أوباما يا سلام !! … بقلم: علاء الدين حمدى
11 June, 2009
ـ ليس فى نيتى الكتابة لتحليل خطاب الرئيس الأمريكى " أوباما " من القاهرة سلبا أو ايجابا رغم مادته الشهية المغرية ، فهناك المتخصصون الذين هم أقدر منى على ذلك بكل تأكيد ، ولكننى أتصور كمواطن بسيط أن الحكمة تقتضى عدم الانسياق وراء فخ التأييد الكامل أو الاعتراض الكامل على ما جاء فى الخطاب ، خاصة وقد منح الرجل "الأفعوانى" لكلا الطرفين ، المؤيد والمعترض ، مادة جيدة خصبة للنقد المطلق او الاشادة المطلقة ، ستؤدى الى مزيد من الجدل الذى سيخرج بهما معا من محاولة الاستفادة من الخطاب وتفعيله على الأرض ! ورغم ذلك ، فقد توقفت عند بعض الملاحظات المهمة ، من وجهة نظرى المتواضعة ، سأكتفى بالحديث عن ثلاث منها :
ـ أولا : توقعت فى المقال السابق بعنوان ( الله حى أوباما جاى ) أن الخطاب لن يزيد عن كونه خطاب نوايا لمستقبل العلاقات الأمريكية مع العرب والمسلمين دون أى التزام ! وأرى أنه قد جاء كذلك بالفعل ، مجرد خطاب يمكن تصنيفه تحت بند "البكش" السياسى وان ضم بعض النقاط الجيدة ، ولكن دون أن يضع الرجل لنفسه التزاما صريحا خلاف التزامه الوحيد بدعم اسرائيل ، أو آليات واضحة محددة لتنفيذ رؤيته على الأرض بطريقة ملموسة ، وذلك انتظارا للطرح الذى سيقدمه الشريك العربى المسلم المعنى أصلا بالخطاب ، وهو أمر بديهى لا يعيب الرجل ، وهو نفسه لم ينكر ذلك ، ولم يزعم أن خطابه يعتبر بمثابة " اعلان مبادىء " على غرار وثيقة الرئيس الأمريكى الأسبق " نيلسون " كما وصفه الصحفى " أحمد المسلمانى " فى جريدة المصرى اليوم .. نيابة عن " أوباما " ! بل على العكس ، استهل الرجل حديثه بتواضع ظاهر قائلا ( لقد أتيت الى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي استنادا الى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل ... ولا يمكنني أن أقدم الاجابة عن كل المسائل المعقدة التي أدت بنا الى هذه النقطة ، غير أنني على يقين من أنه يجب علينا من أجل المضي قدما أن نعبر بصراحة عما هو في قلوبنا وعما لا يقال الا وراء الابواب المغلقة) .
ـ بمعنى أن الرجل ينتظر رؤية العالم العربى والاسلامى حول هذه " المسائل المعقدة " ونوعيتها وحصرها فى نقاط محددة حتى يمكن للطرفين بحثها بصراحة ، وهى النقطة الجوهرية الحميدة التى تمحور حولها الخطاب ، وهو ما يؤكد تساؤلى ، المنطقى ، فى المقال السابق عن ماذا أعد العرب والمسلمون فى المقابل ؟ وكيف نجعل الرجل وادارته يسمعان منا لا عنا ! حتى لا تتحول عملية التعبير بصراحة ، ان تمت ! الى جلسات مصاطب " وأنا زعلان منك عشان كذا وكذا .. طيب حقك عليا ماتزعلش .. تتعوض المرة الجاية !"
ـ فالتعبير والمناقشة بصراحة لا يعنى ، مثلا ، الاحتفال بالنصر المبين الذى هلل له البعض بعد أن " منحنا " المستر " أوباما " صكا أمريكيا بحرية المرأة المسلمة فى ارتداء الحجاب ! فهو ما لا يملكه ، ولن يملكه أحد ، سواء " أوباما " أو غيره حتى يمُنّ علينا ويعتبر ، هو أو بعضنا ، أنه نقلة نوعية فى توجهات ادارته نحونا ! ولكن المناقشة بصراحة تعنى الحديث عن وجود أخطاء كثيرة وقضايا معلقة تسببت فيها الادارات الأمريكية المتعاقبة لا ادارة سلفه " بوش " وحدها ، منها على سبيل المثال قضية اسمها " القدس الشريف " لا تخص الفلسطينيين وحدهم ، لذلك فصراحة النقاش المنشودة تقتضى التفاهم من منطلق أن " القدس " لنا ، وأنه اذا لم تضغط بلادك يا مستر " أوباما " على ربيبها الكيان الصهيونى من أجل تحقيق ذلك ، فليس أمامنا الا أن نضغط نحن على بلادك لنفس الهدف ! هذا هو ما يعتبر نقاشا صريحا على حد فهمى ، نقاش " الحد والمصلحة " ، نقاش أن مصالح بلادك هى التى تحتاج الينا وليس العكس ، وأننا مصممون على أن تكون الصفحة الجديدة التى تتحدث عنها تختلف عن صفحة " السداح مداح " التى تعودتم عليها منا من قبل ، صفحة جديدة خالية من أى انبطاح أو منح أو هبات بدون مقابل عادل ، فالشراكة فى مفهومها البسيط تعنى ما لنا وما علينا وما لكم وما عليكم ، دون تفريط فى حق أو تنازل عن أصول يملكها أحد الشركاء ، وقس على ذلك كل قضايانا المعلقة .. فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان والسودان وما يستجد !
ـ ثانيا : قال الرجل ( أن الشراكة بين أميركا والاسلام يجب أن تستند الى حقيقة الاسلام وليس الى ما هو غير اسلامي وأرى في ذلك جزء من مسؤوليتي كرئيس للولايات المتحدة حتى أتصدى للصور النمطية السلبية عن الاسلام أينما ظهرت) ! وهى عبارة لم أستطع فهمها الا من منطلق " الاستعباط " لا مؤاخذة , اذ كيف لنا أن نصدق أن دولة غير مسلمة تجعل شراكتها مع الاسلام تستند الى حقيقة الاسلام وليس الى ما هو غير اسلامي بما فيه حقيقتها المسيحية مع كل الاحترام ؟! واذا كان رئيسها ، غير المسلم ، سيأخذ على عاتقه مهمة التصدى للدفاع عن الاسلام ! فماذا سنفعل نحن وزعماؤنا الأشاوس ؟! هل سنكتفى مثلا يعنى " بتقطيف الملوخية " ؟!
ـ ثالثا : استشهاده بأيات القرآن الكريم الذى هلل وتبهلل له بعضنا بسذاجة مفرطة واعتبروه فتحا مبينا وارهاصات مبشرة لدخول أوباما فى رحاب الاسلام ، أو أنه رجل مسلم يكتم اسلامه حتى يتمكن من تحقيق المراد ، لأن الحرب خدعة ! وأن المسالة مسألة ايام ستدخل بعدها الولايات المتحدة على يديه الى الاسلام زرافات ووحدانا ، وبذلك يؤته الله تعالى أجره مرتين ، لأنه رجل حبوب !
ـ وهؤلاء أذكرهم بواقعة حدثت فى حفل افطار رمضانى أقامه الرئيس السابق " بوش الابن " فى البيت الأبيض ، دعي اليه ديبلوماسيين مسلمين وشخصيات من الجالية الاسلامية في الولايات المتحدة ، حض فيه الزعماء والمسؤولين المسلمين في العالم على " ادانة الارهابيين الذين يتسترون بالدين لأن القتلة الذين يزهقون أرواح الرجال والنساء والأطفال الأبرياء يتبعون عقيدة عنيفة مختلفة كلياً عن الإسلام " ، تستوى فى ذلك " القاعدة " أو أهلنا فى فلسطين ، وهو نفس ما قاله " أوباما " فى القاهرة !
كذلك استشهد بوش بالآية القرآنية الكريمة من سورة المائدة ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ) ولكنه اغفل ذكر "بني اسرائيل " في مطلع الآية ! وهو نفس ما فعله أوباما ايضا فى القاهرة بنفس الآية ونفس الاغفال ! والمعنى مفهوم ، والمقصود واضح دون فلسفة أوتفتيش فى الضمائر والنوايا ، فالسلعة واحدة وان اختلفت طريقة التغليف والتوصيل !
ـ أما ما يخص مصر تحديدا من الحدث برمته ، فقد أعجبنى جدا ، أيا كانت الأسباب ، عدم استقبال الرئيس مبارك لأوباما فى مطار القاهرة ، ثم أعجبنى جدا انتظاره " أعلى " درجات السلم " ليصعد " أوباما اليه ، ثم توديعه من " أعلى " درجات السلم مرة اخرى ليهبط وحده ! وأدعو الله أن يستمر هذا البروتوكول فى المعاملة بالمثل مستقبلا أيا كانت الظروف والأسباب !
ـ أيضا كان الاستقبال والاعداد رائعا فى أغلبه ، اللهم الا فى المنصة التى ألقى أوباما من عليها خطابه ، والتى كانت تحمل شعار وعلم دولة الولايات المتحدة الأمريكية بينما الرجل يخطب فى جامعة القاهرة التى تقع على ارض ذات سيادة اسمها جمهورية مصر العربية ! ولا مجال لتبرير ذلك بدواعى أمنية استلزمت استقدام هذه المنصة تحديدا ، فلو كان هذا واردا لتمت تغطية الشعار الأمريكى بالعلم المصرى أو بشعار جامعة القاهرة أو حتى بمفرش من القماش الغير مفخخ ! لذلك أعتقد أن هناك استهتارا وخطأ جسيما يستوجب الحساب ، ومن الرئيس مبارك شخصيا .
ـ كذلك لم تضم القاعة من يمثل مصر الحقيقية المعنية بالخطاب على كثرة من ضمت بين جنباتها ! بينما حضر ممثل عن البهائيين هو شخص يدعى الدكتور " رءوف هندي حليم " بعد تلقيه دعوة رسمية من رئاسة الجمهورية كما قال ، دون سبب أومبرر واضح لذلك على الأقل أمامنا نحن الشعب ! الأمر الذى اعتبره حليم هذا "خطوة على طريق اعتراف الدولة المصرية بالبهائية " كما تناقلت وكالات الأنباء ! وهو موضوع أظن أنه يحتاج لنائب شجاع ينتصر لله تعالى ويقدم استجوابا برلمانيا عاجلا لمعرفة دوافع رئاسة الجمهورية لدعوة ممثل عن بضع مئات يلفظهم المجتمع أصبحوا مثار جدل وفتنة فى الآونة الأخيرة وصدرت ضدهم فتاوى تكفير من " الأزهر الشريف " ممثل العالم الاسلامى وأحد الداعين للحفل !!!
ـ أيضا أسعدتنى جدا " الخيبة الثقيلة " التى حظى بها أنبياء حقوق الانسان ، ورسل الليبرالية المدعون ، و" أراجوزات " العمل السياسى المصرى ، ومن يحلو لهم وصف أنفسهم بالأقليات المضطهدة ، وكل الذين كتبوا للرجل قبل وبعد جلوسه على العرش الأمريكى متسولين منه الدعم والضغط للحصول على مكاسب عينية ومادية أو للوصول الى كراسى السلطة فى بلادهم على طريقة العراقى الموتور " أحمد الجلبى " !
وذلك بعد أن تجنب " المعلم " أوباما الحديث عنهم ، بل تعمد صفعهم على أقفيتهم " نفر نفر " بما يفيد أنه غير معنى بتطلعاتهم ، وأن مصلحة بلاده هى مع النظم القائمة مهما كانت سوءاتها ، لذلك لم يوجه أى نقد الى هذه النظم ، بل حاول مصالحتها من منطلق قوله أن بلاده ليس فى امكانها فرض قيمها " الديموقراطية " على دول أخرى .
ـ بقى أن نقول فى النهاية أن الرجل اما أنه جاء ليضحك علينا ويخدعنا بمعسول الكلام " نظام أمريكانى يعنى " ، ولا جديد فى ذلك ، واما انه صادق فى مسعاه ويرغب فى قيادة ثورة حقيقية للتصحيح وبذلك فهو يحفر اسمه فى سجل الرؤساء الأمريكيين المغتالين !ـ ترى أى رجل منهما سيكون أوباما " الأمريكانى " ؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة ان أراد الله تعالى ، ولكن فقط اذا استطاع زعماء الأمة ورجالها وقواها التوحد لمواجهة خطابه وأفكاره وتوجهاته ، وذلك بعد بلورة موقف محدد واضح دون اختلاف فيما بينهم ، لذلك دعونا ننتظر .. حتى يلج الجمل فى سم الخياط !
ضمير مستتر: يقول الامام الشافعى :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدى المساويا
ولست بهياب لمـن لا يهابنـي
ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا
فإن تدن مني تدن منك مودتـي
وإن تنأ عني تلقني عنـك نائيـاً
كلانا غني عـن أخيـه حياتـه
ونحـن إذا متنـا أشـد تغانيـا
علاء الدين حمدى
a4hamdy@yahoo.com