diaabilalr@gmail.com
لا أحد من أهل الشأن العام من الفاعلين أو المتابعين، لا يعرف الأستاذ المحامي الضليع عمر عبد العاطي.
الرجل شغل منصب النائب العام في أصعب الأوقات، إبان حكومة الانتفاضة (85-86)، برئاسة الدكتور الجزولي دفع الله. عبد العاطي وقتها أغضب الشيوعيين ولم ترضَ عنه الجبهة الإسلامية!
للأستاذ/ عمر عبد العاطي قصة مثيرة، وسابقة قانونية فريدة، حدثت خلال الأيام الماضية، تستحق أن يطّلع عليها القراء، لما فيها من عبر، وما بها من طرافة، قادرة على انتزاع الابتسامة من ثغر الأسد الهصور!.
القصة بتفاصيلها، تشبه شخصية الأستاذ عمر عبد العاطي المحامي، وهي شخصية تجمع بين صرامة القانونيين، ولطافة ظرفاء المدن.
عبد العاطي رفع قضية على شرطة المرور بولاية الخرطوم، وصلت إلى أعلى درجات التقاضي، لاسترداد مبلغ ألف جنيه فقط!.
المفارقة ليست في ضآلة المبلغ منسوباً لواحد من أثرياء حقل المحاماة في البلاد (عينّا باردة والله يزيد ويبارك)!
المفارقة أن هذا المحامي الذي تنوء أرفف وأدراج مكتبه بمئات القضايا والملفات، من ذوات الأوزان الثقيلة؛ أنفق من زمنه ووقته الساعات والأيام، ومن ماله أكثر من 50 ألفاً، لاسترداد ألف جنيه فقط، أخذت من ابنه جراء تسوية في مخالفة مرورية!.
ملخص القصة أن شرطة المرور أمسكت ابن الأستاذ/ عمر عبد العاطي، وهو شاب خريج قانون، داخل عربة أمام أحد المتاجر، وطلبوا منه دفع ألف جنيه، بحجة أن العربة مُظلَّلة.
وحينما رفض الشاب دفع مبلغ التسوية، حُجزت العربة بقسم الشرطة.
وعندما فشلت الاتصالات والتبريرات بنفي التظليل عن العربة، قام عبد العاطي بدفع المبلغ، واستلم إيصالاً بمخالفة المادة 46.
تقدم المحامي بإنذار وفقاً للقانون لوزارة العدل، وبعد مكاتبات واتصالات، فوجئ عبد العاطي برد من رئاسة الشرطة: (الجأ إلى القضاء إن شئت)!.
(صاحبنا ما كضّب)، ذهب عبد العاطي إلى القضاء جلسة بعد جلسة، ومرافعة بعد مرافعة، حكمت المحكمة لصالحه، وأعادوا إليه مبلغ الغرامة، مضافاً إليه رسوم المحكمة وأتعاب المحاماة.
وعندما استأنفت وزارة العدل الحكم الصادر لمصلحة عبد العاطي وابنه، تم شطب طلب الاستئناف إجازياً!.
الأستاذ عمر عبد العاطي، شرع في كتابة تفاصيل هذه القضية في كتيب صغير، حتى تصبح ذات قيمة مرجعية لطلاب الحقوق وعامة المواطنين، وكتب على
المقدمة:
(لم تكن حماقة مني، قصدت أن أثبت موقفاً، وقصدت أن أنجح في تحريض المواطنين على عدم الاستكانة للأوامر الظالمة، وعلى الإصرار على أخذ حقوقهم كاملة، وعدم إطاعة الأوامر التي تخالف القانون).
دروس وعبر:
*القصة على بساطتها، تعزز فكرة ومبدأ المطالبة بالحقوق، وعدم التساهل فيها، مهما كانت المترتبات، ولو أنفق الطالب من ماله ووقته، ما هو أكبر من قيمة المطلوب.
*ثقافة إخضاع أجهزة الدولة للقانون، خاصة الأجهزة المعنية بتطبيقه وحمايته، تعطي مؤشراً إيجابياً على سلامة المنظومة العدلية في البلاد.
*(ليس من العدل أن تطلب من الآخرين ما لست أنت مستعداً لفعله).
إلينور روزفلت
أخيراً:
*قبل الوثبة السياسية، لا بد من وثبة عدلية، تُصان خلالها كل الأوعية العدلية في البلاد، من حيث القوانين والتطبيق. الناس سواء: لا ضعيف يضام، ولا شريف ينجو من العقاب، إن كان من مخزوم أو بني كلاب.
التحية في هذه القضية لمثابرة عبد العاطي، ولرحابة شرطة المرور، ولنزاهة القضاء السوداني.
:::