أيها السودانيون: حَضِّروا أكفناكم مقدماً !! (2-2)

 


 

 

نتابع ما انقطع من سِفر التجربة المريرة عن الطب الطبابة في بلادنا ، نتحدث عن تلك المهنة الانسانية لنعيش تجربة حية تكرس لتراجيديا  الاستهانة بالحياة في بلادنا الحبيبة وفي عاصمتها القومية - شدّ الله من أزرها- ونعود لسِفر الأحزان المرة والمريرة، والتي تستدعي طرح السؤال الذي أنا متأكد أن غداً سيظهر علينا منبرياً من أقسام الاعلام في الجهات المعنية منبريةَ للدفاع عن كفاءة الخدمات الطبية المقدمة لعم "بلة الحفيان وزوجه أم بلينا بنت الكحيان وولدهما ضحية وابنتهما عافية"!!، وسيحدثنا المدافعون عن ما قُدم ويُقدم للفئات الضعيفة وتسليط الضوء على مساهمات ديوان الزكاة!! .. وكمان ما بعرف اسهامات جهاز شنو القاعد بس لعلاج الغلابى والكحيانين!!، هذا سيحدث – بعون الله - برغم إعتراف هذه تجهزة الدولة بأن 46% من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر.. هو يا أخوانا الماعندو حق الأكل ممكن يكون عندو حق العلاج؟!!

نعود لحوارنا مع الاخصائي الذي فاجأنا بطلب أشعة مرة أخرى للصدر ، وقلنا للدكتور عملناها ، وكان  رده  بالحرف الواحد : أنا ما مسئول من حاجات أنا ما طلبتها، وبالطبع مجبر أخاك لا بطل لأنه غير مسئول عما طلبته دكتورة في الطواريء.. يعني ضمنياً طلبت  أشعة ما ضرورية!! ، دفعنا مرة أخرى للأشعة.. المهم حتى الآن دفعنا (1515000)مليون خمسمائة وخمسة عشر  جنيهاً فقط لا غير ، وبعدها قرر الاخصائي دخول مريضنا للإنعاش، والمفاجاة أنه لتكملة إجراءات إدخاله طُلب منا توريد (4000000) أربعة ملايين جنيه ، وذهبنا للأخصائي، وفجأة صرخنا: يا دكتور دي حالة طارئة .. انتو شلتوا كل الكان في جيوبنا نسوان ورجال ، ومنو عندو هسه أربعة مليون ليكم؟!! وأجاب: والله دي مسائل إدارية اتكلموا فيها مع الادارة، وعموماً كدي انتظروا نتائج تحليل الدم!! ، طبعاً تحليل الدم كان الساعة 7:35 م وأخبرونا أن النتيجة ستظهر بعد ساعتين ، المهم وبعد ساعتين راجعنا المعمل ولم تظهر،  استلمناها بعد ثلاثة ساعات، ودي طبعاً حالة طارئة قعدت 3 ساعات بس!! .. أكرر لاحظوا أن هذه حالة طارئة وأقسم بالله أن هناك أكثر من (200) حالة فحص عينات والمعمل ما ملاحق من كثرة الشغل والمحاسبة من استلام التكلفة!!!!

وتطوع جار مريضنا في المنزل، بعد أن انخلع من هول المبلغ المطلوب كتأمين وقرر يمشي أتكلم مع مدير المستشفى حيث اتضح أنه ابن عمه!! ، جاءنا بعد نصف ساعة بخفي حنين قائلاً: " بعد الترجي وشرح وعرض الحال  أخبره أنه يمكن أن يخفض 10% وقاليهو  دي ما حتعمل ليهم حاجة خاصة إن تواصل بقاؤه  في الانعاش لخمسة أو ستة أيام"!!!

أصر مريضنا ورفض جازماً دخول المستشفى نظير هذه الشروط المالية التعجيزية وترحم على الطب وأهله في زمان الانسانية الجميل ، واختار طوعاً ولضيق ذات اليد أن يموت في البيت حزناً على ما آل إليه حال الطب والطبابة في بلادنا ، إذ أصبح سلعةً تباع وتشترى، وزي ما قالوا أهلنا في شمال الوادي (الماعندوش وما يلزموش)!! ، اقترحت على الجميع أن ننتظر نتائج فحص الدم والبول، وأن نراجع الأخصائي ليلخص لنا تشخيص الحالة، وفعلاً ذهبنا ووقفنا في الطابور ، ودخلنا ، وأخبرنا بأن  كل الأشعات نظيفة والالتراساوند كمان بس ظاهر أنو في غازات في البطن وأن تخطيط القلب ما واضح عشان كده أحسن نرقدوا – كمان دفعنا تكلفة تخطيط القلب -، ولكين أحسن تنتظروا نتائج تحليل المعمل " حتى تكتمل الصورة " مع الاعتذار للأخ الطاهر التوم!!  .. المهم  ظهرت نتائج المعمل وكل المؤشرات أكدت أن وظائف القلب والكلى والقلب كما قال لنا الاستشاري طيبة وجيدة!!  عموماً أحسن يدخل المستشفى، وقلنا ليهو ما عندنا أربعة مليون ورد طيب  إنتو حتودوهو وين هسه؟! ، قلنا ليهو " طواريء مستشفى ..... يمكن تكون أرخص!!) ورد : ما ديك رضو مستشفى خاص!! ، عارفين يا دكتور بس إمكن تشفق علينا أكتر من هنا!!

ثم سألنا الاخصائي بطيبة أهلنا الغُبُش: طيب يادكتور  بعد ما دفعنا كل القروش دي مريضنا تشخيص مرضو شنو؟!! .. المهم كتب لنا تقرير  وعلاجات واجراءات تلزم دخوله المستشفى ، وكررت سؤال مباشر للأخصائي أن يحدد لنا الحالة المرضية، وقال بالحرف الواحد بعد كل الفحوصات والاشعتان وتخطيط القلب والالتراساوند : تقريباً ( Most likely (شد عضلي في الظهر  وغازات في البطن!! .. لما سمع مريضنا التشخيص دا طلب مننا نوديهو البيت وفي الطريق نقيف ليهو عند أي صيدلية وطلب أن نحضلا له حبوب فحم ، ثم بلع مريضنا حبتين ( فحم)!!

إمتدت هذه التراجيديا من الخامسة والنصف مساءً لنعود للمنزل الساعة( 11) ليلاً وقد شفا الله - له المنة والثناء الحسن وبحوله وقوته - بحبتين فحم ولزقة عملناها ليهو في الضهر!!

هذه تجربة مررنا بها ونحن نعتبر من الطبقة التي كانت " متوسطة" والتي جذبتها " طبقة الفقر" بجاذبتها القوية ، ولذلك تمت خصخصت الخدمة الطبية!! ، فكانت النتيجة أن نحلب دم الفقراء والمساكين وأبناء السبيل .. وأرجو أن لا نفكر في خصخصة بنوك الدم عشان لما ما يلاقو دم يحلبوه، تبيع لهم الدم بعد أن حلبته منهم .. أيها السودانيون الموت مصيركم فجهزوا أكفانكم وحفر قبوكم مقدماً، إن كان يتوفر لكم قيمتها .. والله المستعان .. وسلامتكم من المرض!!

zorayyab@gmail.com

نقلاً عن جريدة الصحافة

 

آراء