إرهاصات زوال نظام الإنقاذ !

 


 

ثروت قاسم
11 July, 2012

 



Tharwat20042004@yahoo.com


1 – مقدمة  !
اليوم الأربعاء   11  يوليو 2012 ، يدخل مشوار الإطاحة بنظام البشير يومه ال 27 ! فقد بدأ بمظاهرة طالبات الجامعة مساء السبت 16 يونيو 2012 ، وتوالت المظاهرات والوقفات الإحتجاجية والإعتصامات على مدار ثلاث جمع مفصلية : الكتاحة ، ولحس الكوع ، وشذاذ الآفاق !
وسوف تتوالى الجمع حتى سقوط النظام !
أيام الجمع كانت بمثابة أدوات التواصل الإجتماعي ( فيسبوك وتويتر وغيرهم ) ، بحشدها للمتظاهرين في مكان محدد ( الجامع ) وزمن محدد ( صلاة الجمعة ) ! ذلك أن استعمال الإنترنت في السودان لا يزال متعثرا لأسباب اقتصادية ضمن أسباب أخرى متعددة !
14 مدينة حول العالم شاركت في المظاهرات والوقفات الإحتجاجية !
في  يوم الأربعاء 4 يوليو 2012 ، اعتمد تحالف قوى الإجماع الوطني  ( 19 حزب سياسي  ومنظمات سياسية وفئوية )  البرنامج الديمقراطي البديل الذي دعمه تحالف كاودا الثوري!
المظاهرات المستدامة والبرنامج الديمقراطي البديل كانتا بمثابة الحجر الذي وقع من عل في بركة السياسة السودانية الراكدة ! أحدث وقوع الحجر موجات راحت تنداح من المركز الى أطراف البركة !
نحاول أن نراقب اندياحات هذه الموجات ، ونستعرض تداعياتها على المشهد السوداني في أربع  نقاط ، كما يلي :
أولا :
من أهم نتائج المظاهرات الإنذار الذي قدمه ، على استحياء وبأدب جم ، مبيكي للرئيس البشير !
قال :
تبقي 28 يوما فقط على الموعد الذي حدده  مجلس الأمن ( الخميس 2 أغسطس 2012) ، للإنتهاء من المفاوضات بين دولتي السودان ، في أديس أبابا ، في اطار القرار 2046 ، حول المسائل العالقة بينهما ! وبعدها العصي لمن عصى !
والعصي قد تشمل تفعيل أمر القبض اللعين !

رأى الرئيس البشير أن له عدوا واحدا أحد ، ودقشة خصوم ! الخصوم مقدور عليهم ، أما العدو فلا !
العدو هو الشعب السوداني ممثلا في قواه السياسية ! ذلك أن هذه القوى تسعى لإحلال دولة الوطن ، مكان دولة حزب المؤتمر الوطني ، وتسعى للتحول الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة ! وهذه كلمات دلع للإطاحة به من فوق كرسيه ، وتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية !
المظاهرات والبرنامج  الديمقراطي البديل هما أجراس الخطر التي بدأت تدق في آذان الرئيس البشير !
أما الخصوم المقدور عليهم ، كونهم لا يسعون للاستيلاء على كرسيه ، فأولهم حكومة جنوب السودان ، وثانيهم الحركة الشعبية الشمالية !
عليه ، وبناء على انذار مبيكي الناعم ، قرر الرئيس البشير لحس كل كلاماته السابقة  وأصدر أوامره لفريقه المفاوض في أديس أبابا ، بأن ( يجروا واطي ) ويرفعوا الراية البيضاء !
وبناء عليه :
+ وافق الرئيس البشير على قبول خريطة مبيكي الحدودية ، التي تم رسمها على أساس المعادلة العشوائية (أجمع وأقسم على 2 ) ، مع ابداء بعض التحفظات عليها !
يجدر الذكر أن هذه الخريطة تضع أبيي داخل حدود دولة جنوب السودان ، مقابل وضع هجليج داخل دولة شمال السودان ، وكذلك بالنسبة لبقية المناطق الثمانية المتنازع عليها !
عبدالرسول النور وبهائمه ؟ البركة فيكم !
+ قرر الرئيس البشير مناقشة جميع الأمور العالقة بين دولتي السودان في حزمة واحدة ، وفي لجان متوازية ، تعقد اجتماعات متوازية في نفس الوقت ، للوصول الى حلول قطعية بعد استئناف المفاوضات يوم الخميس 12 يوليو 2012 ، وبحلول يوم الخميس 2 أغسطس2012( فترة 3 أسابيع فقط لا غير)!
توقفت المفاوضات لأسبوع لإعطاء وفد الجنوب فرصة للمشاركة في احتفالات انفصال ( استقلال ؟) الجنوب !
تراجع الرئيس البشير عن اصراره على الإنتهاء من ملف الأمن أولا قبل البدء في معالجة الملفات الأخرى!
+ وافق الرئيس البشير على وقف العدائيات ، وايقاف رمي القنابل العويرة من طائرات الأنتونوف على أراضي دولة جنوب السودان !
+ وافق الرئيس البشير على استئناف المفاوضات مع الحركة الشعبية الشمالية ، على أساس اتفاق مالك عقار – نافع ( أديس أبابا – يونيو 2011 ) ، الذي رفضه الرئيس البشير وقتها ، ونقضه بعد أقل من 24 ساعة على توقيعه !
هذه الموافقة ربما كانت أول مسمار في نعش تحالف كاودا الثوري ، وانفصال الحركة الشعبية الشمالية من حركات دارفور الحاملة للسلاح !
سوف يصبح الرئيس جبريل ابراهيم أباطه والنجم ، بعد أن يهجره مالك عقار ، ويقلب له الرئيس سلفاكير ظهر المجن !
+ وافق الرئيس البشير على السماح لمنظمات الإغاثة الدولية بتقديم الإغاثات الإنسانية ، والأمصال ، والأدوية ، والمياه الصالحة للشرب ، للنازحين من شعوب النوبة والأنقسنا  في مناطق نفوذ تحالف كاودا الثوري !
+ ووافق كذلك على السماح للتجارة البينية بين دولتي السودان ، واطلاق سراح التجار الشماليين ، الذين حكمت عليهم المحاكم  بالسجن لمدد تجاوزت العشر سنوات ، مع مصادرة بضائعهم !

تحسر الرئيس البشير على غياب معالي الفريق صديق محمد اسماعيل ودراويشه ، الذين كان يستعملهم (هوابة ) أمام جماهير الشعب ، ويرقص معهم رقصة الفيل والفأر ، وأحيانا رقصة الأفاعي في حوار عبثي أم ضبيبيني ماركة 85% ، لذر الرماد في عيون الأمة، وتخديرها ، لتنتظر حلة ملاح تغلي في النار وهي فارغة !
ظهرت في الصورة ، بعد المظاهرات والبرنامج الديمقراطي  ، الكنداكة ، وهي بعد مبصرة ، بصر وبصيرة ، مما اقض مضجع  الرئيس البشير !

من الموجز أعلاه  ،  نعرف  أن المحصلة النهائية لنتيجة المظاهرات والبرنامج الديمقراطي البديل  ، كانت  تقديم  الرئيس البشير لعدة  تنازلات جوهرية ، ولكن في الإتجاه  المعاكس لأشواق الشعب السوداني ، كونها لا تمس كرسي السلطة !
ثانيا :
أوقعت المظاهرات والبرنامج الديمقراطي البديل الرئيس البشير في ثنائية الربيع العربي القاتلة  التي راح ضحيتها زين العابدين بن علي ، ومبارك ،  والقدافي ، وعلي صالح !  وبشار الأسد في الطريق !
هذه الثنائية عنوانها :
+ ( قوة الرأس ) والعناد ، واستخدام القوة الفظة ، واستخدام الرباطة ، والمجاهدين الحقيقيين (الدبابين ) لقمع المتظاهرين ونشطاء حقوق الإنسان والسياسيين ، واعتقالهم في ظروف غير انسانية !
ومن جهة ثانية مقابلة ومدابرة  :
+ التهوين من شأن المظاهرات ، ووسم المشاركين فيها بشذاذ الآفاق والشماسة والعاطلين ، الذين لا تتجاوز أعدادهم حاجز ال 400  من الأطفال المغرر بهم ! 
هذه التوصيفات  تعيد الى الذاكرة توصيفات زين العابدين بن علي ( كرابول = مجارمة ) ، ومبارك  ( عيال وارهابيون ) ، والقدافي ( الجرذان ) ، وعلي صالح  ( بلاطجة ) ، وبشار الأسد  ( مرتزقة  مندسين ومتآمرين )  ، للمتظاهرين الشرفاء في بلدانهم الثائرة !
يشرح  الكاتب المصري عبد اللطيف المناوي، هذه الثنائية القاتلة  في كتابه المقروء ( الأيام الأخيرة لنظام مبارك) ، ويوضح كيف تؤدي  إلى تضييع الفرص من جهة ، وإحكام طوق الأزمة على رقبة الفرعون  من جهة أخرى، حتى ينتهي إلى ذات السبع أبواب :
هاربا كما في حالة زين العابدين ، أو مسجونا  في حالة مبارك ، أو مقتولا في حالة القدافي ، أو معزولا في حالة علي صالح !
ويشير المناوي في كتابه الى أن أس الداء يقع على عتبة المحيطين بالفرعون ، الذين لا يقولون للفرعون إلا ما يحب أن يسمع ، ويزينون له قبيح أعماله ، ويعيرون معارضيه بالسجمانين ، ويطبلون له ، ويلعقون أحذيته ، فيؤمن بأنه حبيب الشعب ومعبود الجماهير ، فيزداد في غيه وظلمه وسفهه  ، حتى تقع الواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة !
ثالثا :
في محاولة  للخروج  من أزمة المظاهرات والبرنامج  الديمقراطي البديل ، أعلن الرئيس  البشير، خلال خطاب جماهيري في احتفال ديني بليلة النصف من شعبان، ألقاه في منطقة ود الفادني شرق الخرطوم، عزمه تشكيل لجنة انقاذية ( ادعى أنها قومية تمثل كل الأحزاب والطوائف !)، لوضع دستور إسلامي جديد (بعد 23 سنة من حكمه الإسلامي ؟ ) ، مؤكداً أنه سيكون إسلامياً ( بنسبة مئة في المئة )  ، ومثالاً للدول المجاورة ! واعتبر أن :
(  الذين يحاصروننا ، حاصرونا لأننا قلنا لا إله إلا الله ، وتمسكنا بالشريعة الإسلامية! (
خاطب الرئيس البشير الشعب السوداني ،  المتدين  فطريا ،  مؤكدا أن أحكام  الشريعة العقابية   ،  من جلد ، وقطع ، وبتر ، وصلب ، ورجم   سوف يتم تطبيقها على الكافة ! ركز الرئيس البشير على الأحكام العقابية في الشريعة ، ونسي أو تناسي مبادئ الشريعة وما فيها من عدالة ورحمة وتسامح !
ولم يقرأ أنهم  فى تونس ( كلها مسلمين تقريبا ، بعكس السودان ) قرروا الإكتفاء بالنص فى الدستور على أن الإسلام دين الدولة ، واستبعدوا أي ذكر لمسألة الشريعة ( بمبادئها السمحة وأحكامها العقابية على السواء )  في مفردات الدستور ! وفى تفسير ذلك ، قال الشيخ راشد الغنوشى رئيس حركة النهضة إن النص على أن الإسلام دين الدولة يكفى فى تحديد هويتها وانتمائها الدينى! وأضاف أن حركة النهضة  حين وجدت أن النخب التونسية وقبائل  المثقفين حساسة إزاء مسألة الشريعة، فإنها قررت استبعاد الإشارة إليها تجنبا للشقاق وحفاظا على الوحدة  الوطنية التونسية !
الشيخ الغنوشى حين اختار هذا الموقف فإنه فكر بعقل السياسى المسئول الذى يحسن قراءة الواقع ، ويضع وحدة الوطن نصب عينيه ! أما سادة الإنقاذ فأنهم غير معنيين بالوحدة الوطنية ، ويركزون على شعارات غوغائية  لاعلاقة لها بالواقع ولا بالوطن !
والفرق بين المنهجين يعكس الفرق بين نور النهار وعتمة الليل !
رابعا :
يتمنى عبداللطيف المناوي في كتابه المذكور أعلاه أن يرى في تطبيقنا العربي ما سماه بـإعلام ( المجتمع ) أو (الدولة) ، وليس إعلام ( الحاكم )  أو ( السلطة ) السائد حاليا !

قام النظام بإغلاق الصحف المهنية ، بالإضافة  لسنسرة قبلية  لبقية الصحف !  كما مارس  تكميم  واعتقالات ومحاكمات عشوائية  لنبهاء الصحفيين والمصادمين من الكتاب !
بعد المظاهرات والبرنامج الديمقراطي البديل اختار النظام لتطويع وتغبيش الإعلام ملوك التدليس والإفك والكذب الأشر بدم بارد ، كما انعكس في تعديله الوزاري الأخير ( الإثنين 9 يوليو 2012 ) ! وكما انعكس كذلك في الكذبة البلقاء التي نشرتها صحيفة آخر لحظة الإنقاذية ( عدد يوم الأثنين 9 يوليو 2012 ) مدعية أن المكتب السياسي لحزب الأمة منع خروج المظاهرات من المساجد لحرمتها !
كذبة سوف تتبعها كذبات في عالم ما بعد المظاهرات !

نواصل ..

 

آراء