أنقذوا جامعة أم درمان الأهلية!

 


 

 

في نفس الوقت الذي أقال وأعفي قائد الجيش الفريق البرهان أكثر من ثلاثة وثلاثين مديراً ونائباً لجامعات حكومية سودانية في الشهر الماضي، شهدت جامعة أم درمان الأهلية، إنتخابات حُرّة وممارسة ديمقراطية، لم تشهد مثلها البلاد طيلة العقود الثلاث الماضية. فقد كانت التعيينات هي الديدن السائد في كل القطاعات الحكومية والخاصة أبان العهد البائد.
فبعد ثورة ديسمبر العظيمة والتي قادها ثوار السودان من أبناء هذا الجيل العظيم، ومُهرت بدم طاهر، وشهداء إرتقت أرواحهم، من أجل الوطن، تم قيام أجسام عُرفت بتجمعات الأساتذة، والتي إختطفت تعيينات مدراء الجامعات السودانية. وكانت جامعة أم درمان الأهلية إحداها. وإنعكست هذه التعيينات على الإداء الإداري لجامعة أم درمان الأهلية. فشهدت تدهوراً مُريعاً وعلى جميع مستوياتها البيئية، الأكاديمية والإدارية. عندها ثار الأهليون على مديرها، حتي أُجبر علي الإستقالة، ومن ثم تم إقالته من قبل الوزير.
عندها تمت ولأول مرة في تاريخ الجامعات السودانية، إنتخابات حُرة، لم تشهدها أية مؤسسة تعليمية في البلاد، وتم إنتخاب أول مدير (مُنتخب) وبأغلبية ساحقة. وأصبح البروفيسور المعتصم أحمد الحاج، مدير مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية، هو المُدير المنتخب لجامعة أم درمان الأهلية. وفي تقديري هذا حدث فريد، لم يجد حظه من الإعلام. وهو أحد الأسباب التي دعتني لكتابة هذه السطور.
وبصفتي ممن درس، وتتلمذ علي يد البروفيسور المعتصم، في هذا الصرح الأكاديمي المُميز، القلعة النضالية والتي كان يُطلق عليها الثلاثين فدان المحررة من أرض الوطن، كان لزاماً على أن لا يذهب مثل هذا الحدث من غير ذكر، خصوصاً بعد تعيين البرهان مدراء للجامعات السودانية الاخري، وهم كغيرهم ممن تم تعيينهم في مراكز حكومية أخري، ينتمون سياسياً لبقايا النظام البائد.
ويعتبر البروفيسور المعتصم أحمد الحاج المدير الحالي للجامعة، ومدير مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية، علماً من أعلام توثيق التاريخ الوطني السوداني، بل أحد المراجع الوطنية القليلة في السودان. وتفق بل تشهد إصدارات مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية، برغم قلة الإمكانيات وشح الموارد، في صدارة التواثيق الوطنية السودانية، والتي نحن في أشد الحاجة إليها خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الدولة السودانية.
عندما تم طرح الفكرة من قبل الراحل المقيم (مؤسس وصاحب فكرة كلية أم درمان الأهلية) البروفيسور محمد عمر بشير، طيب الله ثراه، وجدت الفكرة إستحساناً وقبولاً من قبل الخيرين من جموع أبناء السودانيين. وبدأت الدراسة في العام 1986. وفي العام 1993 كنت من أولئك المحظوظين، بأن أكون من أوائل الدفعات التي درست في المبني الحالي "بجوار مقابر حمد النيل". وأصبحت تُسمي بالثلاثين فداناً المحررة، في وصف جرئ، لما شهدته في مقارعة ومنازلة النظام البائد وهو في أعتي قوته وجبروته. وأصبحت أم درمان الأهلية صرحاً أكاديمياً، ثقافياً وسياسياً. وسوداناً مصغراً ينتمي إليه الطلاب من جميع أنحاء السودان. وتقام فيه الليالي الثقافية من أبناء الجنوب، والغرب، والشرق والشمال والوسط. وتحدث في منبرها جهابذة السياسة والأدب والشعر. وهو أمر كان يؤرق أعضاء النظام البائد الذين كرسوا له الطاقات والمال في محاولة للسيطرة عليها، وبائت جميع محاولاتهم بالفشل.

الآن تشهد جامعة أم درمان الأهلية تحديات جسام.ويمكن وصفها بإختصاربأن تكون أو لا تكون! خصوصاً بعد إنقلاب الخامس والعشرين من إكتوبر في العام الماضي. ومن زار الجامعة مؤخراً، يعي الوضع البيئي والأكاديمي التي تشهده الجامعة.
ومن هنا أود أن أُرسل رسالة لجميع خريجي جامعة أم درمان الأهلية في المهاجر وفي جميع أنحاء المعمورة. وفي داخل البلاد وخارجها، أن يدعموا هذا الصرح الوطني الأكاديمي، والذي كان ومازال الثلاثين فدان المحررة من أرض الوطن. الدعوة غير مقتصرة على خريجي جامعة أم درمان الأهلية. بل دعوة مفتوحة لكل وطني غيور على التعليم الأهلي في السودان. ولابد من دعم إدارة البروفيسور المعتصم أحمد الحاج، وطاقمه الإداري الجديد، في ظل التحديات والمعضلات التي تواجهها جامعة أم درمان الأهلية بشكل خاص، والدولة السودانية على حد سواء.

أنقذوا جامعة أم درمان الأهلية!

أمجد شرف الدين المكي
كولورادو - الولايات المتحدة الأمريكية
amgadss@gmail.com

 

آراء