mahdica2001@yahoo.com دعا كبير مفاوضي الحركة الشعبية، السيد/ ياسر عرمان، إلى تبني خارطة الطريق والدفاع عنها، وأعرب عن حرص وسعي قوى نداء السودان على إشراك كافة قطاعات المُجتمع المدني "الداخلية والخارجية"، واستدل على ذلك بمُشاركة بعض المبدعين والناشطين في مفاوضات أديس أبابا، وعلى الرُغم من الترحيب بهذه الإيماءة الإيجابية المتأخرة (فأن تأتي مُتأخراً، خيرُ من أن لا تأتي أبداً) يظل الأداء الإعلامي لقوى المعارضة عامة والحركة الشعبية تحديداً، دون الطموح وأقصر من قامة المنعطف الحرج الذي تمر به قضية التحول الديمقراطي المنشود في السودان، ويزداد الأمر ضغثاً على إبالة بضعف أداء المكاتب الإعلامية والتمثيلية (الخارجية)، وعدم تفاعلها وإنعزالها عن القواعد الشعبية التي يُفترض تمثيلها. إستجابة للدعوة أعلاه وإنطلاقاً منها، أطرح المُقترحات التالية، علها تُسهم في إثراء وتجسير فجوة التفاوض، المُتعثر حالياً: 1. الجانب الأمني والعسكري: درجت العادة والعرف على أن يبدأ المتفاوضون والوسطاء، بطرح القضايا المُتفق عليها نسبياً (أي الملفات الأكثر سهولة)؛ ولكن للمُفارقة فإن المتفاوضين بدأوا بأصعب القضايا وأكثرها إثارةً للجدل، ألا وهي مسألة "إعادة هيكلة القوات المُسلحة" وهذه قضية ذات حساسية بالغة، وقد إستغلها النظام أبشع إستغلال في التعريض والتشهير بقوى المُعارضة وإتهامها زوراً وبهتاناً بأنها تسعى إلى تفكيك الجيش أو إنشاء جيشين في البلاد، فعلى الرُغم من أن إنقلاب الجبهة الإسلامية (الذي أُستخدم فيه "الضابط" عُمر البشير كمخلب قط)، هو المسئول الأول عن تفكيك وتسييس وإهانة الجيش وإعدام وتشريد ضُباطه وجنوده، وتحويل من تبقى منهم إلى مليشيا حزبية وجهوية وعنصرية وجهادية دينية (تمييز مُركب)، إلا أنه ظل يذرف دموع التماسيح على هذا الجيش، نفاقاً وإستدراراً للعاطفة الوطنية والحمية القومية، ومع الإتفاق التام مع طرح الحركة الشعبية في هذا الشأن، إلا أنه من الأجدى البدء ببحث المسائل السهلة التي لا يمكن الخلاف عليها والتي لها عائد مباشر يصب في مصلحة الجماهير، كنقل معسكرات القوات المسلحة خارج المدن، بداية بالعاصمة الخرطوم، وتحويل مواقعها الإستراتيجية إلى مستشفيات ووحدات سكنية للطالبات والطلاب الجامعيين، وحدائق عامة (في مقابل دعوة النظام إلى نقل جامعة الخرطوم، مثلاً)، وبذلك يتم إصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد؛ كالمحافظة على سلامة المواطنين، وتفادي الإنقلابات العسكرية، وتقديم الخدمات العامة الشعب، وإشراكه في التمتع بموارده الطبيعية "الأراضي"، وجعل المواطن العادي يلمس ويرى فائدة التسوية السلمية (Tangible Peace Dividend)، ولذا فمن الأفضل حشد وتعبئة الجماهير تحت شعار "فصل الجيش عن السياسة" والبدء بنقل معسكراته بعيداً عن الأحياء السكنية، لضمان أمن المواطنين وعدم إستخدامهم دروعاً بشرية، عدم الوقوع في شرك التلاحي والعداء مع ضباط وجنود القوات المُسلحة الشُرفاء (ضحايا رفاقهم الذين لم يراعوا فيهم إلاً ولا ذمة ولا رفقة سلاح). 2. قضايا الحُكم والدستور: يُهدر المتفاوضون وقتاً ثميناً في ما دُرج على تسميته بــــ "كيف يُحكم السودان" وهذه كلمة حقٍ أُريد بها باطل، فالعلة لا تكمن في قلة المواثيق والدساتير بليغة الصياغة، وإنما يكمن في غياب الإرادة و/أو القُدرة على تطبيق هذه المواثيق وإنزالها على أرض الواقع، ولذا ينبغي تعديل السؤال ليكون "كيف يُمكن الوصول إلى الصيغة التي تُتيح حُكم البلاد بكفاءة ونزاهة" أي كيفية "إعطاء الخبز لخبازه" وتولية ذوي المصداقية والكفاءة والنزاهة والقُدرة على تطبيق المواثيق التي تتفق عليها القوى السياسية (وإنزالها على مستوى السُلطة التنفيذية) ، وبنظرة خاطفة إلى برامج كافة الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، نجد أنها زاخرة بالنصوص التي تدعو إلى الديمقراطية والشورى والعدل والمساواة وسيادة القانون (وكُل القيم السامية والمبادئ النبيلة)، بل إنني زعيمُ بأنه لا يوجد أفضل من الدستور الإنتقالي لعام 2005 (وخاصةً وثيقة الحقوق التي يتضمنها)، وفي هذا الصدد، أعتقد بأن كُل المطلوب هو تشكيل لجنة من خبراء القانون الدستوري المشهود لهم بالدُربة والدراية والنزاهة، لتنقيح هذا الدستور الرائع وحذف و/أو تعديل النصوص المتعلقة بجنوب السودان. كذلك لا نحتاج في شأن الإدارة السياسية (الحوكمة-Governance) إلى إعادة إنتاج العجلة، إذ لدى الإتحاد الإفريقي حزمة متكاملة من المواثيق والأطر القانونية النموذجية التي تهدف إلى إرساء وتعزيز الحُكم الراشد في دول القارة الإفريقية، ويطلق عليها؛ منظومة الحكم الراشد، ولها منبر وهيكل معروف بإسم: (African Governance Architecture- AGA) ، وهي تشمل (ضمن آليات قانونية أخرى): i. الميثاق الإفريقي للديمقراطية والإنتخابات والحكم الراشد ii. الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب iii. بروتوكول حقوق المرأة (بروتوكول مابوتو) iv. الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاه الطفل v. الآلية الإفريقية للرقابة المتبادلة (African Peer Review Mechanism - APRM) علماً بأن الحكومة السودانية الحالية (بشحمها ولحمها) موقعة على كافة هذه المواثيق!!، وهذه المواثيق جميعها ترمي إلى إرساء الحكم الديمقراطي الراشد وتحقيق دولة المواطنة والتبادل السلمي للسُلطة (وهي ذات الأهداف الإستراتيجية التي تسعى لها قوى المعارضة السودانية "السلمية والمسلحة" بمختلف توجهاتها ومنطلقاتها الفكرية)ـ وبتبني هذه الآليات القانونية تكون المعارضة قد كسبت الإتحاد الإفريقي "ووسيطه/امبيكي" إلى صفها، ووضعت النظام الحاكم في مواجهة مع المجتمع الإقليمي، إذا رفض هذه المواثيق. وفي هذا السياق رُبما يكون من الصائب أن تطرح قوى نداء السودان مُقترح تخفيض أعداد النواب البرلمانيين (على المستوى القومي والولائي) إلى النصف، بديلاً وترشيداً لتوصية لجنة قضايا الحُكم بالحوار الوطني التي أوصت بمضاعفة أعضاء المجالس البرلمانية" مع ما يعنيه ذلك من رهق يثقل كاهل المواطن العادي، فلو تبنت وطرحت قوى نداء السودان "المُعارضة" مثل هذا الإقتراح الموضوعي، فمع من سوف تصطف الجماهير؟!. 3. المسألة الإنسانية ومسارات الإغاثة: وفي هذه المسألة، يُمكن تكليف الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي بالإشراف على الإغاثة الإنسانية بإعتبارها قضية حقوق إنسان لا يجوز لأي طرف من طرفي النزاع الإنفراد بها خشية إساءة إستخدامها، على أن يتم إستنباط آلية نزيهة لإشراك "الحكومة والمعارضة معاً" في عملية إيصال المساعدات وفقاً لأُطُر عمل واضحة وشفافة (كُلُ في المنطقة التي يسيطر عليها)، وعموماً لا معنى للتعنت في هذه المسألة، طالما أن الهدف النهائي يتمثل في إغاثة مواطنين سودانيين غض النظر عن موقفهم من النزاع. وإذ ما أخذنا في الإعتبار أن معظم دول الجوار تقف في صف الحكومة (تشاد، إثيوبيا، جنوب السودان)، نجد أنه لا معنى للمطالبة أن تأتي الإغاثة عبر جوبا _جنوب السودان) أو لوكيشيكو (كينيا) فهذه الدول ذاتها في حاجة إلى من يغيثها، وقد تتعرض قوافل الإغائة للسلب والنهب بسبب إنفراط عقد الأمن في تلك المنطقة. وعموماً فإن على الحركة الشعبية أن تثق في المواطن السوداني، فهو حصيف ويعرف مصلحته جيداً وكثيراً ما يلتزم بمقولة (أكلو توركم وأدوا زولكم!!)، خاصةً وأن المُقاتلين في الطرفين ذوي قُربى ورحم واحد!!. 4. الإعلام وحرية التعبير: ظل المُعارضون والناقدون لتوقيع تحالف نداء السودان على خارطة الطريق (والتي في جوهرها ليست أكثر من جدول أعمال لتبيان معالم طريق التفاوض-كما يشي إسمها)، يتمترسون خلف عدم كفالة الحُريات في السودان ويعتبرونه مبرراً لرفضهم للخارطة على الرُغم من زعمهم بتفضيل خيار التسوية السلمية للأزمة السياسية السودانية وما قادت إليه وما قد تقود إليه من حروب أهلية ودمار وانهيار. وبدون الخوض في جدل البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة، فإن أي تسوية سلمية لا بُد أن تبدأ بالتفاوض، وأن أي تفاوض لا بُد من تأطيره وتحديد معالمه وجدول أعماله (خارطة طريقه)، ومع هذه البديهيات إلا أننا نرى بأن على الحكومة تقديم عربون حسن نية لبناء الثقة المفقودة بين الطرفين، وبإعتبارها الطرف الذي في يده قرار إطلاق الحريات الكاملة (إذ لا ننكر أن هنالك هامش من الحُريات وإن كان محدوداً، إلا أنه يسمح للأحزاب بعقد مؤتمراتها وإصدار صحفها -على سبيل المثال)، فإن عليها إتاحة مزيد من الحُريات، وعلى الحركة الشعبية المُطالبة بإلغاء قرارات إغلاق المراكز الثقافية والإعلامية والفكرية وعلى رأسها مركز الخاتم عدلان ومركز الدراسات السودانية وصحيفة أجراس الحُرية (لسان حال الحركة الشعبية)، وقناة إيبوني الفضائية،، وغيرها من مراكز التنوير والفكر والتعبير عن الرأي. وفي إعادة الحُرية لهذه المؤسسات لممارسة عملها، خيرُ للجميع، كما أنه أفضل وسيلة لإقناع المُتشككين بجدية الطرفين المتفاوضين، وإهتمامهم بإشاعة الحُرية والديمقراطية للجميع (مُعارضين ومؤيدين لخارطة الطريق). 5. المُغتربين: تُشير أكثر التقديرات تواضعاً إلى أن المهاجرين والمُغتربين والعاملين بالخارج لا تقل نسبتهم عن 20% من جُملة سُكان البلاد (أي ثمانية ملايين نسمة بإعتبار أن عدد السُكان بعد الإنفصال يبلغ حوالي 40 مليون نسمة- ويكبيديا)؛ وعلى الرُغم من الدور الهام الذي تلعبه هذه الشريحة على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والثقافي (والذي قد تلعبه على المستوى السياسي) إلا أنه يُلاحظ عدم الإهتمام بها وبحقوقها الدستورية، فجهاز العاملين بالخارج لا يرى فيها سوى بقرةً حلوباً لا تستحق حتى الإعلاف، وحتى عندما يهتم بها اأي تنظيم سياسي فهو يسعى لإختطافها الذي لا يُمكن أن يتم إلا عبر تمزيقها وبذر الخلافات بين قادة مجتمعاتها وجالياتها (وقد أفلح في ذلك كثيراً مستغلاً داء النُخب المُزمن المتمثل في شخصنة القضايا العامة وتقديم الذاتي على الموضوعي)، أما القوى السياسية المُعارضة فهي ليست أحسن حالاً من النظام في هذا الشأن، إذ جُل ما تفعله؛ مُجاراة النظام ومنافسته في محاولات إختطاف الجاليات وتجييرها لصالح الأحزاب السياسية التي فشلت في إنشاء وتفعيل فروعها الحزبية الخارجية. ما نود أن نقوله أن هنالك حقوق أساسية لشريحة المغتربين لا تجد من يتبناها ويدافع عنها، مثل حق الترشُح والترشيح والحق في التمثيل في مفاوضات السلام، ولذا؛ فإن على قوى نداء السودان تمثيل المُغتربين في وفود التفاوض، لأنهم الأدرى والأقدر على طرح قضاياهم والدفاع عنها، والإستفادة من الخبرات التراكمية التي اكتسبوها من التعامل والإنفتاح على مجتمعات متنوعة الرؤى والأنظمة السياسية. ختاماً: لا يخفى على أحد من الفاعلين والمهتمين بالأزمة السودانية المُزمنة (بما في ذلك لجنة الوساطة) بأن هُنالك مُعرقلين (Spoilers) على الجانبين، ذوي أجندات خفية ومصالح خاصة لا يستطيعون الإفصاح عنها ولكنهم يعضون عليها بالنواجذ وإن تظاهروا بالسعي للتسوية السلمية (مُخاتلة وتُقية)، وتشمل هذه الفئة العنصريين الذين يعملون على الإنفصال في جانب الحركات المُسلحة، والإنتهازيين الفاسدين المُفسدين والمُستفيدين من إستمرار النظام وحروبه العبثية، وهؤلاء أشد خطراً وضرراً من الذين يُعارضون خارطة الطريق لأسباب مبدأية أو فكرية، ولذلك فلعله من الأفضل أن تلتمس لجنة الوساطة من الطرفين إعادة تشكيل وفودها التفاوضة لإستبعاد هؤلاء المُعرقلين الذين لا ينظرون إلا إلى ما يصب في مصلحة أجندتهم الخاصة، وإن تعارضت مع المصلحة العامة. آخر الكلام: أتمنى من بقية قوى المُعارضة أن تحذو حذو السيد/ الصادق المهدي، وتعود إلى البلاد وتتوجه إلى قواعدها وتلتصق بها وتستمع إليها، وتنظم صفوفها وتعالج خلافاتها الداخلية وتعقد مؤتمراتها العامة (لتجديد المشروعية والثقة) والإستعداد للإنتخابات القادمة بقائمة موحدة؛ فهذه هي خارطة طريق إسقاط النظام مع المحافظة على وحدة البلاد. ألا هل بلغت اللهم فأشهد