إذا المجلودة سُئلت باى ذنب جُلدت
من واشنطن للخرطوم
عبد الفتاح عرمان
fataharman@yahoo.com
• قل للذين يوزعون الظلم باسم الله في الطرقات/إن الله في نار الدموع وفى صفوف الخبز/ والعربات/ والأسواق/والغرف الدمار/البحر يا صوت النساء الأمهات/القحط ياصمت الرجال الأمهات/الله حى لايموت".*
لم يتبق على إنفصال الجنوب سوى أقل من شهر واحد. والحرب في دارفور ما زالت مشتعلة ما بين الحكومة والحركات المسلحة، وهي مؤهلة لأن تكون أكثر ضراوة بعد إنفصال الجنوب وعودة مني مناوي بقواته إلى الميدان في دارفور مزودا جيشه بالعدة والعتاد على حساب خزينة الدولة السودانية. وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان في إنتظار المشورة الشعبية التي غالبا ما تنتقل من مواجهة إعلامية ما بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الشمالية (بعد إنفصال الجنوب) لمواجهة عسكرية دامية، بعد أن يكتشف أبناء الولايتين بأن المؤتمر الوطني قد باع لهم الطير في الهواء. ستكون مواجهة تذهب بما تبقي من دولة الشمال الإسلاموية إلى جوار دارفور التي تطالب بتقرير مصيرها اسوة بجنوب السودان؛ والسفير دان سميث سيكمل المرحلة التي بدأها الجنرال غرايشن تارة بالجزر وتارة اخرى بالعقوبات على نظام اصبح رئيسه مستعد أكثر من اى وقت مضي لتقسيم السودان لعدة دول في سبيل أن يحصل على تعهد وصك دولي يُبعد عنه سيف المحكمة الجنائية الدولية الذي وضعه في الحبس الإجباري؛ بأمر من دول الإستكبار الكافرة المتجبرة! التي كان يتغني جهابزة النظام بدنو عذابها ردحا من الزمان...و من يري مصير طاغية العراق الراحل صدام حسين يأتيه حديث الغرب الذي لا ريبة فيه أن من يسوم شعبه سوء العذاب، ويناطح قويً دولية لا قبل له بها حتما سوف يوهن قرونه؛ ويتم إخراجه من حفرة مثل غيره.
هذه الحكومة رأسها (ملخبط) وفي حوجة ماسة إلى من يعدله لها –اى رأسها- حتي تستطيع ترتيب أولوياتها؛ لان ما يمر به السودان اليوم من مخاض عسير يفوق عام الرمادة بكيل بعيرين، فبدل التركيز على حل القضايا العالقة والحفاظ على ما بقي من السودان الفضل –بعد إنفصال الجنوب- تفتح الحكومة معركة اخرى مع الفتيات والنساء، وهي رسالة لمعشر الرجال ايضا لاسيما المعارضين منهم، مفادها: طالبان السودان قادمون.. وعلى الكل أن يرعي بقيده، والكرباج لمن أبى.
منذ أن رأيت (فتاة الفيديو) تُجلد بالسياط و(الكرابيج) من قبل شرطيين كانا ينفذان أمر قاضِ بدأ مهموما لأمر العقاب وإذلال الفتاة وتحطيمها نفسيا تارة بالضحك، وتارة اخرى بالتهكم عليها وسط جمرة من الناس (ليشهدوا عذابها)؛ حاولت الكتابة حول هذا الأمر الذي قطع نياط قلبي، وجعلني اصحو من نومي بعد منتصف الليل لعدة ليالٍ خلت متصببا بالعرق كما يتصبب المريض من الحمي، لأن هذا الفيديو لو رأته اى نفس بشرية سوية لهالها ما رأت من ظلم الإنسان لاخيه الإنسان الذي كرمه الله في البر والبحر. لذلك قامت قناة السي إن إن (CNN) الإخبارية واسعة الإنتشار التنوّيه على مشاهديها بما يحمله الفيديو من فظاعات حتي لا تتحمل القناة مسؤولية إزاء مشاعر مشاهديها.
حاولت الكتابة مرارا حول أمر الفيديو لكني في كل مرة اقوم بمسح ما خطته يداي، لان ما تعرضت له هذه الفتاة يفوق كل شىء، وليس هناك لغة في الأرض تستطيع أن تعبر عن ذلك المشهد؛ لكني إستجمعت قواي وتوكلت على الحي الدائم، سيما أن ما حدث كان واضحا وقويا ولا يحتمل الكلام (النص كم)... وبلاش الكلام المغطغط وفاضي وخمج.
حاولت صحف وأجهزة إعلام النظام ومشايخه التبرير للنظام بتحويل أنظار الناس عن حادثة الجلد في (حوش) الشرطة إلى ما قامت به الفتاة! لا يهم الجرم الذي إرتكبته الفتاة لكن ما يهمنا من القضية طريقة الجلد الوحشية والهمجية من قبل الشرطيين وتحت أنظار القاضي في حضور ثلة من المؤمنين حتي يشهدوا عذابها!. ما حدث هو علامة من علامات الحضارات وأنظمة الحكم الفاشية البائدة؛ فهو لا يدل على قوة الدولة بل على خوفها وعجزها وفشلها. وأسالوا عبد الحي يوسف الذي قال للمصلين يوم الجمعة الماضية أن طفلين لقيطين يتم العثور عليهما بصورة يومية في عاصمة المشروع الحضاري؛ ودار المايقوما للأطفال مجهولي الأبوين تقف شاهدا على هذا (المشروع) الطلع خازوق.
على الحكومة إلغاء قانون النظام العام والتفرغ لبناء دولة المواطنة في ما بقي من السودان الشمالي، ليس بجلد النساء وإنما بإكرامنهن؛ وكما قال رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم: "ما أكرمنهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم". وإلا عليهم أن يربطوا الأحزمة لمصير أسوا بكثير من مصير الصومال.
ومن أراد تطبيق شرع الله فليبدأ بتقارير المراجع العام عن القطط السمان التي تطاولت في البنيان للدرجة التي طالت ديوان الزكاة نفسه! ومن سرقوا قوت اليتامي والمساكين والأرامل. وليحاكموا من قتلوا عشرات الآلاف في دارفور، لاسيما أن الله حرّم عليهم قتل النفس المسلمة بغير حق.
*من قصيدة (غناء العزلة ضد العزلة) للشاعر الفذ الصادق الرضي.