ألا يكفي ما سببه هذا الرجل من أذي؟

 


 

 


Siddiq01@sudaneseeconomist.com
يبدو ان نظام الإنقاذ غير معني بحصاد التجارب، وذلك ليس لعدم فائدة ذلك الحصاد، وإنما لأن التجربة كمفهوم، وكما هو متعارف عليه، لا تعني شيئاً بالنسبة لهذا النظام، البتة. وإلا ما معنى ان يتم تدوير اي “Recycling”  لنفس الأشخاص النافذين في النظام ولمدة إمتدت لثلاثة وعشرين عاماً على التوالي؟!.
وهو تدويرٌ لم يتم على الشاكلة المعروفة بالخروج من الباب ومن ثمّ الدخول من النافذة، وإنما يتم على أساس بدعةٍ "طفيلية إسلامية" جديدة، تتلخص في عدم خروج الشخص النافذ اصلاً، وإنما لتدخل عليه الوظيفة من نفس الباب الذي دخل منه، وهو لا يزال على "كرسيـه". بل وفي تطورٍ غريب قد تلحق بالوظيفة أختها ليجمع بينهما ذلك النافذ "الإنقاذي"، وكأن شيئاً لم يكن، أو ان ذلك من طبيعة الأشياء!!!، وكما هو الحال في شأن السيد "المتعافي" الذي اصبح يجمع بين منصب "وزير الزراعة الإتحادي" ومنصب "رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة" في آن معاً، في واحدة من السوابق الفريدة، بالرغم من يقيننا بان كل ما فعله نظام "الرأسمالية الطفيلية الإسلامية" (رطاس)، وما ظلّ يفعله حتى الآن، ومنذ تنفيذه لانقلابه العسكري في 89م ، لم يكن غير سوابق، لا مثيل لها!!!. أي أنه أتى في تعامله مع السلطة، وفي تعامله مع ادارة البلاد بما لم يألفه الناس في السودان من قبل، وبما لم تألفه خبرة الامم والشعوب الاخرى وأنظمتها.
إن السيد "المتعافي" مسئولٌ عن كل ما حلّ من خراب بالقطاع الزراعي في السودان بشكل عام. وعما لحقّ بالقطاع المروي فيه بشكل خاص، والذي يمثل مشروع الجزيرة لحمته وسداه.
كان "المتعافي" من الشخوص الاساس وراء "قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م"، سيئ الصيت. ذلك القانون الذي مهّد وفتح الطريق لتصفية المشروع. بدءاً بجريمة تدمير البنيات التحتية والاساسية للمشروع، ومروراً بجريمة الإعتداء على أصوله ونهبها ومن ثمَّ بيعها للرأسماليين الطفيليين الاسلاميين، "الرطاسيين"، ومحاولة إنتراع الأرض من أهلها ،وإنتهاءاً بجريمة تشريد وتسريح الموظفين والعمال بالمشروع في مشهد تاريخي لن ينساه الناس أبداً، وسيظل عالقاً بسيرة "المتعافي" إلى أبد الآبدين. إذ انه ولأول مرة في تاريخ الخدمة المدنية في السودان، إن كان أثناء الاستعمار او فيما بعده، يحدث أن يتم الاحتفال أوالإحتفاء علناً بالتشريد الجماعي مثلما حدث في مدينة الحصاحيصا تحت رعاية "المتعافي". فليس في التاريخ المعاصر للامم من حالة مماثلة، فهذه واحدة من سوابق نظام "الرأسمالية الطفيلية الاسلامية"، (رطاس)!!!.
فإذا كان سجل الإنجازات هو المعيار الحقيقي لتولي أمر الناس، والمقياس لتبوء المناصب، فما من إنجازٍ واحد يؤهل "المتعافي" لتولي منصب وزير الزراعة، دعك من أمر الجمع بين ذلك المنصب ومسئولية "رئاسة مجلس إدارة مشروع الجزيرة"!!!.
إن المجال الزراعي مجالٌ عريق في السودان. تخرج وترعرع في كنفه عددٌ لا يُحصى من الكوادر المشهود لها بالعلم وبالمعرفة وبالعقلانية، غض النظر عن ألتزامهم العقائدي أو إنتمائهم السياسي.  وحتى في وسط الحركة الاسلامية هناك من هو اكثر اهلية من "الوزير" و"رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة" الحالي، السيد "المتعافي"!!!.
لابد من القول بأنه، وحين نشير إلى المهنيين الزراعيين من"الاسلاميين" فذلك ليس من باب العشم، او التوقع بانهم سيقفون موقفاً وطنياً ضد سياسات البنك الدولي ومؤسسات رأس المال العالمي تجاه مشروع الجزيرة. فالإسلاميون السودانيون  ليس لديهم بديل وطني لبرامج مؤسسات الرأسمال العالمية  لانهم من الناحية الفكرية  لا يختلفون  عنها، بل انهم يمثلون واحدة من اكثر المدارس الفكرية الرأسمالية المتخلفة التي تتوسل الدين لاجل تعزيز وحماية المصالح الخاصة، وذلك منحى تخلت عنه الرأسمالية الحديثة منذ أزمان بعيدة خلتْ!!!. ولكننا حينما نشير إليهم في مقام التصدي لظاهرة "المتعافي" وظاهرة "تدوير النافذين" في نظام "الرأسمالية الطفيلية الإسلامية" (رطاس) الحاكم الآن، فإنما نشير من باب التأسي بحكمة انه قد يكون في "العدو العالم او العاقل" خيرٌ قد لا يجده المرء في صديقه الجاهل، فما بالك في العدو الجاهل؟!!!.
رفضت كل القطاعات التي يهمها أمر المشروع من مزارعين وعاملين وتنظمات تحظي بالاحترام والتأييد مثل "تحالف مزاعي الجزيرة والمناقل"، رفضت كلها تعيين "المتعافي"، وإستنكرت إستمراره في مواقع المسئولية التي تحدد مصير المشروع، غير ان "النظام" لا يعبأ ، مؤكداً بذلك تمسكه وثباته على نهج سياسة التحقير والتبخيس للقضايا التي تهم الناس!!!.
في نوفمبر 2010م ، إستقال وزير العدل في حكومة اليابان، السيد "مينورو ياناجيدا"، إثر تعليقٍ قال فيه ان مهمته كوزير للعدل سهلة الأداء، وذلك لانه من الممكن ان يعتمد في البرلمان، حسب زعمه، على ترديد  جملتين فقط عند مساءلته في اي امرٍ من الامور، وهما " هناك قضايا بعينها، لا أعلق عليها" و "إننا نتعامل مع هذا الأمر وفقاً للقانون والأدِلة"!!!. طالبه اليابانيون بالاستقالة الفورية لانهم رأوا في تصريحه إهانة بالغة لمهمته الوزارية. بل ان نواب البرلمان من الحزب الديمقراطي الليبرالي هددوا بمقاطعة الجلسة المخصصة لاجازة ميزانية مال الطوارئ إن لم يقدم وزير العدل إستقالته. وبالفعل قام الوزير بتقديم إستقالته، قائلاً " إننا في حاجة لإجازة هذه الميزانية لانها تتعلق بحياة الشعب، فلذلك تقدمت باستقالتي بعد ان تحدثت إلى السيد رئيس الوزراء"(جريدة الغارديان اللندنية في يوم الاثنين 22 نوفمبر 2010م).
هذا ما يحدث في بلدان عالمنا الذي نحن فيه الآن، أي هكذا تُدار أمور شعوبها، وهكذا تُحترم رغبة الناس فيها ، أي هكذا تُصان هيبة الدولة عندها!!!. ولكن ما الذي يحدث عندنا؟!.
إن كل الأذى الذي لحق بالقطاع الزراعي وبالمزارعين في السودان قد اسهم فيه وبقدر وافر هذا الرجل. ثمَّ انه، سوف لن تكن خاتمة أذاه جرائم الفساد التي إكتنفت شركة الاقطان!!!. فــ"المتعافي" بحكم منصبه ومسئوليته كان من المفترض ان يقدم إستقالته او تتم إقالته، لا تثبيته في وظيفته او ترفيعه ليكون كذلك رئيساً لمجلس إدارة مشروع الجزيرة!!!.
يجب ان يطالب الناس، كل الناس، وليس اهل الجزيرة لوحدهم بإبعاد "المتعافي" وبتوقيفه ومن ثمّ بمحاسبته، لأنه، أي "المتعافي"، لم يرتكب هفوةً لتصريحٍ أخرق، وإنما إرتكب جرائم يحاسب عليها القانون، وهي جرائم لا تقل عن تلك التي إرتكبها "الشريف بدر" أو تلك التي يقبع بسببها الآن "د. عابدين محمد علي" في الحبس، وهما الأثنان من مرؤوسيه!!!.
ونختم بالقول أنه، إن لم يكن إستبعادهما، اي "ود بدر" و"عابدين"، كفيل بتوقيفه ومساءلته، ألا يكفي ما سببه من اذى حتى الآن؟!!!.
ـــــــــــــــــــــــ.
(*) بالتزامن مع صحيفتي "الايام" و "الميدان" السودانيتين، يوم 29 أبريل 2012م.

 

آراء