كثر اللغط منذ الغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة ، وبات كل مسئول يعلق كيفما يشاء ! البعض توقف عند حد الإستنكار بينما ذهب البعض الآخر إلى المطالبة أو التوعد بالرد ! مايحير هنا هولم يلتفت أحدهم أو يصرح بالأسباب التى دعت إسرائيل إلى إنتهاك المجال الجوى السودانى! بالطبع الجميع يعلم الأسباب ولكن لم يجرؤ أحدهم حتى تاريخه من توضيح الأمر للرأى العام السودانى وكأن الجماهير قد كتب عليها فى العصر الإنقاذى أن تكون مغيبة وأن يحتكر الحزب الحاكم المعلومة منصبا نفسه الوصى على عامة الشعب وكأنه يحكم مجموعة من القصر ! والنظام الحاكم فى السودان ليس هو النظام الشمولى الأول الذى يتخذ قراراته بمعزل عن الشعب السودانى ! البعض منا حتما لازالت فى ذاكرته ماقام به النظام المايوى إبان حرب التحرير التى خاضتها مصر فى أكتوبر من عام 1973 حيث قام النظام بحفر الخنادق مدعيا ان السودان من دول المواجهة ، وأية مواجهة كان يبتغيها النظام مع إسرائيل؟! قرارات مضحكة إذا مانظرنا إليها بمنظار عقلاتى ، ولكن العاقل منا هو من لايلقى بالا لتصرفات الأنظمة الشمولية المؤدلجة التى تتسم قراراتها بالفردية او الفوقية ! حكام لايعرفون حق قدرهم فيركبون البحر بدون قياس لقوة التيار!
إذا نظرنا إلى قرار النظام المايوى بإعتبار السودان من دول المواجهة ، وما أدلى به بعض قيادات الإنقاذ بأن السودان له حق الرد على الغارة الإسرائيلية ، نجد أن حرب أكتوبر 1973 لم يكن للسودان ناقة فيها ولاجمل ، هذا إذا تغاضينا من أنه لم يكن يملك من الإمكانيات العسكرية التى تؤهله للدخول فى حرب ضد إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة ثم إذا نظرنا إلى موقف النظام القائم فى السودان الذى ركع أمام قوات التمرد فى جنوب السودان وإستجاب لكل المطالب فى نيفاشا مما أدى إلى تقسيم السودان وإستحواز دولة الجنوب المرتقبة على كل النفط مما دفع بالنظام إلى الإسراع فى البحث عن البدائل التى يمكنها سد النقص المرتقب الذى سيسببه فقدان عائدات البترول ، فأطلق الوفود إلى الخليج للبحث فى إمكانية جلب مدخرات ما أطلق عليهم العاملين بالخارج وهو ذات النظام الذى شرد البعض منهم ودفعهم دفعا للهجرة إلى الخليج وبلاد الله الواسعة ! ثم من هو الذى لديه عقل سيرمى بمدخراته فى ايدى نظام مضطرب غير مستقر ؟!
السودان الذى حباه الله بالأرض والمياه من أنهار وأمطار ومياه جوفية أهملت فيه الزراعة إلى درجة ان مشروع الجزيرة الذى كان من أفضل المشاريع الزراعية فى العالم لاقى من الإهمال واللامبالاة الشئ الذى جعله يفقد كل مقوماته كمشروع إنتاجى إعتمدت عليه الأنظمة السابقة منذ عهد الإستعمار ، كما أن المشاريع المطرية فى دارفور وكردفان فقدت قيمتها بفضل الحروب التى خلقها النظام لمجرد مكاسب حزبية بغرض سيطرته على ابناء تلك المناطق !
نظام الإنقاذ الذى يبحث فى الوقت الراهن عن مايعوضه عن عائدات البترول ، أهمل فى كل الجوانب الإقتصادية وترك الحبل على الغارب لمنسوبيه لإستغلال المال العام للمنافع الشخصية لكسب الولاء ! وإن لم يكن كذلك فهل هناك من يدلنى على كيف تأتى للسيد وزير الخارجية من جمع الملايين لشراء قصر على النيل فى بحرى وعند سؤاله قال انه قد دفع فقط خمسون مليونا من إجمالى خمسة وثمانون مليونا والباقى أى خمسة وثلاثين مليونا سيتم تقسيطها على ثلاثين عاما ! والسؤال : ماذا كان يعمل السيد وزير الخارجية قبل إلتحاقه وزير دولة ثم وزيرا للخارجية ؟! ومن الجهة التى ضمنته لسداد بقية المبلغ ؟! إفتونى يرحمكم الله ! أنا لا أريد أن أتجنى على السيد وزير الخارجية فلربما أنه ينحدر من أسرة ثرية ! هذا بالرغم من أن الأسر الثرية فى سودان ماقبل الإنقاذ كانت معروفة للعامة والخاصة ولم أسمع من بينها أسرة "كرتى " أو ربما قد طال غيابى عن الوطن وتضخمت ثروات البعض بمضاربات تجارية خاصة ونحن فى عصر البورصات ! أ،ا لا أريد أن أظلم الرجل ولكن فقط تمنيت أن أعرف الطريقة التى قد وفر بها الرجل من راتبه ليصل إلى تلك الملايين ! وهناك فى مصر الشقيقة كان قد اتى أحدهم شاكيا للسيد الرئيس حسنى مبارك من أن إبنه علاء لديه كذا وكذا ! فقال: يخرب عقلك ياعلاء ، كل ده من مصروفك ؟! بالطبع السيد كرتى ليس إستثناءً فهناك العشرات ممن إكتنزوا المال فى عصر الإنقاذ الذى إتسم بالتسيب لأسباب التمكين ! فهل بعد أن وجه السيد الرئيس بتكوين لجنة لتقصى الفساد ستتمكن تلك اللجنة من محاسبة " الناس إللى فوق" وتعيد المال المنهوب إلى السيد محمد أحمد؟! أم أن هناك من أصحاب الولاء من هم فوق القانون ويصبح الأمر مجرد قرار من القرارات لإسكات بعض الأفواه .
أستميح القارئ عذرا فى أنه ربما إلى الآن لم أصل به إلى عنوان موضوعى هذا " أمسكوهو لى خلينى أأدبه " ذلك جاء بعد قراءتى لتعليقات بعض المسؤلين بعد الغارة الإسرائيلية من أن إسرائيل ليس لها الحق فى تلك الغارة بحجة السيادة ! ونقول لهؤلاء أن سيادة دولة لاتنتهك إلا إذا ماقامت بعمل يستدعى ذلك . والمطلع على تاريخ الأمم يعى جيدا أن الدولة القوية لاتذهب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن للشكوى ، خاصة إذا كانت هناك دولة ضعيفة تجرأت وداست على طرف تلك الدولة ! السودان قام بأعمال ربما يعتبرها من باب " إنصر أخاك ظالما أو مظلوما" وربما الأخوة فى الإسلام تستدعي مناصرة حماس ، ولكن المثل يقول " مد رجليك على قدر لحافك " فتمدد نظام الإنقاذ إلى خارج الحدود بدون مقدرة لزومه شنو؟! وله لسه السودان فى الزمن الشمولى الثانى لازال يعتبر نفسه من دول المواجهة ؟!
المثل السودانى يقول " الفى أيدو القلم مابكتب نفسه شقى" ولكننا نرى الإنقاذ تكوس للشقاوة بدون مقدرة ! إذا نظرنا فى التاريخ القريب سنرى أهوال ماتفعله الدول القوية بالدول الضعيف " لاسمح الله ، الإنقاذ ليست ضعيفة لأنها كلها إيمان"
دعونا نبحر فى رحلة عبر تاريخ الأمم لنرى مافعلته الأمم الكبرى القوية من أفعال تعكس قوتها بغض النظر عن مايظنه البعض . ففى عام 1960 قامت إسرائيل بإختطاف " أودولف إيخمان " من الأرجنتين وقامت بترحيله إلى تل أبيب ، بحجة أن إيخمان كان مهندس المحرقة اليهودية فى ألمانيا النازية ، حيث حوكم تحت جريمة الإبادة الجماعية وتم إعدامه " بعد الشر على الرئيس البشير" .
وهناك أيضا ماقامت به الولايات المتحدة حيال رئيس بنما " مانويل نوريجا " الذى إتهمته بالإتجار فى المخدرات وغسيل الأموال مما يضر بالشعب والإقتصاد الأمريكى فأرست قوات المارينز إلى بنما وإقتلعته منها وأودعته السجون الأمريكية " لاحظ أنه كان رئيس دولة فى ذلك الوقت ، وبالرغم من ذلك لا الأمم المتحدة ولامجلس الأمن ولازعيط ومعيط فتح فمه بكلمة واحدة فى حق رئيس بنما !وقبع الرئيس نوريجا فى السجون الأمريكية إلى أن طالبت به فرنسا لتنفيذ حكم قضائى مدته سبع سنوات صدر فى حقه وما كان من أمريكا إلا أن قامت بتسليمه إلى فرنسا فى 26 أبريل 2010 . ثم إذا نظرنا إلى رئيس هايتى السابق " جان بوتران أرستيد " الذى إقتلعته الولايات المتحدة " حسب قوله " من قصر الرئاسة فى هايتى ورحلته بطائرة إلى إفريقية الوسطى ولم يتمكن من العودة إلى بلاده إلا قبل أيام حيث أستقبل إستقبال الفاتحين ولكن بالرغم من ذلك يبقى هو الرئيس السابق لهايتى .
نعود مرة أخرى إلى إسرائيل والجميع يعلم بـ " عملية عنتبى " فى يوغندا عندما إختطفت إحدى الطائرات وعلى متنها مواطنين إسرائيليين . قامت إسرائيل بغارة جوية على مطار عنتبى وحررت الرهائن . وبالطبع قوبل عملها ذلك بالترحيب من قبل الدول العظمى ! ولم ينظر أحد إلى أنها قد إخترقت المجال الجوى لدولة ذات سيادة !
كما رأينا أن الدول القوية تأخذ حقها بيدها وبدون إعتراض من أحد . ليس ذلك فحسب ، بل أحيانا تجبر الدول القوية الدول الضعيفة على الإذعان لمطالبها . ونسوق هنا مثالا يعلمه اهل السودان ألا وهو موقف نظام الإنقاذ من " كارلوس " ذلك الفدائى الفنزويلى العالمى الذى إنضم للثورة الفلسطينية وأصبح أحد أركانها والمخططين لمعظم عملياتها ضد الأهداف الصهيونية ومنها عملية " أيلول ألأسود " فى ميونخ بألمانيا فى عام 1972 . ثم مالبث وأن جمع عدة فصائل ثورية من جميع أنحاء العالم منها عناصر " الجيش الأحمر اليابانية" ومنظمة " بادرماينهون الألمانية " و " جيش تحرير الشعب التركى " و " مجموعة الجيش الجمهورى الأيرلندى " و " منظمة إيتا والباسك " كما أنه خطط وشارك فى عملية الهجوم على مقر إجتماع وزراء دول الأوبك فى فينا بالنمسا فى عام 1976 كما إستولى على السفارة الفرنسية فى لاهاى بهولندا وإختطف طائرة فرنسية إلى مطار عنتبى فى عام 1976 . ومن سوء طالعه انه قد إختار دولة الإنقاذ له ملجأ ظانا أن دولة ترفع شعار الإسلام لابد أن من دخل أراضيها فهو آمن ! ولكن خاب مسعاه حيث قامت الإنقاذ بتسليمه لفرنسا ليودع فى سجونها حتى تاريخه ! كما حاولت الإنقاذ تسليم أسامه بن لادن للسعودية لكنه فضل كهوف تورا بورا .
بالنظر إلى ما أشرنا من أحداث التى دللنا فيها أن الدول القوية تفعل ماتريد لحماية مصالحها غير عابئة بالقوانين الدولية ، فعلى الإنقاذ أن تعمل على تحاشى الفضائح فلانريد ان افعالها التى بلا كوابح توقعها فى شر اعمالها وتجلب لنا فضائح نحن فى غنى عنها . فلا نريدها أن تتمدد فى أعمال خارج حدود السودان كى لاتقوم دولة من الدول القوية بإختطاف الرئيس وتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية والجميع يعلم أنه ليست هناك من دولة كبرى ستقف إلى جانب السودان . لانريد أن يروح رئيسنا نتيجة قرصنة . وبالتالى على المسئولين فى النظام وخاصة وزير الدفاع " المهندس " أن يلعب على قدر قدرتو " ألمى حار ولا لعب قعونج " وبلاش من حكاية النفخة الكضابة القائلة " لنا حق الرد " المشى جنب الحيط أسلم فى حالتكم هذه ، وله شنو ؟!. ولنا عودة .
Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]