخبار الاسبوع). وأخذ عبد الخالق يفيض فى الحديث موضحاً أخطاء قرارات التأميم وما صاحب تنفيذها من أقاويل واشاعات حول الفساد الذى حدث فى بعض المؤسسات. وقاطعه رئيس المحكمة قائلاً بلهجته المصرية الصارمة (خلص..خلص) وللحق فقد كانت هذه هى المرة الوحيدة الى رأيت فيها المرحوم عبد الخالق محجوب متأثراً عندما قال لرئيس المحكمة يا سيدى الرئيس أرجو أن يتسع صدر المحكمة بالنسبة لى لبضع ساعات فقط . وقد لاحظت أن الدهشة علت على وجوه الحاضرين بعد سماعهم لكلمات عبد الخالق محجوب. التى كانت أشارة واضحة إلى أنه كان يعلم سلفاً بأنهم قد قروا اعدامه. لقد كان الأمر أكبر من الدهشة وأعمق من الخوف. لقد كانت لحظة صراع رهيبة بين شخصين أحدهم يريد أن يضيف لعمره حتى ولو بضعة دقائق معدودة لعل معجزة قد تحدث. والآخر يريد أن أن يخلص نفسه بسرعة من مهمة ثقيلة حتى ولو كانت حياة انسان.
تجاهل واستعجال :
وقد لاحظت أن رئيس المحكمة تجاهل الحديث عن ضربة الجزيرة أبا على الرغم من أن عبد الخالق كان قد ذكرها ضمن أسباب الخلاف مع مايو). في هذه الجزئية، وننتقل لمحور آخر من محاور حوار العربية مع د. خالد.
* قال د. منصور خالد أنه التقى الشهيد عبد الخالق محجوب فترة إعتقاله بمزرعة في الباقير بعد مضي عام على انقلاب مايو 1969، وأشار إلى أن عبد الخالق فضل الدردشة معه وهما يتمشيان في المزرعة خارج الغرفة، وعندما استفسره منصور أوضح عبد الخالق أنه يشك في أن أجهزة اجهزة للتنصت قد وضعت داخل غرفته، وعندما حاول منصور إقناعه بأن تقنية متقدمة كهذه لم تصل البلاد بعد، رد عبد الخالق قائلاً:- لا، ممكن، ما تفتكر دي أيام بابكر الديب ،، دي أيام فتحي الديب” ،، وبابكر كان مسؤول الأمن في السودان بينما فتحي هو مدير المخابرات في مصر! بهذه الطرفة أنهى د. منصور خالد حديثه في الحلقة الأولى من برنامج ” الذاكرة السياسية والذي استضافه” بقناة العربية، حيث شملت الحلقة الأولى مجموعة مواقف وأحداث تتعلق بإنقلاب مايو وكيفية إشتراك منصور في وزاراتها وموقفه من النميري وإتفاقية الحكم الذاتي الاقليمي وأحداث 19 يوليو وغيرها من القضايا.
سنحاول هنا استعراض أبرز هذه القضايا والتعليق عليها، بما يخدم تقديم إضاءات مكثفة حول آراء “سياسي” محنك في قامة د. منصور خالد الذي عُمد في الساحة السياسية السودانية بعد صدور كتابه الشهير “حوار مع الصفوة” والذي أثار ضجة وحرك الساكن في ستينات القرن الماضي.
لدينا عدة ملاحظات أولها أن د. منصور يصنف نفسه لمقدم البرنامج باعتباره مؤرخاً سياسياً وليس سياسي بالمعنى المفهوم للكلمة، وهو هنا كمن يفسر الماء بالماء! ،، فالمؤرخ السياسي هو بصورة أو أخرى سياسي من الطراز الفريد ، فقد كان المؤرخ الفذ د. محمد سعيد القدال سياسياً لا يشق له غبار كما أن ونستون تشيرشيل كان كذلك مراسلاً صحفياً عسكرياً لازم حملة كتشنر البغيضة في تعديها على السودان فأرخ لتلك الحرب في كتبه التي أصدرها وأشهرها “حرب النهر”، ومع ذلك أصبح فيما بعد سياسياً محنكاً ورئيساً للوزراء عن حزب المحافظين! ،، وبنفس القدر لا يمكننا أن نقول عن المؤرخ مكي شبيكة أنه خاض في السياسة ودروبها بالمعنى المفهوم لكلمة سياسة، كذا المؤرخ السوداني محمد عبد الرحيم ، وهكذا ،، منصور خالد سياسي وسياسي محنك من شعر رأسه حتى أخمص قدميه، وقد لعب دوراً في الحياة السياسية السودانية، وأثر فيها وما يزال ،، وليست السياسة قذرة لهذا المستوى حتى يتبرأ منها سياسي عريق ومرموق كدكتور منصور خالد!.
وفيما يخص الجزئية المتعلقة بقوله لمقدم البرنامج أن النميري لم يكن شراً مطلقاً، حيث أوقف حرب الجنوب، فإن د. منصور خالد إنما يدافع هنا عن النميري من منطلق شخصي بحت وهو الذي يهمه ، فمنصور كان المهندس والمقاول و “البنا” الأول لمونة “إتفاقية الحكم الذاتي لجنوب السودان” التي أشرف على بناءها وحده طوبة طوبة وظل يتفاخر بها كإنجاز ضمن إنجازات مايو وهو ما رفع أسهمه، وحاول قدر الامكان إنقاذ الاتفاقية من الانهيار بحكم التوجه الديكتاتوري للنميري والذي وما أن عدل في أحد بنودها المتعلق بإعادة تقسيم ولايات الجنوب، ما لبثت الاتفاقية أن إنهارت لتعود البلاد إلى مربع الحرب الأول بتمرد العقيد جون قرنق وعودته للغابة مع جنوده!، مما يشير إلى أن تركيبة مزاج الديكتاتور دفعته لأن ينقض غزله بيديه دون أي مسوغات سوى أنه خُلق ديكتاتوراً، ولايمكن النظر للديكتاتور كإناء ” الحلومر ” البارد ،، نصفه حلو والنصف الآخر حامض! وهكذا فقد كانت كل المؤشرات تشير إلى أن الاتفاقية هشة، بل أنها كانت عبارة عن صفقة حرب بين النميري وقيادات الأنانيا التي و” لأنانيتها ” قبلت بالمناصب الرفيعة في الدولة مقابل توقيعها على الاتفاقية ، وقد توقع غالبية المحللين للأوضاع إنهيارها لهشاشتها، ومن هؤلاء كان الحزب الشيوعي الذي أصدرت سكرتاريته نقداً صارماً للاتفاقية وبنودها في كتيب بعنوان “مشكلة الجنوب ” وبأنها عاجلاً أم آجلاً لا تلبث وأن تنهار، حيث أنها قد أُبرمت بعيداً عن الرقابة الشعبية والنشاط الجماهيري المصادر، وقد صدق حدس الحزب الذي لم يكن يضرب في الرمل، بل بقدرات بصيرته السياسية النافذة!. ” تكرر السيناريو بحذفاره – كما يحلو لمنصور خالد نفسه عندما يتحدث عن الحذافير! ? في ضاحية ميشاكوس واتفاقية نيفاشا التي تم التوقيع عليها في قسمة طمع جاحدة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بعيداً عن بقية أو مشاركة القوى السياسية الأخرى ، وهذا موضوع آخر”ّ.
هذه هي اللحظة التاريخية التي تيقن فيها د. منصور خالد بألا أمل في مايو وخطها السياسي المفارق لرؤيته، خاصة مع بداية أحاسيسه بالاحباط الذي بدأ يدب عندما رصد إنفراد النميري باتخاذ أخطر القرارات حول المصالحة الوطنية والتي جرجرته فيما بعد لتوسيع دوائر الأحزاب اليمينية في الحكم، وهي المعادية لأشواق القوى الديمقراطية والوطنية، خاصة الأخوان المسلمين بقيادة د. الترابي، الذين بدأوا يتغلغلون في أوساط ومفاصل النظام وهم يمهدون لما يسمى في أدبياتهم السياسية ” بمرحلة الكمون “!. وهي اللحظة التي نعتقد أنه بدأ فيها وضمن إعادة حساباته تجاه مايو والنميري، في كتابة سلسلة مقالاته الشهيرة بعنوان ” لا خير فينا إن لم نقلها ” تلك المقالات الجريئة في تلك الفترة التي كانت من بين المقالات الشجاعة في نقد نظام مايو والنميري علناً وبشكل مباشر من داخل النظام، ما أهل شخصاً كأبي القاسم محمد إبراهيم لأن يحذو حذو ” منصور” ،، فألقموه حجراً أقعده في “علبه “! . ومن ثم بدأ منصور يتحلل ويتخارج من ” حجوة” مايو التي قدر أنها ستضحى ” أُضحوكة ” في سيرة شعوب السودان!.
لم يكن منصور موفقاً في تناوله للأسباب التي حدت بالنميري للتنكيل بالشيوعيين والقوى الديمقراطية الأخرى عند عودته المشؤومة للحكم في 22 يوليو 1971، فقد أشار إلى أن النميري أُهين ووضع بمجرد أعتقاله حافي القدمين في عربة مكشوفة، فتسائل قائلاً ” هل دي حاجة أنا بستقبلا بتحية”؟!، وبدورنا نتسائل أيضاً ،، هل دي حاجة تدفع بالسفاح لينتهك حقوق الانسان والمواثيق الدولية والدينية والأعراف والتقاليد فضلاً عن حرمة القانون وحيدته ونزاهته ليتشفى بكل شراسة وعنف بتلك المجازر وحمامات الدم التي جرت في العاصمة تباعاً؟! ،، هل يعقل أن ينتقم شخص سوي ومتصالح مع نفسه وضميره، لمجرد أنه أعتقل حافياً ووضع في عربة مكشوفة؟!. مالكم ،، كيف تحكمون يا دكتور؟!.
وفق منصور في البرنامج عند وصفه لمايو بأنها إنقلاب عسكري وليست ثورة، والجدير بالملاحظة أن ذلك كان أحد أسباب الصراع الفكري الذي نشب داخل الحزب الشيوعي حول الموقف من مايو، فبينما كان التيار الانقسامي يرى في مايو ورجالها ثورة و” ثوريين ديمقراطيين”، إلا أن الحزب كان في تحليله الماركسي للحدث قد توصل إلى أن ما جرى في صبيحة 25 مايو 1969 هو إنقلاب عسكري قامت به فصيلة من فصائل الجبهة الوطنية الديمقراطية ويجب تحويله إلى ثورة عن طريق النشاط الجماهيري المستقل والعمل الديمقراطي وسط الجماهير لتوعيتها بمهام مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ووصف رجال مايو العسكريين بأنهم شريحة من البرجوازية الصغيرة!.
وأما شهادة د. منصور خالد حول موقف عبد الخالق محجوب والحزب الشيوعي من إجراءات التأميم والمصادرة، فتقف دليلاً جديداً أمام من يحاولون تعليق حبل الاجراء في رقبة الشيوعيين!، فقد قال في البرنامج حول موقف عبد الخالق ” الأمانة تقضي أن أقول بأن له رأي حول التأميمات، بأنه ليس هناك حزب عاقل بيقدم على تأميم المطاعم والسينمات، مما يدل أن موضوع التأميم ما كان بقرار من الحزب الشيوعي”!.
بهذه الشهادة نختم الجزء الأول من مقالنا بطرح سؤال لأعداء الحزب الشيوعي ومناوئيه،، ما الذي تبقى لكم حول ما يتعلق بفرية صناعة الحزب الشيوعي لقرارات التأميم والمصادرة في عهد مايو؟!.
ــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بصحيفة الميدان.
hassanelgizuli@yahoo.com
/////////////////