أمن الانتخابات وخطر الفوضى الخلاقة !!
1 March, 2010
بسم الله الرحمن الرحيم
Osssm5@hotmail.com
تجري في بلادنا بعد شهر تقريبا اعقد عملية انتخابية منذ استقلال السودان يخوضها نحو ستون حزبا منها أحزاب قديمة خاضت مثل هذه الانتخابات ومنها أحزاب حديثه تدخل هذه التجربة لأول مرة ، ولا أود التطرق هنا للانتخابات عموما بل للنواحي الأمنية الخاصة بهذا الحدث ، وقد لفت نظري كمهتم بهذا الجانب بعض التصريحات والتحليلات من بعض المهتمين الأمنيين بأجهزة الإعلام والصحف الذين تحدثوا عن تهديدات أمنية داخلية وخارجية وتوقع اضطرابات وتفلتات أمنية تصاحب العملية الانتخابية وقد استغربت تصريح السيد اللواء شرطة التهامي المسئول الأول عن تأمين الانتخابات الذي أشار لتهديدات داخلية وخارجية لدرجة التنسيق مع أجهزة أمنية في دول لم يسمها للمساهمة في معالجة أي أزمة محتملة .
هذا التصريح غريب وملفت ! فهو يعني أنه إذا اضطربت الأمور أن يستعان بتدخل امني خارجي أو تنسيق أو سمه ما شئت، فهل هذا التهديد الذي استشعرته الجهات المنوط بها المحافظة علي أمن الانتخابات هي التي قررت هذا التوجه الخطير بالتنسيق مع جهة خارجية للاستعانة بها!! يحق لأي سوداني عادي أن يتساءل هل هذا القرار شُرَطِي وأمني بحت ؟ أم هل هو قرار سيادي صادر عن قيادة حزب المؤتمر بعد أن رفع له الأمر (كونه الحزب الحاكم المسيطر علي مجريات الانتخابات وكل الأجهزة النظامية من جيش وشرطة وامن تتبع له وتحت سيطرته المباشرة) ، أم هل تم مناقشة هذا التهديد والخروج بهذا القرار الخطير بين الشرطة والمنسقية الخاصة بالانتخابات والأحزاب ؟ وهل الاستعانة والتنسيق في معالجة أزمة أمنية داخلية أو تهديد داخلي يتم مع دولة أجنبية يتفق عليه بمعزل عن الأمة السودانية (علي الأقل البرلمان الغائب) والأحزاب؟ أم أن في الأمر تهويل للأمر للإبقاء علي حالة ماثلة من الخطر والتهديد الشئ الذي يُمكِن الحزب المسيطر فعل ما يريد إن إستشعر بأي خطر يهدد ويتجاوز الخط الأحمر لمصالحه وأهمها الفوز بالانتخابات ؟
السؤال الكبير هنا كيف فات علي الأحزاب (النائمة) أهمية الإشراف القومي الكامل علي عملية كبرى ومصيرية كالانتخابات وكيف جاز لها أن ترضي منذ البداية ومن الأساس بتفصيل الشريكين للشأن الانتخابي حسب مقاسهما وحدهما؟ إذن حكومة قومية بكافة مكوناتها من قوات نظامية قومية (جيش ،شرطة ، أمن) ومفوضية انتخابية ذات تكوين قومي كان وجودها وإقرارها سيبعد شبح أي تهديدات تهدد هذه الانتخابات وتعتبر في حد ذاتها ضمانة أمنية قوية وتراضي متين بين الجميع (دون مكايدات حزبية) طالما أن هناك عدالة ونزاهة وشفافية ، بكل أسف القرار الخاص بمعالجة خطر التهديدات داخلية وخارجية التي تم التصريح بها قد تفسر في اتجاه عدم القومية ، والإنفراد باتخاذ هذا القرار الخطير المؤدي للتنسيق مع دولة خارجية للتصدي ودرء التهديد الأمني.. مثل هذا الأمر يوحي بعدم طمأنينة أمنية ويمكن أن يستغل لخلق فوضي مفتعلة في حالة استيقان الحزب المسيطر بخسارته للانتخابات (خاصة الرئاسية منها) وذلك بالاستفادة من الفوضى الخلاقة لإلغاء الانتخابات أو التأثير عليها وتسيير الأمور بالاتجاه الذي يراد له أن يكون . (وتعرف الفوضى الخلاقة بأنها حاله مصنوعة يقصد بها الانتقال من وضع أو أوضاع ثابتة غير مواتيه إلى أوضاع ثابتة مواتيه لمصلحه الطرف العامل على إدخال هذه الحركة ) .
أن تحدث مشاكسات حزبية وصدامات سياسية قبل أو خلال أو بعد الممارسة الانتخابية أمر عادي مثله ومباريات كرة القدم ، ولا يصل لدرجة التهديد الذي يعطي الحق لجهة ما منفردة أن تتخذ قرارا خطيرا بالاستعانة والتنسيق مع دولة أجنبية لدرء هذا التهديد وإزالته ،والسؤال المستحق الآخر الموجه لأحزابنا : أليس لهذه الأحزاب خبراء وقيادات أمنية كان من المفترض أن يتم التنسيق بينها وبين السلطات الأمنية والشرطية الحالية والتي تمثل الحزب الحاكم لتقييم التهديدات ودراسة المآلات والاتجاهات الأمنية المتوقعة خلال الفترة الانتخابية بدلا من التنسيق مع دولة خارجية ؟
اختم بان الخطر الفعلي والذي لا يرقي لتهديد يستدعي أي تدخل أو تنسيق خارجي هو : أن هناك شريحة عريضة لم تشارك في أي انتخابات من قبل وتشارك الآن لأول مرة وهم جيل كامل من مواليد 1969 تقريبا الذين لم يحق لهم الانتخاب في آخر انتخابات ديمقراطية عام 1986 لأنهم كانوا دون الثامنة عشر وحتى مواليد1993 الذين لا يحق لهم الانتخاب في انتخابات 2010 لنفس السبب (هذه الشريحة عمرها الآن بين 18 -31عاما ) لم يجرب هذا الكم من الشباب مثل هذه الممارسة الديمقراطية ولم يتذوقوا طعم الديمقراطية الحزبية الحقيقية والحرة وإن مارسها بعضهم علي(نطاق أضيق) بالجامعات ، تعتبر مثل هذه الشريحة(هشة امنيا) واعني بالهشاشة الأمنية هنا ، عدم إمكانية القبول بالرأي الآخر والتسليم بنتائج الانتخابات فوزا للآخرين أو خسارة للأحزاب التي ينتمون لها ومن ثم إثارة القلاقل في حالة الخسارة ، ومثل هذا الأمر يمكن معالجته الآن قبل بدء الانتخابات بتوجه الأحزاب لمؤيديها من هذه الشريحة وتنويرها وتثقيفها انتخابيا.....وحتى يحدث ذلك ، نرجو توضيح ما هي التهديدات الداخلية والخارجية التي أشار إليها اللواء التهامي وكيف تم التنسيق مع دوله خارجية ؟ وهل تعلم الأحزاب بهذا التنسيق... وفي النهاية هل المواطن يعلم بذلك؟ أم أن مثل هذا التنسيق (الغير معلوم ما هو كنهه ،ولا مع من وضد من ) يخدم جهة معينه واحدة ومصالحها...؟ وهل كل ما نملك من قوات نظامية لا تستطيع منفردة حماية امن انتخاباتنا والتهديدات المحيطة بها حتي نستعين وننسق مع الغير ؟
والله المستعان.............