أنا أُحذّر.. إذن أنا وزير … بقلم: هاشم بانقا الريح
30 October, 2009
hbrayah@yahoo.com
يبدو أن من بين الشروط الموضوعة لاختيار وزراءنا ومسئولينا قدرتهم على إطلاق التحذيرات وتوزيعها على وسائل الإعلام، وكأن مهمة هذا المسئول هي إثارة الفزع في نفوس المواطن، وتصعيد الأمور التي تقع تحت دائرة اختصاصه والتي كان من الواجب علي هذا المسئول، بحكم منصبه، أن يعمل على معالجتها وأن يشيع الطمأنينة وسط الناس. لكن كل هذا لا يحدث، وبدلاً من التزام الصمت – الذي يمكن أن نعتبره من ذهب في هذه الحال- أبى هؤلاء المسئولين إلا أن يرهقونا من أمرنا عُسرا بتصريحاتهم المليئة بالتحذيرات وكأنهم ليسوا مسئولين عن ما يحدث من كوارث وخلل.
والمتتبع لوسائل إعلامنا لاشك سيلحظ هذه التحذيرات، وسيتعجب – مثلي- من جرأة هؤلاء المسئولين على مثل هذه التصريحات التي ينبغي أن يسكتوا عليها وأن يعملوا ليل نهار على تصحيح الأوضاع بدلاً من الاكتفاء بإطلاق تحذيراتهم. ولا أدري إلى من يوجهون هذه التحذيرات: للمواطن المغلوب على أمره، أم للحكومة وهم جزء منها وكان عليهم مواجهتها في الاجتماع الأسبوعي لمجس الوزراء، أم للبرلمان الذي لا أعرف له إنجازاً غير تغيب أعضائه وانسحابهم المستمر من جلساته ، بالرغم من حصولهم على مخصصاتهم التي لا يعرفها أحد؟
ولعل بعض القراء قد وقفوا على أمثلة لبعض هذه التحذيرات التي بات يطلقها وزراءنا ومسئولينا، ولعل آخرها تلك التصريحات التي أطلقها ً وزير الزراعة الدكتور عبدالحليم المتعافي وحذّر فيها من فجوة غذائية محتملة ستواجه البلاد العام القادم؟ وقال الوزير، وهو يقف داخل قبة البرلمان (عفواً المجلس الوطني)، بعد أن أكد له بعض النواب أن هناك مؤشرات ببروز مجاعة في عدد من مناطق البلاد، قال إن وزارته ستقوم بإرسال فرق إحصاء إلى الولايات لتقدير الإنتاجية والإنتاج، وأكد إن التقديرات النهائية ستكون جاهزة مطلع يناير القادم.
ولعل القارئ الكريم قد تساءل مثلي: أين كانت وزارة الزراعة وما هي مهام وزيرها ووكلاءه ومستشاريه، ولماذا ينتظر الوزير، أو أيّ مسئول، حتى يتم تنبيهه أن هناك خللاً ما حتى يبدأ في النفي أو التحذير أو التفكير في إرسال فرق التقصي والتحقق؟ هل لوزارة الزراعة إحصائيات عن إنتاج هذا العام من الذرة والقمح والدخن وغيرها من المواد الغذائية الإستراتيجية؟ أشك في ذلك إذ لو كانت لدى الوزارة مثل هذه الإحصائيات والأرقام لكان حري بالوزير، الذي أطلق تحذيراته ومن ثم قلل من قلق النواب بشأن حدوث المجاعة، أن يقوم على الأقل بطمأنة الناس من واقع إيراده لأرقام وإحصائيات عن الإنتاج والاستهلاك، وما إن كانت ستحدث فجوة أم لا، وما هي الخطط والإجراءات التي وضعتها وزارته لمعالجة الوضع، وما هي أكثر المناطق المعرضة لحدوث هذه المجاعة أو الفجوة الغذائية؟ الوزير لم يورد هذه الأرقام والإحصائيات لأن وزارته ليس لديها قاعدة معلومات عن ذلك، وهذه هي مصيبتنا.. تسير أمورنا بالبركة.. لا خطط و لا يحزنون.. ويأتي وزير ويذهب و لا أحد يسأله: ماذا صنعت خلال توليك هذا المنصب، مها هي انجازاتك، وأهم من ذلك: من أين لك هذا؟ والمحزن بل والمثير لليأس والإحباط أن من يخفق من مسئولينا في منصبه أو تحوم حوله الشبهات، يتم نقله إلى منصب آخر ربما بمخصصات أكبر.. فتأمّلوا!!
الكثير من بلدان العالم، التي تتسم أنظمتها بالمؤسسية والشفافية، تجعل المسئول يحاسب نفسه قبل أن يُحاسب، بل ويُقدم على الاستقالة بمجرد أن يشم رائحة الاتهام ضده. ولعلي أُذكّر هنا بقصة وزير الزراعة الياباني تاكيهيكو اندو Takehiko Endo الذي استقال من منصبه في سبتمبر من عام 2007م بعد اتهامات بتضخيم تعويضات عن طقس سيئ سبب تلفاً لمحصول العنب عام 1999م أيام كان يرأس إحدى الجمعيات التعاونية. و يتلخص الاتهام في أن تاكيهيكو بتصرفه هذا قد مكّن هذه الجمعية من الحصول على إعانات إضافية من الخزينة العامة.
هذه القصة وغيرها مهداة لكل مسئول يكون همه تضخيم الأمور من خلال إطلاق التحذيرات بدلاً من القيام الجاد بالعمل على وضع الحلول. ومهداة كذلك إلى والي الخرطوم بمناسبة الدمار الهائل الذي خلّته أمطار هذا العام، وبمناسبة تصريح وزير البنى التحتية بالولاية، والذي تناقلته الصحف ومواقع الإنترنت على نطاق واسع ومفاده أنه تم اختيار (240) مهندساً لرصف الطرق والشوارع خلال فترة الخريف الحالي، إلا أن الأكْفَاء والفعالين منهم لا يتعدون (25). ومن حق المواطن أن يتساءل عن الجهة أو الجهات التي قامت بتوظيف هؤلاء وما هي الجامعات التي تخرجوا منها؟ هل تم التعامل مع هذا الوضع الخطير بالجدية المطلوبة؟ وهل استدعى البرلمان كل الوزراء المعنيين ليوضحوا ملابسات ما حدث، أم أننا كُتب علينا أن نستمر في إطلاق التحذيرات بدلاً من العمل على حل المشكلات؟
* مترجم وكاتب صحفي يعمل بالمملكة العربية السعودية