إلى متى يهرب إسلاميو السودان من استحقاقات العدالة .!!

 


 

 

إن التفكير الدائم في كنه اسلاميو السودان والبحث في أسباب تصالحهم وتعايشهم مع الفساد والإفساد، وجرائمهم التي تنوء بحملها الجبال الرواسي، وجراءتهم الغريبة والعجيبة في حديثهم عن الإسلام، أمر ظل يشغلني لسنوات طويلة خاصة وأني شاهد على الكثير من جرائم سرقة المال العام، وأكلهم للمال الحرام ولأسرهم دون أن يحرك ذلك فيهم غيرة وطنية أو دينية، كما اني شاهد على الكثير من المواقف التي تعكس بُعد الكثير من قادتهم عن أخلاق الإسلام وتقاليد مجتمعنا السوداني، إن مفارقة الجماعة لجميل القيم جعلني أبحث في الكُتب والمراجع حتى أفهم هذه المفارقة المتمثلة في ارتكاب جرائم جاء الإسلام لمحاربتها وتطهير مجتمعاتنا من دنسها، يرتكبونها ثم يهتفون بالتكبير والتهليل، ويصفون كل من يعارضهم بعُملاء المخابرات العالمية..!.


وجدت ضالتي في أكثر من كتاب ومن مرجع، مثلا كتاب (الأمير) الذي ألفه الفيلسوف الإيطالي نيكولو مكيافيلي سنة 1513م، حصلت على عبارات من خلالها أدركت إن التمعن في ما كتبه هذا الفيلسوف بخصوص استخدام أساليب الكذب والخداع و(اللف والدوران) هو أمر فى غاية الأهمية، وأقصد بذلك عندما طلب مكيافيلي من أميره أن يكون أسداً وثعلباً، وأن يكون مُخادعا وأن لا يلتزم بالمعايير الأخلاقية، فكانت عبارته المأثورة (الغاية تبرر الوسيلة)، وهو ما يفسر لنا الكثير من القرارات السياسية والحروب والصراعات نشبت في المنطقة، تحت ذرائع وحُجج بعيدة تماماً عن الصدق والأخلاقية، لكن ما بال الذين يرفعون شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية لأكثر 7 عقود من الزمان..؟.!.


واضح أن اسلاميو السودان منذ بداية عهد الرئيس المعزول (1989)، وحتى الفريق عبدالفتاح البرهان (2022) قد قرأوا كتاب (الأمير) بتركيز شديد جدا، خاصة وأن الكتاب يأخذ الطابع الإعلامي التوعوي بعيدا عن الأطر العلمية والاكاديمية البحتة، وفي إحدى وصاياه ينصح مكيافيلي الحُكام بقول الحقيقة، لكنه أيضاً نصحهم بعدم قولها عندما تكون الحقيقة في غير مصلحتهم قائلاً: "سيجد الحاكم دائماً من يرغب من شعبه بأن يٌكذب عليه"، وان "هذا الكذب بالنسبة لهم هو الحقيقة بعينها، ولا بد من استخدامه باعتباره الحقيقة الوحيدة"..!.


فلا عجب أن سنوات حُكم الجماعة قد اتسمت بالكذب والخداع الذي أودى بحياة الناس، وهو ما يعني أيضا أن قرارت الحرب و العدوان وقتل المدنيين في كل انحاء السودان حتى هذه اللحظة يتم تبريره كذبا، وبما أن الصورة واضحة للعيان من تسجيلات مصورة فلا نجد إلا الانكار والكذب، أو الصاق التهم بأطراف ما انزل الله بها من سلطان، في الكثير من المواقف يربط اسلاميو السودان ارتكابهم لجرائم القتل اليومية والجماعية بأهداف تبدوا للمواطن العادي أهدافا (نبيلة)، كتوفير الأمن والاستقرار، إن كبير القتلة علي عثمان محمد طه قد وثقت له الفضائيات اجرامه الكبير من بينها محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني ومبارك، وأوامره بقتل المتظاهرين في انتفاضة سبتمبر 2013م و قتل الشباب في ابريل 2019م وجريمة فض الاعتصام التأريخية.

إن الغريب في الامر أن قادة الحركة في الدولة العميقة التي تحكم السودان الآن (2022) بعد كل هذه المآسي التي ارتكبوها في البلاد والعباد، لا زالوا يتحدثون عن أنهم على حق، وأن كل التيارات السياسية في السودان على باطل، تماماً مثل شخص قد حمل على جلده من الأوساخ أكواماً، يدخل مغطساً مليئاً بالماء ثم يخرج منه في الحال مُكتفياً بذلك، مدعياً أنه قد أصبح نظيفاً بتقريب الماء من بدنه رغم أنه لم يفقد من أوساخه شيئاً، حال طاغوت الشهوات قادتهم فأصبحوا صُماً عُمياً بُكما لا يقدرون على رؤية الصورة الحقيقية للأحداث، لذا من الطبيعي، وبرغم الدماء العزيزة التي أريقت في كل الأنحاء يرون أن الملايين من الشعب السوداني الذين خرجوا في كل ولايات البلاد وعبّروا عن كراهيتهم لهم إلا حفنة من المتآمرين وعُملاء المخابرات الاجنبية..!.


الإمام محمد الغزالي والحقيقة المرة

في مقدمة كتاب الامام محمد الغزالي (نظرات في القرآن) وجدت عبارات يقف عندها الانسان طويلا لما فيها من تجارب حياتية في واقع المسلمين..إذ يقول الغزالي:

"أجدني هنا مسوقًا إلى ذكر أمر ذي بال. إن تكليف القرآن أن يخلق من الطفولة رجولة ناضجة، أو من البله البيّن عبقرية نادرة شيء متعذر، هبّ رجلاً عملاقًا بادي الطول والعرض ذهب إلى خياط ماهر راق، ومعه ذراعان من القماش، وقال له فصل لي من هاتين الذراعين ثوبًا سابغًا!!. ماذا عساه يصنع ذلك الخياط؟!، هل المهارة مهما بلغت تستطيع أن تخلق من ثوب الصبي ثوبًا لرجل بدين طوال؟!، إن القصر في الخصائص الفطرية، والنقص في المواد الإنسانية الأولى للتكوين الصحيح شيء يعز على العلاج، ونحن نكلف الدين شططًا حين ننتظر من كتابه الكريم أن يصنع المستحيل، والمشكلة ليست فيما يصنعه الدين بذوي العاهات العقلية والروحية، إنما المشكلة في ما تكون حال الدين إذا حمله أولئك المصابون التعساء ؟!، كيف يعرضونه مستقيمًا هاديًا وهو يخرج من أنفسهم كما يخرج الشعاع من زجاج محدب ملون، لا تكاد تبصر على ضوئه شيئًا ؟؟"..(انتهى الاقتباس)

إن توضيح الشيخ محمد الغزالي لمسألة المفارقة في التصورات الخاطئة التي تؤدي لاصحابها للفشل الزرئع تظهر لنا تلقائيا الحالة التي يعيشها اسلاميو السودان " المُصابون التُعساء"..!.

لا أقول ذلك اعتباطا لأن الشقاء الذي آلم وأوجع أهل السودان من حُكم هؤلاء التعساء كان بسبب "غلبة الأهواء، وشيوع المظالم "، ويصف الغزالي في مكان آخر من كتابه المذكور "طغيان غرائز الاستعلاء والأثرة والظلم، والخضوع، مما جعل الألوف المؤلفة من الناس تقضي أعمارها في هذه الدنيا كما تقضيها قطعان الحيوان التي تُركب حينا، وتُؤكل حينا آخر!

أليس هذا هو حالنا؟ حيث الطغيان والظلم والاستهتار بأرواح المواطنين من 1989 وحتى تاريخ اليوم..!.


أي سجالات فكرية..؟!.

تابع القراء في الأيام القليلة الماضية سجالات عبر الوسائط المختلفة قيل انها فكرية ومعرفية جرت بين طرفين، الأول قد خرج عن الحركة (الاسلامية) وظل منذ سنوات يعمل فكره وعقله ويشارك القراء الكرام في ما ينتجه من آراء ووجهات نظر، والطرف الثاني هو كبير قيادات الاسلامويين ومفكرهم، مثله وكل القيادات التي أدارت البلاد 30 عاما لم يعترفوا بفعل إجرامي ارتكبوه، ولا دور قاموا به في دمار البلاد وشقاء العباد، إن مأخذي على هذه المساجلات انها غير متكافئة لا أعنى التكافو الفكري والمعرفي بل التكافئ العدلي.

من الشطط المشاركة في سجال مع طرف ظل لعقود من الزمان ولا زال يمارس القتل اليومي للمواطنين صغارا وكبارا ويمارس الهدم اليومي لإمكانيات البلاد، لا يؤمن بقيم العدل، وفي حُكمهم العضوض راحت الملايين من الأنفس حتى هذه اللحظة لم ينطقوا بكلمة عدل واحدة يعتذروا فيها لأهل الضحايا، ومن ثم يرجعوا الأمانات لأهلها، فإن الكثير من الشهداء من لدن رمضان 1990م إلى تاريخ اليوم لم يسلموا اماناتهم لذويهم، وبما أن جوهر المساجلات تتحدث عن الاسلام فإن أداء الأمانات من أهم ما جاء به الاسلام، والأمانة كذلك من أهم صفات المؤمن، حتى عند بعض العلماء لا يكتمل إيمان المسلم إلا بأن يكون أمينا، فالمؤمن لا يخون ولا يغدر، ترى كم فعلت (الحركة الاسلامية) في بلادنا من مآسي ومن كوارث ومن خيانات وخيبات، مع أن قتل المسلم من الكبائر التي تخرج الانسان عن الملة، إلا أن الجماعة لا يتورعون في ارتكاب هذه الجريمة، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا".

الهروب من العدالة

إن عدم اعتراف قادة الحركة (الاسلامية) بجرائمهم أدى إلى وقوع كوارث جديدة وهم مستمرين في تصفية الشباب في التظاهرات التي خرجت منددة بانقلاب 25 اكتوبر 2021م، لذلك استغرب الدخول معهم في مساجلات وحوارات، ولم يتوبوا عن سفك الدماء وعن سرقة المال العام، ولم يعترفوا بالفظائع التي مارسوها داخل المعتقلات من تعذيب واغتصاب وقتل، وبالتالي لم يعتذروا للشعب السوداني، ولم يُرجعوا الأمانات إلى أهلها، كيف يتم اعتبارهم طرفا راشدا وعاقلا وسويا يتبادل معهم الأخذ والرد..!.

خلاصة القول إن قادة هذه الحركة أنفسهم مفتوحة دائما لأي سجالات إلا السجال عن المظالم والحقوق والعدالة، بقناعة شديدة أقول إن هؤلاء القوم من المستحيل أن يكونوا قد قرأوا مقولة المفكر مالك بن نبي في كتابه (شروط النهضة) في قوله "مارسوا النقد لأنفسكم سيتغيّر واقعكم"، وأعتقد أن واقع الحال يغني عن أسباب عدم استفادة قادة الحركة (الاسلامية) من التراث الاسلامي لأنهم ببساطة لم يستفيدوا من التجارب القريبة جدا دعك من الاعتبار من تاريخ اراقة الدماء في الدولة العباسية والأموية..!..

وردا على السؤال المطروح فإن هروب الجماعة من استحقاقات العدالة سيستمر حتى يأتي اليوم الذي يلاقوا فيه عدالة السماء وحينما سيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون..


13 يونيو 2022م


khssen@gmail.com

 

آراء