أفق التغيير في السودان

 


 

 

 


alshiglini@gmail.com

 

يسخر من الجروح ... كل من لا يعرف الألم

حكمة

(1)

لربما أعياه النضال ...وطني أو ... بدني ، كما أشعر " خليل فرح " . وربما شهدنا كل الغصون الخضراء ، ترتفع ثم تهوي ، والدماء الحُمر تنفجر ينابيعها في الساحات العامة. ويملؤنا اليأس حين استطال الزمان في الانتظار. مرت من هُنا عربة تجُرّ السنوات العجاف بعَجلات من حديد صدء ، وشابَ الحاكمون في مناصبهم . وجرت عليهم سُنن الحياة ولم يقتنعوا بالشحم الظاهر فيهم والورم الباطن .
*
قال قائل أننا يئسنا من التغيير، وربما يرتاح كل المنضوين تحت عصابة الحُكم ، وكذلك أصحاب المصالح التي لن ترضى بالتغيير، فجميعهم يعتقدون أن الاستقرار ملح الجروح . وسوف ينسى الناس عذاباتهم.نقول : لن يكون هناك استقرار..لأن الحاكمين لا يعرفون كيف يجرُّ الثور الساقية ، ولأن أبجدية قوانين المعرفة لم تطُف على حجارة عقولهم . الكل يعرف أن لكل داءٍ دواء . الدواء الذي يخافه الجميع لا بد منه ، ولا سيما المطلوبين للمحاكم الدولية، سيأتي دون موعد ودون ترتيب كهبوط الصواعق. كيف لا وقد أنزلوا الحقد من منبعه الآسن، وسقوا شعبهم جُرعات الموت البطيء. إن أصحاب السلطان لم يتذوقوا في تاريخهم مرارة التعذيب أو الاغتصاب أو القتل . لم يفعل بهم أحد في السودان إلا كل خير. ونسأل نحن من جديد :
لَمَ هذا الحقد العنيف والتعذيب المتوحش الذي يمارسونه ؟!

(2)

لن يستطع أحد أن يجد عُذراً لعصابة ، صنعت مافيا تنظيمهم بناءً على أفكارٍ مُرعبة جاءت من خارج التاريخ . هم لا يريدون أن يصير عليهم ما صار على منابعهم التي هي في بقاع أخرى من الأرض. ربما آن لنا أن نسأل : أليس ذائق الضّيم هو ذات الإنسان السوداني الطيب الذي تجده أنت في أي من بقاع أرض السودان؟ . لايعرف هو الغضب الحقود أو الحسد مُتعدد الطبقات . ولا تغلي نفسه من الغِّل على الآخرين . كل أهلنا أغلبهم فقراء ، ولكنهم أغنياء من التعفف .
*
لماذا امتلأ تاريخ السلطة الحالية ببصمة الحقد والحسد الدفين والتفنُن في التعذيب والتقتيل ؟
سؤال ربما يتكرر في ذهن الكل : لماذا يتكرر مشهد الرُعب في كل محطات السلطة منذ استيلائهم عليها ؟ . أيخافون أن يذهب عنهم السلطان ؟ . فأهله إن كانوا يؤمنون بنصوص الديانات التي تتحدث جميعها أن مصدر السلطان هو الرب ، وهو الذي ينزِع الملك ممن يشاء، ولكنهم لا يعتقدون بذلك في الحقيقة . ولو طال زمانهم ، فسوف يُكنسون بسبب الثارات التي أدخلوها على الناس. وعندما يغتسل الناس من أحماض فعائل العصبة ، فسوف تشرق شمسٌ جديدة، وندخل معها مرحلة جديدة من السلام ، وسوف يكون العالم أفضل بدونهم.
لكل فعل رد فعل ، وهنا يعيش أهل السلطة عندنا في قلقٍ ورعُبٍ شديدين ، لا يخاف إلا الذين نكّلوا بالطيبين . يظُنون أن الحياة التي أيقظوا فيها نعرات العرقية و الحقد والانتقام ستدوم ، وأن أهلنا الطيببين سوف ينسون الوشم ،وآثاره التي تركته السُلطة وسدنتها على أجساد الكثيرين!.

(3)

لن يقول الناس " عفا الله عما سلف " ، ولن يستلها القارءون للذكر الحكيم من صياغها الذي جاءت به . وهو شعار يريد به الكثيرون من الواغين في الفساد ، أن يكون مصيرهم حين الأفول العظيم لينجوا من المُحاسبة ، فالوالغين في تعذيب الطيبين والطيبات بنيران الشواء الذي دخل عبر الأجساد ليصل الأرواح ، لن يترك فرصة ليدوم لهم سعد. ولن تدوم لهم الدُنيا كما أرادوا. إن الطيبين والطيبات يعرفون كيف يقتصّون، ولو طال الزمان.
فقد وردت الآية القرآنية كما يلي :
* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) المائدة.
وهي مُتعلقة بقتل الصيد للمُحرمين ، وليس العفو عن المجرمين والقتلة !.

(4)

للثورات قانون آخر غير الذي يعرفه الكثيرون ، يأخذ بناصية المذنبين العِظام . تلك الثورة الغضوب ستكون حولاء، لا تُميّز صغار المُجرمين عن كِبارهم ، كالنار لا تُفرز أي الأعشاب تختار . ليس للثورة ميعاد ، وليس لها أدوات يُمكن لأحد من العِصابة أن يحتاط بشيء ، فالقادم أكبر من التخطيط وعصيّ على الصد . سوف يستنّ سُنناً جديدة ، لا نعرفها نحن ، كالسيل لا نعرف مواقيته ، ولكن الثورة وحدها تعرف طريقها القديم ولكن وسائلها فيها كل جديد. ربما تظن أن الوقت غير مناسب ، أو أنك تحسب الكاظمين الغيظ ، يتقبلون الواقع الغليظ على الأنفس والأجساد دون رد فعل. سوف تنبلج شمس الصباح ذات يوم دون شك ، في وقتها وتُضيء كل البُقع السوداء ، وسوف يختفي الأشباح من دُنيانا .

(5)

التاريخ يُضرب لنا الأمثال والأقاصيص كي نعتبر . لكل ظلم ميقات ، ينحسر فيه ، ويأخذ الظالم ما يستحق من العذاب الذي تذوقه الناس ، وهم مظلومين . الحبل ممدود للزمن ، ولا نعرف وقت تنقلب البواطن على الظواهر ، ولا نعرف ضربة " التسونامي " في مُحيط عروش السلاطين ، فتتداعى الأراضين وتنهد جبال المجد الذي قام على الظلم.
الظالمون وحدهم يعرفون متى يُنزَعون كما يُنزع اللحاء من ساق الشجر، ويعرفون الوسيلة التي يخافونها . ويقولون لأنفسهم : ( هذه الوسيلة لن يُجرّبها الشعب السوداني أبداً ) . متى يُدرك أهل السلطان ، أن النفوس قد قُتلت و أن الأجساد قد انتُهكت حُرماتها ؟ فحسبوا أن لن يعرف أحد ،وإن عرِف سيغفر لهم . لكننا سوف نشهد المارد يستيقظ من سُباته الطويل فجأة ، وتتحقق الأمنية التي ينتظرها أبناء وبنات شعبنا.

عبدالله الشقليني
13 مارس 2018

 

آراء