إستبقاء أستاذ الجامعة والطبيب!!؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وجهة نظر
في إحتفالية أقامتها الجامعة الوطنية بمناسبة نيلها الإعتماد من مؤسسة الإعتماد البريطانية كأول جامعة سودانية تنالها في العالم العربي وشمال أفريقيا وبحضور بعض السفراء ومدراء بعض الجامعات السودانية وعمداء بعض الكليات وبحضور الأستاذ أحمد الطيب الأمين العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والسيد بروف الزين كرار رئيس المجلس الطبي السوداني وبروف عثمان طه رئيس مجلس التخصصات القومي السوداني السابق و لفيف من الأساتذة في كليات الطب المختلفة وفي جو أسري علمي فرائحي تبادل الجميع وجهات نظرهم في ما وصلت إليه الجامعات السودانية من أسباب محبطة أدت إلي هجرة معظم الأساتذة حتي صارت قفرا يباب يقوم بالتدريس فيها قلة قليلة لا تفي بمتطلبات العلم ولا بتقديم خدمات طبية متميزة كما كانت صورة الجامعة السودانية إلي وقت قريب حيث كانت الجميلة ومستحيلة-جامعة الخرطوم- يشار لها بالبنان في كل العالم وكانت مرجعا علميا واداريا وثقافيا وحضاريا ومنارة سامقة تتفاعل مع المجتمع وقضاياه بل وتتفاعل مع قضايا العالم العربي الأفريقي.
اليوم السودان وبعد ثورة التعليم العالي صارت الجامعات عامة أو خاصة علي قفي من يشيل ربما وصلت إلي اربعين جامعة وأكثر من ثلاثين كلية طب ، ولكن نتساءل هل تلتزم تلك الجامعات وكليات الطب بالمعايير العالمية المتعارف عليها من حيث رسالة الجامعة وتفاعلها مع المجتمع؟ ربما الإجابة نفيا قاطعا لإسباب كثيرة تتقاطع مع بعضها البعض وأدني ما فيها ندرة الأستاذ الجامعي المتفرغ لواجباته العلمية المجتمعية وليس علينا أن نصب جام غضبنا علي الوضع الإقتصادي أو أن نقحم المقاطعة الأمريكية في كل ما يصيبنا ولا أن نتحدث عن نظرية المؤامرة في ما حاق بالتعليم الجامعي من تدهور وفي نفس الوقت ما وصلت إليه الخدمات الطبية في كل ربوع الوطن من سوء. نعيب زماننا والعيب فينا وليس لزماننا عيب سوانا.
هل أي جامعة تم إنشائها كان وفق رؤية علمية ومهنية وإقتصادية وإجتماعية تراعي الوطن وإحتياجاته ومستقبله وتطوره ونمائه؟ أم أن ذلك جاء وفق كل من يملك المال يمكن له أن يفتتح جامعة من أجل الإستثمار في عقول الطلبة؟
لنأخذ مثالا حيا الجميلة ومستحيلة كانت منارة سامقة ولكن كيف حالها اليوم؟ يُرثي لها وتدهُور في جميع مناحيها للأستاذ وللطالب علي حد سواء من تدريب وسكن وإعاشة وإجبارالأساتذة علي الهجرة لأن بيئة ومناخ العمل طاردة في جميع الكليات.ثم نأتي للجامعة الوطنية التي تم إفتتاحها في عام 2005 بأربعة كليات ثم صارت في 2013 جامعة بعشرة كليات وأنشأت مستشفي تعليمي خاص بها يضم حوالي 200 سرير عامة وخمسين سرير خاص ومثلها للعناية المكثفة والحالات الحرجة والأطفال ، وفوق ذلك مكتملة من ناحية الأستاذ وبيئة ومناخ العمل ولهذا تم إعتمادها من المؤسسة البريطانية لإعتماد الجامعات وهذه ميزة كبيرة لخريجيها.
هل يمكن العمل علي إستبقاء الأستاذ الجامعي في ظل هذه الظروف الإقتصادية وبيئة ومناخ العمل الطاردة؟ الأخ السيد النائب الأول بشرنا بأن هذا العام سيشهد تحسنا ملحوظاً في وضع الأستاذ المعيشي ونتمني أن يتحقق ذلك حتي تجد مؤسسات التعليم العالي نفسها كجزء من العالمي وكنا بالأمس نتفوق عليها في كل شيء، و اليوم نجرجر أذيال التدهور والذيلية في أي تقييم لجامعاتنا، علي الرغم من أن أساتذتنا وأطبائنا فطاحلة وعلماء يشار لهم وهم العمود الفقري للخدمات الطبية في العالم العربي وأساس الجامعات فيها ، بل إن أطبائنا بالآلآف في المملكة المتحدة وجزء من عمودها الفقري للخدمات الطبية .
إن مقولة نقل الخدمات الطبية للأطراف لم تجد قبولا من الأطباء لأنها دعوة حق أريد بها باطل ، بل هي دعاية ربما كانت شخصية محضة وفشلت في جذب الطبيب لها بل علي العكس أصبحت تلك المؤسسات العلاجية ولتدهور بيئة ومناخ العمل فيها وإذلال الطبيب وظلمه طاردة بكل المقاييس وأبلغ دليل أن يدفع الطبيب عشرات الملايين لنيل حريته من الصحة ليفتدي عمره ومهنيته ورسالته وإنسانيته ليهاجر حيث يُكرم الإنسان طبيبا ومريضا ومواطنا، هل من يدرك ذلك ليجلس مع الأطباء لدراسة هذه الظاهرة؟
علي الدولة أن تقوم بتوفير مراكز الرعاية الصحية الأولية بمستوي يكون جاذبا للأطباء والكوادر من أجل إستبقائهم وأن تتدرج في توفير الخدمات الصحية وصولا لقمة الهرم وأن لا تغفل توفرها توزيعا عادلا في كل الوطن،.
إن إستبقاء الأطباء وأساتذة الجامعات لا يمكن أن يكون عبر بناء بعض الشقق للتمليك، ولا أن يعطي الطبيب قطعة أرض وهو في الخرطوم أقرب لشمال كردفان لا تزيد مساحتها عن 300مم ويعلمون أنه إن عمل لعشرات السنوات لن يتمكن من بناء مجرد سور لها في ظل هذه المرتبات ومتطلبات الحياة والسكن والترحيل بل وحتي العلاج له ولإسرته، إذاً والحال هكذا فإن أقرب طريق هو الهجرة.
للإستبقاء لابد من عقودات مجزية جدا وليس الإلتزام الحرفي بتدرج الخدمة المدنيةورواتبها ، فهل يعقل إختصاصي يعمل بألف جنيه شهريا في أمصفقا عُراضوزميله في السعودية ينال 30 ل40 ألف ريال شهريا؟ مالكم كيف تحكمون؟ أين التدريب المستمر داخليا وخارجيا؟ أين الترحيل وتوفيره؟ أين الميزات والإستراحات والدوريات؟ أين مساعدات تقديم خدمة طبية مثالية من معدات وآلات وعقاقير؟ الطبيب الشاطر في وطننا موجود وهم كثر ولكن! هل يحس المسئول بمعاناتهم علي حد سواء مع المرضي؟ إن قارنا دراستهم وسنينها نجد أن من هم أقل منهم في سنين دراستهم ينالون الحظوة في كل شيء حتي بدل عدوي ينال الطبيب حوالي 50 جنيه ومن ليس لهم علاقة مع الممارسة الطبية ينالون ربما عشرات الأضعاف ! لماذا؟ أم أن العندو القلم ما بكتب رقبتو شقي؟؟؟
السودان به حوالي 330 إختصاصي تخدير ، ولكن للأسف معظمهم في الدياسابورا لإن بيئة ومناخ العمل طاردة يتوزعون بين آيرلندا وإنجلترا وأستراليا وكندا وأمريكا والبرازيل والسعودية والخليج وهم أينما حلوا كانوا قلادة شرف لوطنهم السودان الذي أجبرهم علي الهجرة ، فمن يتحمل مسئولية خروجهم مُجبرين؟
كسرة: ذكر السيد أحمد الطيب الأمين العام لوزارة التعليم العالي أن نسبة الأساتذة للطلبة في الجامعات السودانية قد تصل إلي أستاذ واحد لحوالي 90 طالب ، تصوروا هذا القصور وما زالت هجرة العقول في إزدياد مُضطرد، ماذا أعددتم لإستبقائهم؟ مرتبات؟ سكن ؟ ترحيل؟ علاج؟ ضمان إجتماعي؟ تدريب ؟ إبتعاث لنيل دكتوراة؟ معاملة إنسانية تليق به كأستاذ جامعي هل ينعمون بها ؟مثالا لذلك هل يعقل أن يكون رئيسه في العمل من كان أمس طالبه لأن ذلك محصور في أولاد المصارين البيض وأهل الولاء؟ لن يتحسن الوضع مادام هنالك من يفكرون بقولهم خليهم يهاجروا بجو غيرم أو بندرب غيرم أو الهجرة لا تزعجني أو غير مقلقة؟ إنه قول فطير مِن من لا يدرك ماذا تعني أستاذ جامعي مُستقر ماديا ونفسيا وإجتماعيا وتدريبا وبعثات وضمان صحي ومجتمع معافي يحس بأنه له قيمة .
أخيرا علينا أن نقف تعظيم سلام لإسرة وإدارة ومؤسسي الجامعة الوطنية
وهم يتجردون لخدمة الوطن والمواطن عبر أسس علمية ومنهجية وصرح المستشفي يقف شامخا شاهدا فهل يحذو آخرون حذوهم وهم قادة للعمل الصحي في الوطن؟
اللهم أستر فقرنا بعافيتنا
sayedgannat7@hotmail.com