أمريكا والتناقض البناء في فصل الجنوب عن الشمال والحديث عن الصفقة

 


 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

عمر خليل علي-الدوحة

 

  osssm5@hotmail.com  

 

المعروف أن الولايات المتحدة دولة تسعي خلف مصالحها في العالم تلك المصالح التي تحقق لها الريادة والسيادة الدولية  ، وقد تتعارض هذه المصالح مع المبادئ التي تعلنها الولايات المتحدة والتي تتعلق بالعدل والمساواة والحرية والديمقراطية والوقوف إلي جانب الحق ، إلا أن إستراتيجية أمريكا مبنية أولا وأخيرا علي مصالحها مهما كان الأمر، الشئ الذي قد يستغربه الكثير من المراقبين والمتابعين....وقد وضح ذلك من قبل خلال تعامل الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية وهي تلعب دور الوسيط الغير محايد والمائل كل الميل لجانب إسرائيل التي تقوم بتنفيذ كافة الأدوار القذرة في المنطقة تلك الأدوار التي تتناسب ومصالح الولايات المتحدة المعلنة والخفية ، وقد يكون في كثير من الأحيان تلك المصلحة مبنية لصالح إسرائيل ووجودها وسياستها وخططها الإستراتيجية في تفتيت عضد الأمة العربية  ومن ثم الإسلامية  . والأمثلة كثيرة لهذا التناقض المعترف به علنا ولا يتسع هذا المجال لتفنيدها ،وقد ذكر احد المحللين الأمريكيين  في برنامج الجزيرة (من واشنطن )أن هذه السياسة يمكن أن نطلق عليها (سياسة التناقض البناء..! ) وأمثلة ذلك متعددة في حالة الصراع العربي الإسرائيلي وفي حالة سجون الولايات المتحدة في العراق وقوانتنامو وبولندا وسفن السجون العائمة ، وفي تأييد بعض الانقلابات العسكرية رغم التنادي بالديمقراطية  وتأييد ضرب غزة المحاصرة وأطفالها ، ودعم  المحتل  واعتبار تحرر الشعوب من الاحتلال إرهابا...الخ

لا تتواني أمريكا أحيانا أن تعلن عن سياستها تلك التي تتناقض مع المبادئ الديمقراطية أو الإنسانية  بوضوح قد يحرج الطرف الذي يتعاون معها خفاءا ويبدي ظاهرا خلافا لذلك خاصة (كحالة غرايشن من انتخابات السودان) .

لماذا أفريقيا وجنوب السودان بالذات ؟ : . بعد 11/9  رأت أمريكا أهمية وضرورة قصوى لتواجدها بإفريقيا ذلك التواجد المماثل لوجودها بالخليج في قاعدة( العديد بدولة قطر) وقواعد أخري في الكويت والإمارات وذلك للأسباب التالية :

 1 . أصبح القرن الأفريقي خاصة الصومال وكينيا (وفي قارة آسيا القريبة منه) اليمن منبعا ومصدرا لتفريخ الإرهاب المتمثل في تنظيم القاعدة الذي امتدت عملياته  لتشمل الداخل الأمريكي و مصالح أمريكا في الخارج وطائراتها المدنية .

2 . القارة الأفريقية بكر وغنية بمواردها المختلفة إلا أنها فتحت أبوابها علي مصراعيها للصين التي تساعد هذه الدول اقتصاديا وتنمويا وتستثمر دون التدخل في سياسات هذه الدول ومشاكلها الشئ الذي أعطاها أفضلية مما جعل الولايات المتحدة تحبس أنفاسها من هذا التغلغل والنفوذ الصيني الأصفر الذي اكتسح معظم استثمارات النفط والزراعة في دولا عديدة منها وأهمها السودان وبالذات جنوبه .

3 . أمريكا وحليفتها إسرائيل تعملان في تناسق هارموني تام لغزو إفريقيا ولخنق الدول العربية في الشمال الأفريقي من هذا الاتجاه ووجدوا المدخل في مياه النيل وفي الحركات المسلحة هنا وهناك وفي البؤر القابلة للاضطراب في القرن الأفريقي ودارفور (وما مشكلة دارفور إلا نتاج لهذه السياسات والسيناريوهات الشيطانية) .

4 . الطاقة من نفط وغاز أصبحت دافعا قويا وموجها لصراعات الدول الكبرى وعادة يكسب مثل هذا الصراع الدول الغنية والشركات العملاقة التي تخفي خلفها سياسات السيطرة والهيمنة الإقليمية واستراتيجيات البدائل  واللهث وراء مخزونات للطاقة  تضاف لمخزونات دولهم ( أمريكا والصين  وفرنسا).

5 . لتأمين كل ما ذكر أعلاه كان لابد لأمريكا  من تواجد قوي ومقنن في شكل قاعدة متقدمة، وعلينا أن نذكر أن دولا افريقية وعربية (مثل المغرب وموريتانيا ونيجريا وكينيا )  قد رفضت  المحاولات الأمريكية الملحة والمغرية  لإنشاء هذه القاعدة التي ستختص بأمر كافة مصالح أمريكا المتنامية في أفريقيا. ومن هنا وجدت الولايات المتحدة مبتغاها ومدخلها لأرض جنوب السودان المضطرب والساعي للانفصال عن شماله  فتحسست مواطن الدخول والضعف والحاجة في الشمال والجنوب وظهرت واتضحت ملامح هذه السيناريوهات منذ محادثات نيفاشا .

 

إستراتيجية أمريكا وإسرائيل تجاه الجنوب لدعم فصله . استمرارا لسياسة إدارة    ( جورج بوش) التي خططت وساعدت في تحقيق اتفاق نيفاشا الذي كان أهم بنودها الاستفتاء للجنوب حول الوحدة أو الانفصال ، سارعت إدارة  خَلَفه( اوباما) في التدخل بصورة أوسع في كل ما يخص إحقاق بنود اتفاقية نيفاشا خاصة تلك المتعلقة بالاستفتاء  ، وبدأت هذه الإدارة في تقديم المساعدات للجنوب وعقد اللقاءات المتكررة وطار سلفا كير إلي واشنطن وباقان اموم أكثر من مره وكذلك    ( الور)وزير الخارجية ، ثم بدأت تظهر المعضلات كمشكلة آبيي ومشاكل الحدود و أقوال كالوحدة لن تكون جاذبة وان انفصالا سلسا للجنوب فيه مصلحة له ولهم تطفو للسطح ، وسبق كل ذلك تخطيط الولايات المتحدة للتواجد في الجنوب وعينها علي نفطه وثرواته الاخري الخفية والتي قد لا يعلمها حتي الجنوبيون أنفسهم ، وعين مخططيها الاستراتيجيين في حربهم ضد الإرهاب علي مواقع قريبة من منابعه بالقرن الأفريقي ورأت في جنوب السودان الموقع الأمثل لتواجدها عسكريا واقتصاديا وإقليميا  لإدارة شئون مصالحها من هنا من وسط أفريقيا ‘ وكانت ولا زالت إسرائيل المتربصة ليست بمنأى عن هذه( الكيكة) الكاملة الدسم فهي تتواجد منذ عقدين في منابع وأعالي النيل وتؤلب دوله علي المطالبة بحقوق أوفر من مياهه وتشجعهم وتساعدهم في بناء السدود والمشاريع المائية  ، والقصد كله السودان ومصر وتقليل وارد  مياه النيل لهما وفق إستراتيجية شيطانية بعيدة المرامي والأهداف ‘ هدفها البعيد حرب المياه (وما مؤتمر شرم الشيخ الأخير ابريل/2010 إلا بداية للمواجهة بين دول المنبع ودول الحوض والمصب ) ومطالب دول المصب ليست بعيدة عن هذا القول ، وسعت إسرائيل واتصلت بالجنوب والتقت بمن التقت والهدف الأسمى بجانب مياه النيل هو تفتيت وحدة السودان بدءاً من الجنوب ثم التوجه غربا لدارفور وقد أبدت إسرائيل استعدادها لدعم طموحات جنوب السودان في الاستقلال وتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والأمني للدولة الجديدة وظهر ذلك جليا في مؤتمر (الأيباك) الخاص باللوبي اليهودي  الذي عقد مؤخراً بواشنطن بمشاركة رئيس الوزراء  الإسرائيلي ورُصِد اجتماع بين مستشار الأمن القومي الإسرائيلي (غوري عاراد) بممثل الحركة الشعبية في واشنطن( ازيكيل بول) على هامش جلسات مؤتمر (الايباك) ، وأبُلِغ المسئول الجنوبي بنقل تحيات قيادة إسرائيل إلى قيادة الحركة الشعبية وتمنياته للجنوب بتحقيق طموحاته في الاستقلال ودعم حكومته لهذه الطموحات حتي يتحقق  للجنوب دولته واستقلاله ،وأبدت إسرائيل إمكانية تقديمها بجانب أمريكا لمساعدات عاجلة للدولة الوليدة لإعداد وتأهيل الأجهزة الأمنية والشرطية والاستخبارات وإعادة تأهيل وتدريب جيش الجنوب وتقديم الدعم المالي والسياسي لدولة   الجنوب . إذن الهدف الاستراتيجي النهائي هو : ثروات دولة الجنوب بعد فصله خاصة النفط ، وإقامة قاعدة عسكرية كبرى لتصبح مركز قيادة متقدم للقوات الأمريكية في وسط أفريقيا لتنفيذ سياسة ومصالح واشنطن في مكافحة الإرهاب ولكبح تمدد نفوذ الصين المقلق لأمريكا في هذا الجزء الهام من العالم . هذا المناخ وهذه المخطط لكي ينجح لا بد له من خروج الشمال السوداني من الجنوب لتتمكن إسرائيل من الحصول علي موطئ قدم لتنفيذ باقي سيناريو تفتيت السودان بالتركيز علي دارفور بعد الجنوب (هذه خطة أعلن عنها وزير الأمن الإسرائيلي قبل شهور قليلة) ومن ثم خنق مصر وخلق حاله من عدم الرضاء فيما يخص تقسيم مياه النيل الشئ الذي قد يقود إلي حرب مياه تهلل لها إسرائيل وتتمناها وتدعمها .

الدور الأمريكي خلال الانتخابات الأخيرة والحديث عن صفقة المصالح  :

تتحدث كافة التقارير التي شهدتها فترة ما قبل وخلال الانتخابات عن التحرك النشط والمكوكي للمندوب الأمريكي (غرايشن) بين جوبا والخرطوم وبين حزب المؤتمر الحاكم والمعارضة شملت لقاءاته كل زعماء الأحزاب تقريبا ، وكانت الحركة الشعبية لوقت قريب من بدء الاقتراع تقف بشدة لجانب مجموعة تحالف جوبا المعارضة و هي من دعت وأسهمت في صنع هذا التحالف في وجه المؤتمر والمطالبة بتأجيل الانتخابات وإلغاء بعض القوانين الخ.. إلا أن المبعوث الأمريكي استطاع أن يقنع الحركة بالتراجع عن هذا الموقف والسعي وراء مصالحها  (ومن هنا كان الخذلان في بعض المواقف) ، واقتنعت الحركة بالخطة الأمريكية التي تري أن تكتسح الحركة الانتخابات في الجنوب في مقابل أن يتمكن المؤتمر من السيطرة علي الشمال والفوز به بعد سحب مرشحها للرئاسة (عرمان) الذي كانت أسهمه ترتفع في الجنوب والشمال ويهدد موقف مرشح المؤتمر وكان بإمكانه خلط كل الحسابات والأوراق بل إن فوزه قد يعضد الوحدة ويقصي المتشددين والساعين نحو الانفصال من الحركة الشعبية وهو ما لا يرضي أمريكا ويفشل رغبتها في خلق دولة جنوبية ويهدد وضع المؤتمر خاصة إذا إلتفت حول عرمان كل الأحزاب المعارضة كمرشح وحيد تجاه مرشح المؤتمر، وقد كان سحب عرمان بردا وسلاما علي المؤتمر الوطني ولو لا شئ من الأنفة لخرجت مواكب الفرحة والتهليل لذلك ولذبحت الذبائح ، من هنا أصبح الحديث عن ( صفقة ) تمت بمساندة أمريكا بموجبها أن تتغاضي أمريكا ومراقبيها عن عملية تزوير كبري في نتائج الانتخابات لصالح المؤتمر ومرشحه هو القول الأعم بالصحف ووسائل الإعلام العالمية والمواقع الالكترونية مما أدي إلي حجب بعض المواقع وإعطاب أخري الشي الذي لم يخدم إلا تأكيد الاتهام ! وأخيرا دَعًم هذا الاتجاه والاتهامات تصريح المبعوث الأمريكي (غريشن) الأخير الذي قصم ظهر البعير والذي أكد فيه تقاضي بلاده عن عمليات تزوير الانتخابات السودانية مقابل انفصال سلس ودون مشاكل لجنوب السودان عبر استفتاء يناير / 2011 يخدم المصالح الأمريكية، وقد طلبت الخارجية السودانية تفسيرا لهذا التصريح لم يجد اهتماما من الولايات المتحدة......! ويبقي هذا الأمر الخفي  وتبقي هذه الصفقة وأمرها  وتفاصيلها وراء السُتُر والحُجُب وستشهد الفترة الحالية من ابريل حتى يناير 2011 عملا مكثفا من قبل المؤتمر الفائز تأييدا  للوحدة وجعلها جاذبة لا لشي إلا لدحض هذه الأقوال والاتهامات وستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود...... وكل مستور سيبين وان طال الزمن.....

 

 

آراء