أين النّخوة والشّهامة السُّودانية؟
عندما اجتاحت سيول 1948 المعروفة أطراف النيل وهددت سكان الضفاف بالغرق، والتي هي التاريخ لفيضان النيل، تحركت جموع الشباب والكهول لحماية الارض من الغرق والعرض من ان ينكشف. تبارت الشاعرات والشعراء في وصف الحالة ومن الأحداث ولدت أغنية حمد الريح المشهورة في فرسان توتي الذين صدُّوا البحر ترسوه. لم يخيب الشباب أمل ذويهم وأهلهم ويحملونهم بالبابور إلى الضفاف الآمنة في بحري وأم درمان ولكن صدُّوا المياه عن توتي وظل السكان في مكانهم.
هل شباب اليوم هو من أصلاب وأرحام فرسان الماضي القريب وحكامات الزمن الجميل، أم هم شيئاً كُتُر؟ هل رجال اليوم مثال رجال الماضي التليد؟ هل ما زال هنالك مقنِّع الكاشفات .. هل مازال بيننا من شباب اليوم المأمون على بنوت الفريق؟ أم الحكاية (جاطت) واختلط حابل الثقافة بنابل السقوط وتلخبطت الكيمان لدرجة يصعب فرز الغث من الثمين أو الضعيف أخلاقياً من السمين كرامة؟
أين شباب اليوم من رجال الامس الذين كانوا يتفقدون جيرانهم صباح مساء ليتأكدوا أن ليس هنالك جار جائع.. وأنّ ليس هنالك قريب مريض ولا يجد الدواء. لم يكن السوداني يعرف السؤال مطبِّقاً قوله صلى الله عليه وسلم: سأل الناس اعطوه او منعوه.. وكان حتى وقت قريب أن كل المتسولين من دول الجوار. ماذا أصاب الوطن والمواطن وصار جل السائلين في الشارع العام من صميم السودانيين الذين كانوا يتأففون عن السؤال؟ هل تغيّر الحال لدرجة من السوء جعلت الجميع يفعل كل ما يجده أمامه ليسد رمقه أو يقضي وطره حتى ولو بإراقة ماء وجهه؟
السبب الرئيس والجوهري هو سياسة الحكومة التي لم ترع إلّا ولا ذمّة في المواطن. سياسات الحكومة كلها خرقاء وحتى لا تتشتت جهودنا فلنحصر حديثنا عن الجانب الاقتصادي لأنّ فساد الاقتصاد ودماره هو أُسُّ البلاء. ولم تقف الحكومة عند تدمير الاقتصاد الوطني عن قصد أو جهل بل تمددت يد فسادها فدمرت التعليم. ألغت نهجاً تعليمياً كان مفخرة للسودان وكان جل العرب يطلبون العلم في السودان لجودة التعليم ورقيه وعلو مستواه. بدأ النميري التدمير وأكملت الإنقاذ ما تبقى وبالتالي زاد الفاقد التربوي وهو أحد وأهم مكونات الدمار الاقتصادي.
الحرب أو الحروب في أركان السودان الثلاث .. الجنوب سابقاً.. النيل الازرق وجنوب كردفان أي الجنوب الجديد.. وشرق البلاد وحرب دارفور هي الاخرى تمّت الخياطة بالحرير لتزيد الأزمة تفاقماً. تولى من لا حراية ولا دراية زمام الأمور الاقتصادية والتعليمية والمرتبطة بالحرب. فتم تدمير الاقتصاد تدميراً لا يقارن إلا بتدمير الحرب العالمية الثانية لاقتصاد ألمانيا. و صار التعليم الفاشل والتربية الفاسدة هما أس البلاء في تخريج أميين لا يعرفون فك الخط ناهيك عن فك مسمار في عجل ركشة. وثالثة الأثافي الحرب اللعينة ساهمت في زرع أحقاد يستحيل جبر كسرها إلا بمعجزة إلاهية. والنظر للمشكل السوداني بعين التفاؤل الوردية لن يغيِّر من الواقع في شئ.
القصة الفكاهية التي انتشرت في الوسائط خلال أيام السيول والأمطار بين الشاب الذي يسكن في منزل انهار كُلُّه أو جُلّه.. مع صديقته التي تسكن في فيلا .. تكشف لنا بوضوح حالنا وما نعيشه من وضع صعب إصلاحه إلا بإصلاح النفوس.. فالقارئ للحوار بين الشابين يكتشف أنهما يعيشان معاً بجسديهما كأصدقاء أو زملاء دراسة ولكن البنت لا تشعر بمأساة الولد وهنا تكمن الأزمة السودانية حيث صار السوداني لا ينظر لمصيبة آخر والكل مشغول بما هو فيه ولا وقت له لغيره. والله أعلم كيف نحل هذه المعضلة المعقّدة والمركّبة؟
(العوج راي والعديل راي).
كباشي النور الصافي
من فضلك زر قناتي في اليوتيوب واشترك فيها
http://www.youtube.com/user/KabbashiSudan
kelsafi@hotmail.com