إعلان جدة واستمرار الحرب

 


 

 

1
لم يتضمن إعلان جدة أي التزام بوقف الحرب ، رغم مخاطبته لقضية الجانب الانساني في الحرب ، فلم يؤكد غير ماورد في القانون الدولي مثل : اتفاقية جنيف لحماية المدنيين 1949 في ظروف الحرب ، وايصال المساعدات الانسانية بأمان ، واستعادة الخدمات الأساسية ، وانسحاب القوات من المستشفيات والأحياء السكنية والمنازل ، والسماح بدفن الموتي باحترام، ووقف التعذيب، والسماح للمدنيين بمغادرة مناطق النزاع ، وتوفير الاحتياجات الأساسية لبقائهم على قيد الحياة. الخ، وغير ذلك مما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية لحماية المدنيين في الحرب.
كما تحدث الإعلان عن وقف لاطلاق النار لمدة تصل الي عشرة أيام ، وآلية مراقبة سعودية – أمريكية لوقف اطلاق النار بدعم دولي، وحديث عام عن التزام بمواصلة المفاوضات. فالاعلان في جوهره كما أشرنا سابقا حديث عام مقتبس من القانون الدولي الذي تم انتهاكه منذ الحرب التي نشبت في 15 أبريل الماضي ، وحدثت فيها جرائم حرب، رصدناها في مقالات سابقة ، تستوجب تقديم المسؤولين عنها للمحاكمات مثل: قصف المستشفيات، وحالات التعديب ، و حرق نهب ممتلكات المواطنين والبنوك، والمصانع والاسواق ، ومحطات المياه والكهرباء، واتخاذ المدنيين دروعا بشرية ، وقصف الأحياء السكنية ، واحتلال المنازل والمرافق العامة مثل : المستشفيات وتحويلها لمنصات عسكرية ، وتدمير 67% من مستشفيات العاصمة ، وكسر السجون لاطلاق سراح المساجين ومجرمي الحرب من قادة النظام البائد المفترض تقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية، مما زاد من معدل الجريمة والنهب في ظل غياب الشرطة.
رغم الإعلان ، لكن استمر خرقه والقانون الدولي، كما في القصف الجوي للمواقع السكنية كما حدث في جنوب الخرطوم وجبل أولياء ، ورفض الخارجية السودانية جلسة لمجلس الأمن عن حقوق الانسان ، واستمر نهب المحال التجارية والبنوك بسوق ليبيا ، وبنك النيل شارع الستيين ، والبنك الفرنسي السوداني شارع المعرض ، ومحاولة نهب المخزون من الذهب في البنك المركزي. الخ. وغير ذلك من جرائم الحرب التي هي امتداد لجرائم العسكر بشقيه اللجنة الأمنية والدعم السريع منذ الإبادة الجماعية في دارفور، وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ، ومجازر هبة سبتمبر 2013 ، و8 رمضان ومجزرة فض الاعتصام ، وما بعد انقلاب 25 أكتوبر، ونتيجة للتهاون وعدم المحاسبة وتقديم المجرمين للمحاكمات، والافلات من العقاب بالتسوية التي تمت في "الوثيقة الدستورية" المفروضة من المحاور الاقليمية والدولية التي قننت الجنجويد دسنوريا، واسترار ارسال الجنجويد لحرب اليمن ، وباركتها قوى الهبوط الناعم في قوى الحرية والتغيير ، التي كافأت المجرمين بمناصب سيادية، مما شجعهم على الاستمرار في المجازر، والانقلابات والصراع على السلطة والثروة، ونهب ثروات البلاد ، والارتباط بالمحاور الخارجية.
2
لكن يبقي واجب مواصلة الحملة لوقف الحرب ومحاصرتها حتى لا يطول أمدها ،وتنتشر انتشار النار في الهشيم ، وتشمل ولايات السودان الأخري والدول المجاورة مثل ما بدأ يحدث من ابادة وعنف في الجنينة بغرب دارفور ، والاشتباكات في الأبيض، ومايحدث من اشتباكات بين قبيلتي المعاليا والمسيرية بولاية غرب كردفان، الخ، وافشال مخطط الفلول والدعم السريع ، لنقل الحرب للولايات، مما يتطلب يقظة جماهير الولايات والقبائل ، ومواصلة تضامنها العطيم في ايواء النازحين من الخرطوم، مما يؤكد قوة وتلاحم وتضامن شعب السودان.
الخطر الآخر الذي يساعد في استمرار اشتعال نيران الحرب ، هو التدخل الدولي بالاسلحة والدعم "اللوجيستي " من المحاور المرتبطة بها القوى المتنازعة حاليا ، بهدف استمرار نهب ثروات البلاد ، مما يتطلب التمسك بوحدة وسيادة البلاد.
فالخرطوم دائما كانت مقبرة للمحتلين كما حدث لقوات الاحتلال التركي- المصري ، والانجليزي – المصري، والأنظمة العسكرية بعد الاستقلال مثل : ديكتاتوريات 17 نوفمبر 1958، و25 مايو 1969 ، وانقلاب الانقاذ في يونيو 1989 الذي ما زالت بقاياه مستمرة مع الدعم السريع كما في انقلابات اللجنة الأمنية في : 11 أبريل 2019 ، ومجزرة فض الاعتصام، وانقلاب أكتوبر 2021 الذي وجد مقاومة كبيرة ، اضافة لتفجر الصراع بين حلفاء الأمس البرهان وحميدتي مما قاد للحرب الحالية التي هي استمرار لمجازر دارفور، وسياسة الأرض المحروقة ، ونهب الممتلكات، وقطعا ستكون الخرطوم مقبرة للجنجويد ومسلسل انقلابات "الكيزان" التي وصلت لطريق مسدود.
3
يجب ضمان توصيل المساعدات الدولية للاغاثة للمحتاجين بدلا من أن تتحول لمصدر ثراء ونهب جديد للدعم السريع و"الكيزان"، وتسريبها للاسواق ، وتكوين اللجان القاعدية مع المنظمات الدولية لتوصيلها للمحتاجين والمتضررين من الحرب ،اضافة للمطالبة بتقديم قيادات اللجنة الأمنية والدعم السريع للمحاكمات في جرائم الحرب التي نتج عنها الدمار الكبير الذي شمل العاصمة الخرطوم ، باعتبار أن هذا الدمار كما اشرنا سابقا امتداد للدمارالذي نتج عن الانقلابات السابقة.
احدثت الحرب واقعا جديدا ، وسوف تحدث تحولات كبيرة في المجتمع السوداني بحيث لا يفيد كثيرا الرجوع للاتفاق الإطاري كما جاء في المبادرة السعودية – الأمريكية، والاتفاقات الهشة التي تعيد إنتاج الحرب ، مع رفض التدخل الدولي والمساس بالسيادة والوطنية ،ولا يمكن أن يكون لمجرمي الحرب دور في الفترة القادمة التي تتطلب عودة العسكر للثكنات وحل الدعم السريع وكل المليشيات" الكيزان ، الحركات" ، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، الحل الشامل لقضايا السلام، وعقد المؤتمر الدستوري، والتغيير الجذري الذي يستهدف استدامة الديمقراطية والسلام ، ويضع حدا للانقلابات العسكرية التي أخذت 57 عاما من عمر الاستقلال البالغ 67 عاما وكانت وبالا على البلاد وختمتها بالحرب اللعينة الجارية حاليا.
4
أخير المحاور الدولية والاقليمية لا مصلحة لها في قيام نظام ديمقراطي مستقر في السودان، وتهدف لنهب ثروات البلاد ، ولتقنين وجود الجنجويد واللجنة الأمنية في العمل السياسي، والافلات من العقاب ، ولا تملك غير المبادرات والحلول التي تعيد إنتاج الأزمة والحروب في السودان ، ويبقي ضرورة مواصلة الآتي :
- الحملة الجماهيرية الواسعة لوقف الحرب ومحاصرنها وعد م اتساع رقعتها، ومواصلة العمل في الأحياء ومجالات العمل والدراسة لدرء آثار الحرب والتضامن مع المتأثرين بها، وخروج الجنجويد ومعسكرات الجيش من المدن.
- رفض التسوية التي تعيد إنتاج الحرب، ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها في الحكم المدني الديمقراطي، والتنمية المستقلة والمتوازنة، وانجاز مهام الفترة الانتقالية.
- التوثيق الدقيق لجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي لمعاملة المدنيين في الحرب ، والمطالبة بتقديم مجرمي الحرب للمحاكمات، وعدم الافلات من العقاب.
- تحقيق شعار الثورة في عودة العسكر للثكنات وحل الجنجويد ومليشيات "الكيزان" وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد.
- عودة كل شركات الجيش والأمن والدعم السريع والشرطة لولاية وزارة المالية.
- مقاومة مصادرة الحريات باسم حالة الطوارئ.، والتصدي للهجوم على لجان المقاومة والنقابات من الفلول، ورفض تجنيد الأطفال الشباب لتأجيج نار الحرب .
- مواصلة الحملة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
- تصعيد مطالب الجماهير التي تدهورت أوضاعها المعيشية وسحقها الغلاء، وفقدان وظائفها وعملها اليومي بسبب الحرب وتدمير المصانع ، وتوفير الاحتياجات الأساسة في التعليم والصحة والدواء، وخدمات المياه والكهرباء ، ومواصلة انتزاع النقابات والاتحادات والتنظيمات التي تدافع عن مصالح وحقوق الجماهير.

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء