إبراهيم الشيخ مآلات الصراع و تناقض الخطاب

 


 

 

أن الصراع بين القوى السياسية فيما بينها لا تحكمه شروط عملية التحول الديمقراطي التي تنادي بها، أو تحاول أن تظهره في الشعارات التي تصدرها، بل تتحكم فيه المصالح الحزبية و الرغبات الخاصة، الأمر الذي يجعل الأزمة ( محلك سر) و هنا لا اتحدث عن الصراع بين المدنيين و العسكر، بل أتحدث عن صراع القوى المدنية و تنافسها للوصول مرة أخرى للسلطة رغم أن تجربة الثلاث سنوات أكدت أن صراع القوى المدنية من أجل استحواذ السلطة سوف يعطل إجراءات تكوين المؤسسات الداعمة للديمقراطية. المسألة الثانية أن صراع المصالح سوف يجعل اللأجندة الوطنية في مرتبة دونية، و هي تجربة الثلاث سنوات الماضية.
قبل الدخول في إفادات الأستاذ إبراهيم الشيخ القيادي في حزب المؤتمر السوداني و ( قحت – المركزي) التي جاءت في اللقاء الذي كانت قد أجرته معه جريدة ( الجريدة) يوم الجمعة 14 ابريل 2022م، يجب التطرق لقضيتين مهمتين ينطلق المقال منهما. الأول فالرجل استطاع أن يجاوب على أسئلة الجريدة المتعددة التي طالت العديد من القضايا بوضوح كامل. الثاني لم يشرح الشيخ الحصار الذي ضربه الحزب الشيوعي على القوى السياسية و يقيدها به، أن الزملاء صنعوا لهم طريقا سياسيا Political track)) الزموا القوى السياسية أن لا تخرج عنه يتمثل في ( أن تكون القوى السياسية تحت وصاية (لجان المقاومة – الاءات الثلاث) رغم أن القووى السياسية مناط بها تقود العملية السياسية و يسندها الشارع، و القوى السياسية يجب أن تتحرر من كل القيود لكي تستطيع أن تدير الصراع بأفق أوسع، و هي مطالبة أيضا في ظل الصراع أن تغيير تكتيكاتها و أدواتها بهدف إحداث أختراق في الجانب الأخر أو تطويعه من أجل التجاوب مع أطروحاتها.
في الإجابة على سؤال المطالبة بالاعتذار قال إبراهيم الشيخ "المطالبة بالاعتذار صدرت من وقت باكر، لكن لا أتصور أن قوى الحرية والتغيير ارتكبت خطيئة، كل المجموعات التي تطالب الحرية والتغيير بالاعتذار كانت شاهدة على الوثيقة الدستورية والمفاوضات التي جرت مع المكون العسكري وعلى إعلان الحكومة الأولى وعلى مجلس السيادة، وكذلك شاهدة على البرامج المختلفة التي صدرت عن الحرية والتغيير والحكومة الأولى والثانية، والعمل السياسي ليس به خطيئة كبيرة مارستها القوى المكونة للحرية والتغيير، وكل الأطراف حتى التي تتخذ موقفاً حاداً كانت شريكة، وعندما تنظر لمن قادوا التفاوض تجد كل هذه المجموعات حاضرة" أن المطالبة بالاعتذار هي طلب الحزب الشيوعي جاء على لسان العديد من القيادات في الحزب الشيوعي، الهدف من ذلك أن تعترف ( قحت المركزي) بتحملها أخطاء فترة الثلاث سنوات الماضية، و تكون تبرئة للشيوعي رغم مشاركته في هذه الفترة و يتحمل مسؤولية الأخطاء فيها مع الأخرين. لكن ( قحت المركزي) مادام هي حاضنة سياسية يجب أن تقدم تقيما لفشل الثلاث سنوات، و لماذا أخفقت في توجيه السلطة التنفيذية أن تكون أكثر حرصا لتكوين المؤسسات التي تدعم عملية التحول الديمقراطي ( قحت المركزي) وافقت أن يكون مجلس الشركاء بديلا ( للمجلس التشريعي) هي التي قدمت فرصة ثمينة لاستمرار العسكر في المشاركة في عملية التشريع المطلوبة للفترة الانتقالية. اليست هذه أخطاء في نظر الشيخ، اليس الديمقراطية تطالبكم أن تقدم تقييما للفترة السابقة بكل شفافية. و لمصلحة الاجيال الجديدة.
و في ذات الموضوع يقول الشيخ أيضا " لكن الدعوة للاعتذار كلمة حق أريد بها باطل والهدف الأساسي إقصاء الحرية والتغيير من المشهد تماماً، وهذه أشواق موجودة عند المكون العسكري وعند مجموعة الميثاق الموالية للانقلاب وكذلك موجودة عند الحزب الشيوعي وبعض لجان المقاومة، وبعض المهنيين الموالين للحزب الشيوعي، كل هذه المجموعات ترى بأن الفرصة سانحة لاقصاء الحرية والتغيير، والحرية والتغيير بتركيبتها الموجودة في المجلس المركزي" أن هذا الحديث فيه شيء من السذاجة السياسية، هل كان الشيخ يعتقد أن انتصار الثورة يعني ذلك نهاية الصراع السياسي، و الكل سوف يقدم ل ( قحت المركزي) فروض الولاء و الطاعة. المشكل أن بعض القوى أعتقدت أن وجودها في السلطة يعطيها شرعية و مناصرة ضد قوى تشكل لها تحدي في المجتمع، ولهثها وراء السلطة في فترة الثلاث سنوات لم يكن بهدف انجاز عملية التحول الديمقراطي. بل فرصة لبناء مؤسستهم السياسية. حتى الحزب الشيوعي الذي حاصركم بقيوده، أيضا ليس في مصلحته قيام قوى جديدة تنافسه في ساحة سياسية. كانت الساحة سوف تسمح له أن يقول هو الحزب التقدمي الوحيد في مواجهة الطائفية و الإسلاميين. رغم أن الأخرين ( الطائفية و الإسلاميين) يدركون أن الشيوعي تأثيره محدود في الساحة بعد الانتخابات، خاصة أنه يعمل من خلال واجهات سوف تغيب في المرحلة القادمة، عندما تقام الانتخابات في النقابات و الاتحادات. فالحرية و التغيير كان يجب عليها أن تدرك أن الديمقراطية صراع مستمر، لذلك كان عليها أن تكون المثابرة من أجل تشكيل المؤسسات الداعمة للديمقراطية.
و في محطة أخرى يقول إبراهيم الشيخ "كان حمدوك يتحدث عن التجربة السودانية الفريدة والشراكة القائمة بين المكون العسكري والمدني وضرورة الالتزام بهذه الصيغة وبالوثيقة الدستورية وصولاً للانتخابات، لكن بصورة واضحة، العساكر لم يكونوا أمينين على الوثيقة ولم يكونوا مؤتمنين ولا حريصين على المضي للأمام بالوثيقة الدستورية والفترة الانتقالية حتى الوصول لانتخابات، ونحن مررنا معهم بتجربة فض الاعتصام وتجاوزناها حتى صرنا متهمين بأننا بعنا الدم (بي كم بي كم قحاتة بعتوا الدم)" هنا كان على الشيخ أن يفصل بين رؤية حمدوك و بين رؤية العسكر. أن العسكر تمددت أرجلهم من خلال الفراغات التي خلفها المدنيين، و أيضا استفادوا من الصراعات وسط المدنيين. حمدوك رغم أنه لم يقدم نفسه كسياسي لكنه كان مدركا أن الصراع الدائر في السلطة سوف يكون خصما على العملية الديمقراطية. و كان يؤكد على الشراكة بين العسكريين و المدنيين لأنه كان أيضا مدركا أن هذه الشراكة كانت كتجربة سياسية وجدت استحسان في المجتمع الدولي، و هي التي فتحت له أبواب عديدة في أمريكا و أوروبا لدعم الفترة الانتقالية، حمدوك لم يكن جزءا من صراع السلطة لأنه كان مستوعبا أن رئاسته لمجلس الوزراء مقيدة بالفترة الانتقالية. و ظهر ذلك في مبادرته التي شرح فيها الوضع المتشظي إن كان وسط المدنيين أو العسكريين و العسكريين و المدنيين. حتى إذا كان حمدوك قد اخطاء. يجب أن تسأل عن الخطأ الحاضنة السياسية باعتبارها المتابعة و المراقبة لأداء السلطة التنفيذية، و معرفة هل سوف تستطيع أن تنجز الأهداف أم حادت عن الطريق. لكن الحاضنة لم تقوم بهذا الدور، بل كانت مستوعب في صراع جانبي.
حول تعدد المبادرات قال الشيخ "هناك تباينات وتعدد مبادرات ومواثيق، وحزب الأمة طرح ميثاق ومبادرة، وتم دمجها في الرؤية الكلية للحرية والتغيير، باعتبار أن حزب الأمة طرف ومكون أصيل في المجلس المركزي للحرية والتغيير، والاتحادي الأصل نحن في الحرية والتغيير لسنا معنيين به وبمبادرته، ولم تطرح مبادرته لنا في المجلس المركزي، وأعتقد أن الاتحادي الأصل بموجب الوثيقة الدستورية التي أبرمناها" هنا يحدث التناقض في الخطاب السياسي لقيادات ( قحت المركزي) يتحدثون؛ أن العسكر قد مزقوا الوثيقة الدستورية، و أصبح لا وجود لها، لذلك يرفضون أي شراكة مع العسكر. لكن عندما تكون الوثيقة مع خصوم سياسيين يرجعون للوثيقة الدستورية. أن الصراع السياسي بين المكونات السياسية سوف يستمر، و سوف تنتهي تحالفات و تؤسس تحالفات جديدة وفقا للبرامج و المصالح. و قضية الصراع بين الأحزاب و فروعها و أصولها الأخرى سوف تستمر و تحسمه الانتخابات القادمة. لكن السؤال للشيخ القيادي في حزب المؤتمر السوداني هل أنت مع الوثيقة الدستورية أم تعتقد أن الوثيقة قد سقطت و انتهت بانقلاب 25 أكتوبر؟ إذا سقطت الوثيقة و أنتهت ليس لك الحق تثيرها من أجل إقصاء الأخرين. و إذا تعتقد أنها موجودة تصبح عملية الشراكة قائمة.
عندما سئل الشيخ عن قبولهم للحوار مع العسكر قال "إذا أوقفوا العنف ورفعوا حالة الطوارئ وتشكلت لجنة للتحقيق في الاغتيالات وتشكيل محاكم ومحاسبة القتلة، لو تم ذلك، الخطوة التالية سينتقل الناس لبحث كيفية التحول للدولة المدنية وتسليم السلطة للقوى المدنية وعودة الجيش إلى الثكنات.لشراكة و المساومة السياسية مع العسكر قائمة." مشكلة الحرية و التغيير وقعت في الحبائل التي نصبها الحزب الشيوعي في طريقهم. و الذي يقوله الشيخ في الحوار، أفضل أن يقوله على مائدة الحوار بصورة مباشرة و علنية لكي يفتح المنافذ للحل، السياسة تريد الإقدام الوعي و الجريء، و من حق القوى السياسية أن تفاوض و تحاور و تستخدم كل أدواتها التكتيكية لكي تحدث أختراقا في الأزمة، و السياسة مهمتها أن تزيل القيود و العوائق التي تعترض طريقها، و ليس تضع هي القيود على حركتها.
في المحطة الأخيرة: ما هو الحل للأزمة: يقول الشيخ "المنصة الوحيدة التي من شأنها أن تنقل البلد من مأزقها الراهن هي مبادرة فولكر المدعومة من الاتحاد الافريقي وهي مبادرة أممية معبرة عن مجلس الأمن وعن الأمم المتحدة والايقاد والاتحاد الأوربي وعن الأمريكان والمحيط الاقليمي من السعودية والإمارات ومصر وكل هذه الجهات تلقي بثقلها وتراهن على مبادرة فولكر التي تشكل المنصة الوحيدة المتاحة للانتقال للدولة المدنية." جميل أن يؤكد الشيخ على المبادرة الأممية باعتبارها المخرج من الأزمة. و التأكيد عليها بقوة و تبنيها هو الخروج من حصار الزملاء على القوى السياسية. لكن محتاج المؤتمر السوداني ان يخرج من الشرنقة التي وضع نفسه فيها بسبب الانصياع للضغوط التي يمارسها الزملاء، و كان المتوقع أن يلعب المؤتمر السوداني الدور المساند لعملية التحول الديمقراطي في البلاد، و يكون هو القوى الجاذبة للأخرين لمحور الديمقراطية. و تبني المبادرة بينقل الصراع لمحطات متقدمة تدعم عملية التحول الديمقراطي في البلاد بشروط التوافق الوطني و ليس بشروط حزب يريد أن يسيد نفسه على المسرح السياسي. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////////

 

آراء