(أغاني وأغاني) و(السرقدور) وتفكير( علي عثمان )

 


 

 




Awatif124z@gmail.com <mailto:Awatif124z@gmail.com>

مقـدمـة : رغم  حرصي هذه الأيام  على متابعة تفاصيل ما يجري بحق أساتذتي وزملائي الصحفيين من تشريد وتكميم أفواه واغلاق صحف وما تعانيه الصحافة السودانية من أزمة هي في الواقع (سرطان انقاذي خبيث) الا انني وجدت هذا الموضوع فارضا نفسه علي .. وربما أكون معذورا في ذلك .. والله  أعلم.

***********

صحيح أن كل أشكال وألوان (العبط التلفزيوني) في السودان يخرج إلينا في مثل هذه الأيام من شهر رمضان المباركة ..  وهذا هو قدرنا في زمان العبط والاستعباط الاستثنائي !!!.

ولكن ...............

قبل مغادرتي السودان آخر مرة نهاية العام 1987  وتواصل مسلسل تسفاري الممتد كنت مثلي ومثل الكثيرين من شباب ذلك الزمان الذي لن يعود أحفظ عن ظهر قلب أسماء المطربين واحدا واحدا وأتعرف على كل واحد منهم واسم الأغنية وشاعرها ومطلعها بمجرد سماع مقدمتها الموسيقية .. أي قبل أن  ينطق بها مطربها .. كما كنا نحفظ لهم أغنيات كأناشيد المدرسة حتى أننا كنا نردد وجميع من بداخل ( صيوان العرس ) معهم تلك الأغنيات في مشهد هو أشبه بـ (الكورس الجماعي) .

أما مطربو اليوم – في عهد الانقاذ الرديء – لم يعد منا من يستطيع أن يتذكر أسماء خمسة منهم بسهولة .. حيث فاق عددهم عدد المستمعين أنفسهم  .. والمحير حقا أن فضائياتنا (التعيسة) تفرد أحيانا ساعات وساعات لمطرب ( شافع ) ربما لم يسمع به أحد سوى ( ناس البيت) والجيران فقط .. حتى أنك لتعجب كثيرا كيف لادارة تلفزيونية تحترم  نفسها ومشاهديها  وعقولهم أن تخصص  كل ذلك الوقت من عمر  المشاهد المسكين لتفرض عليه  مطربا لا يزال  في مرحلة ( الطفولة الفنية ) ويتحدث بلغة ( سوق الناقة ) .

عموما  كل ذلك ( كوم ) وما أود الحديث عنه هنا  ( كوم تاني) .. حيث كنت واحدا ممن قادهم حظهم التعيس لمشاهدة أول حلقة من برنامج ( أغاني وأغاني ) يوم الجمعة الماضية  المصادف ( 21 يوليو 2012) الذي يقدمه (السر أحمد قدور) أو ( الشاعر المتصابي ) حيث أنه رغم كبر سنه لا يزال  يسعى جاهدا لـ ( استحلاب)  أو (استدرار) خفة الدم بصورة قد تصل أحيانا (حد العبط) .. انه دور يقوم به على كل حال ربما ( تصنعا) أو طبيعة .. لا أدري .. ولكن الذي أدريه تماما وأعرفه هو أنه دور تجري فصوله في عهد الانقاذ الذي سار بكل أمر في حياتنا بالمقلوب !!.

قد يفاجأ الكثيرون  لو أنني قلت لهم بأن هذا ( السر قدور ) النجم التلفزيون الإنقاذي حاليا هو نفسه القائل – أيام تشرده  الحزينة  في القاهرة – وبالحرف ( لم يعد في السودان اليوم من  يسمح لنا حتى بالتفكير لأن هناك من يفكر نيابة كل الشعب السوداني .. أنه علي عثمان  محمد طه .. يعني حرمونا حتى حق التفكير !!!).

يشهد الله هذا ما قاله لي بالنص في يوم  من أيام يونيو عام 1997 حينما التقيته هناك  وهو جالس وحيدا معزولا في مكتب منفرد بأحد الممرات الخارجية  أشبه بمخزن وذلك بمبنى صحيفة ( الخرطوم ) يوم أن كان صاحبها يتمسح زورا  بمسوح المعارضة لتسويق صحيفته  التي تحولت ما بين يوم وليلة – وبقدرة قادر – الى ركب أبواق الانقاذ ومطبليها وسخر (بتشديد الخاء )  صاحبها ( الاتحادي العاق ) عمودا يوميا بمساحة ربع  الصفحة الأولى للتسبيح بحمد الانقاذ وكرامات جلاوزتها الميامين وبركاتهم التي (غمروا  بها السودان وأهله الكرام !!!).

ونحن نتنسم نفحات هذا الشهر الفضيل يبقى عجزي قائما عن فهم الحكمة من جعل أولى حلقات ( أغاني وأغاني ) حائطا  للبكاء على المطرب الراحل ( نادر خضر ) الذي لو أحياه المولى لمدة دقيقة واحدة ليرى بعضا من  تفاصيل  تلك الحلقة المحزنة لبصق في وجه  كل مشارك فيها وعلى رأسهم مقدمه بالطبع .. فصحيح أن رحيله  فاجعة وكنت قد التقيته أول وآخر مرة بالشارقة مطلع التسعينات .. وبالفعل كان يمكن أن يكون له شأن عظيم في عالم الغناء والطرب .. رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة .

لا أدري لماذا اختار ( قدور) هذه البداية المبكية وأمامه  تسع وعشرين حلقة من هذا البرنامج الرمضاني اليومي ( المتكلس ) الذي أضحى صورة مكررة  كل عام  دون  أي  تطور أو اضافة جديدة تخرجه من دائرة الرتابة والملل ؟ .. ولماذا لم  يجعلها حلقة ختامية حتى لا تعلق  بذاكرة مشاهدي هذا البرنامج صورة الراحل وتترآى لهم في كل حلقة وتشغلهم عن متابعة القادم من حلقات ؟ .. ولكن يبدو أن للسيد ( قدور) حساباته  الخاصة .. لا بل(حكمته الخاصة) من هذه البداية ( التعيسة ) الخالية من أية حكمة أو دلالة .

وكل رمضان وانتم بألف خير ووطننا المختطف معافى من أي ( سرطان انقاذي) .

 

آراء