أفول نجم الدولة المركزية !!
اسماعيل عبدالله
15 June, 2023
15 June, 2023
منذ العام المؤرخ لخروج البريطانيين من السودان، لم تنجح الحكومات المتتالية في معالجة جذور الأزمات المتشعبة في الجنوب وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور، وإذا ألقينا بنظرة عاجلة على التحليل الجيوسياسي للسودان نجد مفردة (جنوب) حاضرة في قاموس الأزمة السودانية بتكرار مدهش، ما يؤكد على حضور العامل الجغرافي والديموغرافي في تحديد مسار الصراعات السياسية بالبلاد، كما هو الحال بالنسبة لكثير من البلدان والشعوب التي يماثل حالها حالنا، كأثيوبيا ونيجيريا ورواندا وغيرها من الأوطان الإفريقية، تجد المعضلة الجوهرية كامنة في تكريس الأحادية الثقافية والاجتماعية والجهوية والدينية والأيدلوجية والحزبية، وللمفارقة فإنّ الغالبية العظمى من هذه البلدان الإفريقية ولجت تجربة الصراع الحقيقي باكراً، بخلافنا نحن الذين كنا نظن بأننا غير خاضعين لمعايير قوانين الطبيعة وخصائص الإنسان، لذلك علت نبرة الأنا لدينا لمدة تجاوزت نصف القرن من الزمان، وتعالى صوتنا في المنابر الإقليمية والعالمية بأننا غير قابلين للمقارنة، حتى افتضح أمرنا في مفتتح الربع الثاني من العام الحالي، فعلمنا وعلم العالم أجمع بأننا لسنا استثناءً من معادلة الحساب والجبر الكوني، ولم نكن في يوم من الأيام شريحة مجتمعية تمتاز بشيء خرافي يختلف عن أشياء شركائنا الموجودين معنا على سطح هذه البسيطة، وانكشف المستور، وعرفنا أننا مجرد مجموعات بشرية حوتها (زريبة) كبيرة صنعها المستعمر وأقنعنا بأنها هي الوطن، دون أن يترك لنا خيار الاختيار.
إنّ بناء الأوطان لا يتم عبر الحملات الإعلامية الكلامية الكاذبة، ولا عن طريق المدح الزائف لأنفسنا ولا بالتبجيل الفائق لقدراتنا التي ليست بأي حال من الأحوال بأفضل من الخصائص الذاتية للياباني والماليزي والهندي، لقد سدرنا في غيٍ ديني متطرف وأوهمنا أنفسنا بأننا سوف نرفع الآذان في البيت الأبيض، وهتفت حناجرنا للقضية الفلسطينية أكثر من هتاف أصحاب الجلد والرأس، وسحبنا جيشنا (الوطني) ودفعنا به ليقاتل في الخطوط الأمامية للجيوش العربية المؤمنة بقضيتها المصيرية أكثر من إيماننا بوطننا العزيز الذي هو الأول والآخر، وقد وضح جلياً مدى تمكن الزيف والخيال على مخيلتنا الوطنية بعد اندلاع الحرب الأخيرة، ذلك بأن خصيصة الكذب والهراء صارت ديدناً لكل واحد منا يمني نفسه بالتسلط على رقاب الناس مستخدماً جهاز الدولة، وعرفنا كيف كانت تدار الأمور من وراء ظهرنا طيلة الستين ونيف عام التي مضت، الأمر الذي جعلنا نتحسس (بطحة) رأسنا فيما يتعلق ببرنامج ساحات الفداء الذي صوّر لنا نصراً مستمراً لجيشنا الذي لا يقهر في جنوب الوطن الحبيب الذي ذهب إلى حال سبيله، بينما نحن نرى بأم أعيننا اليوم هشاشة جندنا وهم يقاتلون رفقاء دربهم ورصفاءهم بعزيمة منكسرة لا تقوى على لي حبل من قماش، نتيجة لفساد القيادة المترفة المنتفخة الأوداج، مقابل ظلم القاعدة المهمشة الجائعة المقهورة والموصوفة بالدون والتي لا ترقى إلى مساواتها بعلية القوم و(أبناء الذوات)، كما درج فقه المدرسة المركزية على تكريس هذه الخصيصة الخسيسة والخبيثة.
وكما يقول المثل لدى أهلنا في غربنا الحبيب (الألمي خنق القنطور)، وهو مثل رديف للمثل العربي الكلاسيكي (لقد بلغ السيل الزبى)، فبكل الحسابات الواقعية يمكننا أن نعلن عن أفول نجم الدولة المركزية التي ظلت تتحكم على مصير الشعب السوداني سبعون عاماً منقوص منها عامين، ولأول مرة خلال العمر المديد للدويلة المركزية الظالمة، تخرج مقاليد السلطة عن أيدي المركزيين لشهرين كاملين، وما يزال الحبل على الجرار والأيام حبلى بالمثير الخطر، ومن الدلائل الواضحة على نهاية المركزية القابضة، ظهور قوة عسكرية حديثة لا تدين بالولاء لسطوة النخبة القديمة، وبروز أنياب مختلفة لمؤسسة عسكرية جديدة أصبحت بحكم الواقع بديلاً مجدياً ومقنعاً للمؤسسة العجوز التي أكل دهر الفساد عليها وشرب، وزوال الامبراطوريات عبر الحقب والسنين لن يتأتى إلا بتحطيم أطقمها العسكرية، وهوان جندها وقلة حيلتهم بين المواطنين الذين لطالما آمنوا بقدراتهم الفائقة في تأمينهم من الخوف وإطعامهم من الجوع، فلقد لاذت الجماهير السودانية بالفرار واحتمت بقوات الدعم السريع تطلب اسعافاً وحمايةً وتأميناً من هجمات المتفلتين، الذين أطلق سراحهم فلول النظام الإخواني البائد، بعد أن أصابهم القنوط من قسمهم ووعدهم لأنصارهم بأنهم سيعودون يسرجون خيلهم، ثم يأتون ظافرين متحكمين على رقاب الشعب الكادح المسكين، غير مكترثين لأحكام الكتاب المبين الذي يتلونه صباح مساء نفاقاً، ودون أن يلقوا بالاً لما كتبه الله سبحانه في الزبور من بعد الذكر من أن الأرض سوف يرثها عباده الصالحون.
إسماعيل عبدالله
14 يونيو 2023
ismeel1@hotmail.com
إنّ بناء الأوطان لا يتم عبر الحملات الإعلامية الكلامية الكاذبة، ولا عن طريق المدح الزائف لأنفسنا ولا بالتبجيل الفائق لقدراتنا التي ليست بأي حال من الأحوال بأفضل من الخصائص الذاتية للياباني والماليزي والهندي، لقد سدرنا في غيٍ ديني متطرف وأوهمنا أنفسنا بأننا سوف نرفع الآذان في البيت الأبيض، وهتفت حناجرنا للقضية الفلسطينية أكثر من هتاف أصحاب الجلد والرأس، وسحبنا جيشنا (الوطني) ودفعنا به ليقاتل في الخطوط الأمامية للجيوش العربية المؤمنة بقضيتها المصيرية أكثر من إيماننا بوطننا العزيز الذي هو الأول والآخر، وقد وضح جلياً مدى تمكن الزيف والخيال على مخيلتنا الوطنية بعد اندلاع الحرب الأخيرة، ذلك بأن خصيصة الكذب والهراء صارت ديدناً لكل واحد منا يمني نفسه بالتسلط على رقاب الناس مستخدماً جهاز الدولة، وعرفنا كيف كانت تدار الأمور من وراء ظهرنا طيلة الستين ونيف عام التي مضت، الأمر الذي جعلنا نتحسس (بطحة) رأسنا فيما يتعلق ببرنامج ساحات الفداء الذي صوّر لنا نصراً مستمراً لجيشنا الذي لا يقهر في جنوب الوطن الحبيب الذي ذهب إلى حال سبيله، بينما نحن نرى بأم أعيننا اليوم هشاشة جندنا وهم يقاتلون رفقاء دربهم ورصفاءهم بعزيمة منكسرة لا تقوى على لي حبل من قماش، نتيجة لفساد القيادة المترفة المنتفخة الأوداج، مقابل ظلم القاعدة المهمشة الجائعة المقهورة والموصوفة بالدون والتي لا ترقى إلى مساواتها بعلية القوم و(أبناء الذوات)، كما درج فقه المدرسة المركزية على تكريس هذه الخصيصة الخسيسة والخبيثة.
وكما يقول المثل لدى أهلنا في غربنا الحبيب (الألمي خنق القنطور)، وهو مثل رديف للمثل العربي الكلاسيكي (لقد بلغ السيل الزبى)، فبكل الحسابات الواقعية يمكننا أن نعلن عن أفول نجم الدولة المركزية التي ظلت تتحكم على مصير الشعب السوداني سبعون عاماً منقوص منها عامين، ولأول مرة خلال العمر المديد للدويلة المركزية الظالمة، تخرج مقاليد السلطة عن أيدي المركزيين لشهرين كاملين، وما يزال الحبل على الجرار والأيام حبلى بالمثير الخطر، ومن الدلائل الواضحة على نهاية المركزية القابضة، ظهور قوة عسكرية حديثة لا تدين بالولاء لسطوة النخبة القديمة، وبروز أنياب مختلفة لمؤسسة عسكرية جديدة أصبحت بحكم الواقع بديلاً مجدياً ومقنعاً للمؤسسة العجوز التي أكل دهر الفساد عليها وشرب، وزوال الامبراطوريات عبر الحقب والسنين لن يتأتى إلا بتحطيم أطقمها العسكرية، وهوان جندها وقلة حيلتهم بين المواطنين الذين لطالما آمنوا بقدراتهم الفائقة في تأمينهم من الخوف وإطعامهم من الجوع، فلقد لاذت الجماهير السودانية بالفرار واحتمت بقوات الدعم السريع تطلب اسعافاً وحمايةً وتأميناً من هجمات المتفلتين، الذين أطلق سراحهم فلول النظام الإخواني البائد، بعد أن أصابهم القنوط من قسمهم ووعدهم لأنصارهم بأنهم سيعودون يسرجون خيلهم، ثم يأتون ظافرين متحكمين على رقاب الشعب الكادح المسكين، غير مكترثين لأحكام الكتاب المبين الذي يتلونه صباح مساء نفاقاً، ودون أن يلقوا بالاً لما كتبه الله سبحانه في الزبور من بعد الذكر من أن الأرض سوف يرثها عباده الصالحون.
إسماعيل عبدالله
14 يونيو 2023
ismeel1@hotmail.com