إستقالة حمدوك في الميزان !!

 


 

 

يختار كثير من الزعماء تقديم خطاب تنحيهم من القيادة في خطاب مفتوح للشعب يتلونه بصوت متهدِّج وحزين، ويحصدون بموجب هذا السلوك على قدر كبير من التعاطف، وفي كثير من الحالات يؤدي ذلك إلى غفران الشعب لأخطائهم والتمسك بقيادتهم.

خطاب حمدوك ليس إستثناء من هذه القاعدة، فقد طالعت عشرات التغريدات التي عبّر أصحابها عن حزنهم على مغادرته، وفي مجملها أجمعت التغريدات على وصف حمدوك بأنه رجل شديد التهذيب وعفيف اللسان لم يسرق ولم يقتل .... إلخ، وهي أوصاف يصلح أن يطلقها المرء في تزكية خطيب لبنت الجيران، لا في جرد حساب النجاح والفشل في أعمال رئيس وزارة من واقع مسؤليته الدستورية والقانونية.

الجرد الصحيح للحساب ليس في مصلحة حمدوك، وفي ذلك نبدأ من الآخر، فقد ساهم حمدوك بموافقته – دون أن تكون له صفة - على توقيع الإتفاق الإطاري مع الإنقلابيين في إستقوائهم على الثورة، بما جعل الموقف الدولي والإتحاد الأفريقي من رفض الإنقلاب يتراجع، وقد كان حمدوك والإنقلابيون معاً يعتقدون أن إستمرار حمدوك في رئاسة الوزارة سوف يؤدي للحفاظ على المكاسب التي تحققت بعد قيام الثورة من رفع إسم السودان من قائمة الإرهاب وإعفاء للديون، وقد فات عليهما معاً أن تلك المكاسب تحققت بدماء الشهداء التي أزالت السبب الذي وضع البلاد في تلك المكانة لا بتقدير العالم لحمدوك في شخصه، والدليل على ذلك، أن العالم قد تراجع مرة أخرى في التعامل مع إسم السودان بعد إستيلاء العسكر للسلطة وفي وجود حمدوك.

نعم، كان حمدوك في غاية التهذيب وعفة اللسان، ولكنه الشخص الذي إختار تسليم ملفي الإقتصاد ومفاوضات السلام لقائد قوات الجنجويد "حميدتي"، على الرغم من إختصاص مجلس الوزراء بهما، ونتيجة ذلك معروفة، وهو الذي شارك في تقويض الوثيقة الدستورية بموافقته على تشكيل الحكومة الثانية عن طريق المحاصصة الحزبية بالمخالفة للوثيقة.

نعم، كان حمدوك في غاية التهذيب وعفة اللسان، ولكنه الشخص الذي إمتنع - دون تفسير - عن إنشاء المفوضيات التي نصت عليها الوثيقة الدستورية، ومن بينها مفوضية الإنتخابات ومفوضية مكافحة الفساد ومفوضية الإصلاح القانوني، والأخيرة كان منوطاً بها تشكيل مجلسي القضاء والنيابةوتعيين رأسيهما وإعادة بناء المؤسستين وتنظيفهما بدلاً عن ترك ذلك للجنة ذات منشأ وتكوين سياسي، كما أن حمدوك هو الذي قام بإختيار أسماء لجنة التحقيق في فض الإعتصام برغم التحفظات التي قدمت اليه حول عدد من أفرادها.

نحن نظلم الوطن برهن مصيره ومستقبله على وجود أو غياب أفراد، والواجب الآن أن نلتفت إلى مواضع الضعف التي تتسبب في تأخير إنتصار الثورة وإنهاء حكم الإنقلاب، بما يكلف ذلك من أرواح ودماء، وهي أخطاء واضحة أهمها غياب الإتفاق على البرنامج والرؤية لمرحلة ما بعد زوال حكم العسكر. وهذا مبحث آخر لنا فيه عودة.
//////////////////////

 

آراء