أمريكا بين عهدين !

 


 

 


alihamad45@hotmail.com
الآن  وقد  اخذت  تتبدى  اولى   مظاهر  السياسة  الخارجية الامريكية الجديدة ، و الهادئة ، والمتبصرة ، على  عهد الرئيس اوباما ،  ووزيرة خارجيته المقتدرة  هيلارى  كلينتون ، فان خواطر عديدة  تقبل على وجدان  أى  مراقب  ومتابع  سياسى لحقبة  الرئيس جورج  بوش الاسيفة  وتلح  عليه .  ولن  تغيب  عنه  بعض المجريات فى السياسة الخارجية  الامريكية التى  كتب على العالم  أن  يتعايش معها  مكرها  على  مدى  ثمان  سنوات  عجاف ذهبت بكثير  من  الاعراف  السياسية  والدبلوماسية  المرعية  فى التعامل بين الدول  والحكومات   وحتى بين  الافراد مع  ما  صاحب  كل  هذا  من عجائب  وطرائف لن  تبرح  الذاكرة المتعبة للشعوب والحكومات والدول  فى  وقت قريب من   ممارسات الدولة القطب التى اخذت  تمرح فى الساحة   الدولية منفردة  بلا  رقيب  او  حسيب حتى  تبدى  من  عتباتها الغرور  و كاد  يصل  مرحلة  المرض  العضال  الذى  لا فكاك  منه . وهذا  ما فطن اليه  السناتور  باراك اوباما اثناء  حملته  الانتخابية  الرئاسية  حين  اعلن على  رؤوس  الاشهاد بأن السياسة الخارجية  الامريكية   فى  عهد  ادارة الرئيس  بوش هى  سياسة  عرجاء  ومعيبة  ومغرورة.  وقطع  عهدا  على  نفسه  امام  ناخبيه  بأن يهدم  تلك السياسة  اذا  قدر له  أن  يصبح   الرئيس   الرابع  والاربعين   للولايات المتحدة  الامريكية  وان  يهدم  معها  الجدار العازل الذى  اقامته  سياسة  جورج   بوش الخارجية  بين  امريكا  وبين  شعوب  العالم  حكوماته .  وكرر السناتور   اوباما  كثيرا  الحديث  بسخرية  لاذعة  عن  الغرور الذى شاب و يشيب بعض تصرفات ادارة الرئيس  بوش  مع بعض الدول   و حكوماتها  ورؤسائها  حين  تصر  على عدم  التحدث الى تلك الدول  وتلك الحكومات  اؤلئك الرؤساء  الا  اذا  غيرت  تلك الدول  سلوكها  بالصورة    التى  ترضى  عنها الولايات المتحدة . وفى  هذه الجزئية  من  انتقادات  السناتور  اوباما  المتكررة  لعنجهية الرئيس  بوش  فى  تعامله  مع بعض  الرؤساء   الاجانب  ، اخذ السناتور  اوباما الأمر خطوة اخرى الى الامام  حين  اعلن  فى  مناظرة محضورة امريكيا  وعالميا انه  اذا  قدر له الفوز  بالرئاسة  الامريكية  فسوف  يجلس مع الرئيسين  الايرانى  والسورى  ومع  قادة  منظمة حماس  ويحاورهم ، لتثور  ثائرة  ادارة الرئيس  بوش والدوائر الموالية  لها  ودوائر  اللوبى الصهيونى ضد السنانور اوباما  واعتبرت تصريحاته تلك دليلا  على  سذاجته  وعدم  ادراكه  السياسى  و قلة  خبرته  بمجاهل السياسة  الدولية.  ولكن   السناتور  اوباما  كان  يرد  بهدوئه المعهود  بأن  السياسة  ليس  فيها عدو  دائم   بقدر ما  فيها  من  مصالح  دائمة . وان  مصالح  امريكا  والعالم  هى  فى  توسيع  التعاون  والتفاهم  الدوليين  بدلا  من  توسيع  التوتر والتعارك  الدولى .  اما  زعم غلاة  الجمهوريين  بأن الاجتماع  مع أى  رئيس  امريكى ، والتفاوض معه  هو امتياز  يجب ان  لا  يتوفر  لأمثال  الرئيس   الايرانى احمدى  نجاد  بثمن قليل  فقد   سخر منه  السناتور اوباما  وتساءل  فى  سخرية جارحة  كيف يمكننا ،إذن ، ان  نبسط  وجهة  نظرنا  للآخر المختلف  معنا  اذا  كنا  نرفض  الحديث معه . وكيف   يعرف  هذا   الآخر  وجهة  نظرنا بالصورة التى  نريده  أن  يعرفها بها . وكيف  نعرف  وجهة  نظره. واعتبر السناتور اوباما هذه  المزاعم نوعا  من  الابوية  والاستاذية  التى قعدت بالسياسة الخارجية   الامريكية فى  مكان  واحد  لا  تكاد  تبرحه  فى  كل  الفترة   التى  سيطر  فيها  فكر غلاة المحافظين الجدد  الذين  كانوا  يريدون  هدم المعبد   على  من  فيه  ليبنوا   فى  مكانه  معبدا  وعالما   جديدا  يحتفظون  به  فى  مخيلتهم . مثال   تلك  الابوية  والاستاذية  نجده  فى مشروع الشرق الاوسط   الديمقراطى الكبير  الجديد الذى  بسطه  الرئيس بوش   على   المنطقة   بدون  تفاصيل  او  حيثيات .  وكان  ذلك  الطرح المبتور  قمة  فى  الاستاذية،  وقمة فى الغرور الاعمى، وفى  البجاحة   السياسية  الجاهلة التى اتسم  بها عهد الرئيس  بوش.
   بدايات الرئيس  بوش  فى  السياسة الخارجية  لا  تسقط من  الذاكرة . ويمكن أن يطول الحديث  عن تلك  البدايات و يصبح  بلا  نهايات . مثلا : هل  ينسى  احد من المراقبين  و المتابعين ان   الرئيس بوش  اعلنها  على رؤوس  الاشهاد  حربا  شعواء  على  الرئيس  ياسر  عرفات منذ   اليوم  الاول  وبدون أى  اسباب  غير اسباب  الانصياع  الكامل  لمخططات المحافظين الجدد  الذين  احتووه تماما، واحاطوا  بادارته  احاطة السوار بالمعصم ،  فصعب  عليه  الفكاك  منهم  حتى اوردوه  موارد التهلكة  فى العراق.  لقد اغلق الرئيس بوش  ابواب  البيت  الابيض  فى وجه  الرئيس  عرفات  فى وقت  كانت فيه عملية  سلام الشرق الاوسط  تفرض   نفسها  على  كل  الساحات الدولية ، بل  كادت  ان تحقق  حلم العالم  فى  مفاوضات  كامب  ديفيد  ونهر  (واى)  برعاية الرئيس  كلينتون  لولا  بعض  الاخطاء  المشتركة  من الطرفين .  لقد  زعم  بوش  ان الرئيس  عرفات  ليس  شريكا  حقيقيا فى البحث  عن السلام  متناسيا  انه  نفس  الزعيم الذى  منحه العالم  جائزة  نوبل للسلام . وكان  طريفا ان بوش  الذى  لم  ير  فى الرئيس عرفات  شريكا  حقيقيا  فى البحث عن السلام  كان  كثير  الترحيب والحفاوة  باساطين التطرف الصهيونى الممتد عبر  عقود فى شخص اكثر زعيمين يهوديين   متطرفين ومدمرين  لعملية السلام فى  الشرق  الاوسط  هما اريل شارون  وبنيامين  نتنياهو . و كان   يكثر  من  وصف  شارون  تحديدا  بأنه رجل  سلام  ينتظر العالم  منه الكثير ،   الشئ الذى  جعل   وزير الخارجية السعودى  ذات  مرة  ان  يقطب  حاجبيه  فى  غضب  مكتوم  ويسأل سؤالا  استنكاريا :"  شارون  رجل   سلام؟
 لقد بدأ  جورج  بوش  مشواره  فى  السياسة  الخارجية برفضه السير  على درب  اسلافه  من الرؤساء  الامريكيين الذين  كانوا يساهمون  فى  بناء الامم  الناشئة عن  طريق تقديم  المساعدات  لهذه الدول  الخارجة  للتو من  رحم الغيب  بعد  انجلاء  محنة  الحرب  الباردة  وحصول   شعوبها  على  حرياتها السياسية من جديد  على  عكس  ما  كان  يفعل الرؤساء  الامريكيون من  قبله .  فقد  فجر الرئيس  بوش  على  رؤوس الاشهاد  مبدأه   الجديد  تحاه  هذه  القضية  وقال انه  يعتبر  تقديم  تلك المساعدات نوعا  من ( بناء  الامم) ، وبناء   الامم   ليست  هى  مهمة  الولايات المتحدة . وبالطبع  لم  يصل  الرئيس  بوش  الى حد   القول  أن  مهمة  امريكا  هى  تدمير   بعض   الامم  المارقة مثلما  حدث  للامة  العراقية.  وكان من  صور عنجهية وغطرسة ادارة الرئيس  بوش تقسيم  دول العالم الى قسمين  : قسم  يضم الدول الخيرة . وقسم يضم  الدول الشريرة ، التى اطلق  عليها وصف  دول  محور الشر.  واتبع الرئيس  بوش  ذلك  التقسيم  طلبه من هذه الدول  ان تحدد  اين تقف من حربه  على  الارهاب  :  هل  هى  مع   امريكا ، ام  مع الارهاب ،  بعد  أن ابلغها  انه  لا  توجد   منطقة  وسىطى  هنا .     و لابد أن الكثيرين   يذكرون  مداخلة الرئيس   القذافى  المشهورة  فى رده على هذه  الجزئية من  خطرفة الرئيس  بوش  حين تبرع الرئيس  القذافى  من  تلقاء  نفسه  واجاب   الرئيس  بوش  على  سؤاله  بهدوئه  المعهود . وقال  له  : انا  لا  مع امريكا ، ولا  مع  الاهاب !  وكان  ردا  ساخرا وكاملا.
لقد عظمت محنة السياسة الخارجية الامريكية على عهد  جورج  بوش  بصورة  استثنائية .  اذ لا ينسى احد كيف  كان  يتم التلاعب بالتقارير   الاستخبارية ، وتحريفها  حتى  تساير  الخط الذى كان يريد  المحافظون  الجدد  بلورته  فى  تواطؤ   مكشوف  مع  مجموعة البيت الابيض  الذهبية  التى ضمت  نائب الرئيس  ديك  تشينى ، ووزير  الدفاع  دونالد  رمسفيلد ، ونائبه اليهودى  المندس بول  ولفويتز،  ومستشارة  الامن  القومى كوندليسا رايس  ( وزيرة الخارجية فيما بعد ) التى  ارادت اثبات  جدارتها  للمنصب الذى  فاجأها الحصول  عليه  تماما ، فاصبحت  ملكية  اكثر من الملك ، ومسيحية اكثر  من المسيح  والبابا !  
 تحريف  التقارير   الاستخبارية كانت  صنعة رائجة  عند  ادارة الرئيس  بوش.  فى الحالة العراقية  ، هندست تلك  التقارير  بصورة جعلت  غزو  العراق  امرا  لا مناص منه . و تم  غزو العراق ، وتدميره ، واهدار  مقدراته ، ونهب  ثرواته  ،  بواسطة الشركات الامريكية ، وبواسطة اللصوص  الامريكيين  المحترفين   الذين  جاءوا  الى العراق  بصفة  المقاولين الذين  يبنون  ويعمرون . ولكنهم  كانوا  يبنون  انفسهم  اولا واخيرا على  حساب  لشعب   العراقى المنهوب  والمقتول والمسروق.
هل  اصبح ذلك الواقع البئيس ركاما  من التاريخ   الحزين  فى العراق  يذكر اجياله  القادمة  كيف  فرط  بعض  ابائهم   فى بلدهم  فكان ما كان فى سالف العصر والاوان . لا احد  يدرى   الاجابة  على هذا   السؤال  يقينا. ولكن  يمكن القول ان هناك  صبحا  جديدا  يشرق  فى السياسة الخارجية الامريكية  وضع مؤشراته  الرئيس  اوباما شخصيا ،  وترك  كيفية  التنفيذ  لوزيرة خارجيته  المقتدرة  هيلارى  كلينتو ن .اهم  سمات هذا الصبح  الامريكى الجديد هى الابتعاد  عن ممارسة الصلف  والعجرفة والغرور الذى  ساد  التعامل  الامريكى الخارجى  فى السنوات الثمانية الماضية  حتى  مع  حلفاء  امريكا التقليديين  فى  اوروبا . اذ  لن  ينسى  الاوروبيون  وصف وزير دفاع  جورج  بوش  لهم ، وتبكيته عليهم ،  بانهم بعض  من  اقوام   اوروبا  القديمة التى حررتها امريكا من بطش النازى.  حدث ذلك  التبخيس  والتبكيت الامريكى  لاوروبا  عندما رفضت اوروبا غزو العراق  بحجج كاذبة كذبا بليغا.
الآن  تجوب هيلارى  كلينتون العالم  وتتحدث  لغة  جديدة  وتبدو  فى اهاب جديد . فماذا  تقول ؟  تقول  انها تريد  التحدث  الى القيادة الايرانية  والى القيادة السورية  والى القيادة  الكورية الشمالية.  وتتبرع  لتعمير  غزة  بتسعمائة  مليون دولار امريكى . وتكتب  غزة  فى  مفكرتها  وفى  مفكرة  وزارة الخارجية  الامريكية حتى لا تنساها ، كما قالت.  الحديث الى   القيادة   الايرانية  والقيادة  السورية  ، او   مجرد التفكير  فيه  ، كان كفرا  صريحا  فى عهد الرئيس  بوش ! وكان  يوجب الرجم السياسى  فى الولايات  المتحدة  خصوصا  فى  وقت   الانتخابات .
هذا  عهد جديد   ليس  كاملا  فى  كل  وجوهه  السياسية.  ولكنه اكثر العهود  الامريكية   قابلية  للنمو  المضطرد . وعلينا  فى العالم العربى اقتناص الفرصة سريعا للتعامل معه  ببسط   رؤانا لمستقبل  دولى  جديد  يجد الجميع  فيه متسعا للعيش مع  الآخر.  تصريحات  القادة  الايرانيين التى ترفض  حل الدولتين  فى  فلسطين  هى  من نفس  نوع  تهويماتة المحافظين الجدد  على  عهد  جورج  بوش .  والتى لا  تنم  عن  جهل  بالواقعالسياسىالعالمى، ولكنها تنم  عن  مزايدة  ساذجة يجب ان  يكون  مكانها  سلة  مهملات الشرق الاوسط.
اهلا  باراك اوباما  وسهلا . اهلا  وسهلا  هيلارى كلينتون  ولكن  المشوار  طويل وشاق  ويتطلب  المزيد من الجهد  والشجاعة  فى  وجه  المجانين  الذين  تعمر  بهم الساحات السياسية  فى  هذا الزمن السياسى  الردئ.

 

آراء