إنتهت المسرحية .. إنصرفوا أيها الأغبياء ! …. بقلم: د. أحمد خير/ واشنطن

 


 

 

 

وقعت الواقعة فى اليوم الأخير من شهر يونيو من عام 1989 ، عندما سمع "محمد أحمد " بخبر إنقلاب قد حدث ! وقف شعر رأسه ، تحسر على حكم قومى لم يدم طويلاً،  خاصة بعد خروج البلاد من تحت حكم عسكرى جائر أطبق على صدر البلاد طوال 16 عاماً! تمتم محمد أحمد : عشان شنو تمرق البلد من مصيبة ، لتقع فى مصيبة تانية!؟ لم يجد إجابة! ظل السؤال يؤرقه لفترة طويلة ، تطلع خلالها إلى الأحزاب عل فيها من رجل رشيد يمكنه أن يسعفة بإجابة شافية ،ولكنه يعلم أن كل الأحزاب فى شغل شاغل تلملم أطرافها وتحاول أن تعرف طريقا للخلاص !  كل الطرق كانت مسدودة ولابصيص من أمل! الكل غارق فى دوامة من أثر المفاجأة ! فرك محمد أحمد عيناه وسار فى طريق مجهول عله يجد بصيص من نور فى نهاية النفق ! طال الأمد وطال إنتظاره لمن سينقذ البلد من بلاء حل به . الأحزاب هى أيضا كانت فى صدمة من جراء ماحدث !

توقف محمد أحمد على ناصية فى مفترق طرق لايدرى أيهما يختار وأيهما سيؤدى به إلى النور . جلس تحت شجرة  فى محاولة منه أن يستظل بقصير ظل كان يتمدد من تحتها ، لايبتعد عن الجذع إلا قليلاً ، فالوقت كان بعد الظهيرة بقليل وفى تلك الأوقات يشح الظل وتهجر العصافير أوكارها لتبقى بالقرب من موارد المياه علها تنعم بما يخفف من درجة الحرارة . الجميع يعرف أن شهر يونيو فى السودان ترتفع فيه درجات الحرارة إلى ذروتها ! ألذلك إختار الأبالسة هذا الشهر بالذات ليقوموا بإنقلابهم !؟ سؤال طرحه محمد أحمد على نفسه ولم يعطى نفسه فسحة ليستمع إلى إجابة تأتيه من داخل ذاته ، أو على الأصح لم يكن فى حاجة إلى إجابة ! نعم فعلها الأبالسة فى شهر يفور فيه كل شئ ! الشمس تفور والماء يفور والدم يفور ولاشئ يبقى على حاله! لم العجب ، أما إختارت الفئة العسكرية السابقة 25 من مايو موعداً لإنقلابها!؟ ربما العسكر يحبون الصيف ! هز كتفيه ، قام من تحت الشجرة يجرجر قدميه بدون أن يعرف له قبلة ، المهم أن يسير عله يلتقى بشخص ما يوضح له حقيقة ماحدث والأسباب الحقيقية من وراء ماحدث !

ظل محمد أحمد فى إنتظار أن يعرف ولكن بالرغم من مرور الأعوام الطويلة ظل كما هو لايعرف كنه ماحدث ولا أحد تمكن من أن يشرح له حيقيقة ماحدث ! فالكل مغيب يخرج من نفق إلى نفق !

أطرق  محمد أحمد السمع عندما جاءه صوت بشير يخبره بنبأ أن قيادات الأحزاب قد عقدت العزم على العمل سوياً  فى تجمع يلم شمل المعارضة ضد جماعة إنقلاب يونيو 1989 . تعجب مماسمع ولكنه لم يستبعد أن يكون بين تلك القيادات من له عقل راجح ربما يقودهم إلى صائبة الطريق!

وكانت لقاءات القيادات من مدنية وعسكرية وأخبار إنتصارات ربما كانت وهمية ولكنها كانت تدغدغ مشاعر الجماهير بأن الصبح قادم وعن قريب ! وطال الزمن ، ثم جاءت لقاءات " أسمرا "  وإتفاق " أسمرا " وباتت أسمرا هى حصان طرواده الذى سيأتى من خلاله الفرج ! ولم يأتى !

كانت الأخبار تأتيه مع بزوغ شمس كل صباح ، إنضم فلان للتجمع ، ثم خرج علان عن التجمع ، وإجتمع التجمع وإنفض التجمع إلى أن تبعثر التجمع ثم أصبح فى خبر كان ! لم يتحرك أحد لمساءلة التجمع ولالمجابهته ليرى سوءته ! إستغل النظام الفرصة وراح يرمى بشباكه حول التجمع وتلك الشباك لم تكن بدون مغريات ! بدأ النظام بالحركة الشعبية التى كانت تعمل من خلال التجمع لتحقيق أهداف أبعد من هدف التجمع الذى كان منحصرا فقط فى قلب نظام الحكم فى الخرطوم ! وتحقق للحركة ماكانت ترنو إليه فى إتفاق " نيفاشا" الذى سيؤدى فى النهاية إلى تقرير المصير بالنسبة لجنوب البلاد !

بدأ الإنحسار والعد التنازلى ليشهد التجمع نهايته وينخرط بعض من " مناضلى " الأمس فى قنوات النظام المختلفة ، إلى أن تشبع النظام وبات يلفظ الفائض من الذين قد حاولوا اللحاق بقطاره !

ظل محمد أحمد يتطلع إلى من يغيثه ولا مغيث حيث دخلت الأحزاب فى خلافاتها الداخلية وإنقسمت على نفسها " أصل " و " صوره " ومنها من فضل النضال من بلده " الأصلى " فى شمال الوادى ويزور السودان عند الحاجة ليجد الترحيب من السلطة ويجمع مافي النصيب ويعود أدراجه " معارضة قال!" وهناك من يقيم " التراضى " ظاناً بأن الحدأة ستلقى بفريستها فى آخر المطاف ! ومن الغريب أنه لم ييأس بل ظل فى نفس الخطاب يخدر مستمعيه ويؤكد لهم بأن الصبح قادم لامحال !

وكانت الإنتخابات ، ومحمد أحمد لازال يتلفت باحثا عن مخرج !  متوهماً أن المخرج سيكون من خلال أحزاب لم تعرف حتى اللحظات الأخيرة بأنها ستشارك أم ستقاطع ! ومحمد أحمد فى إنتظار القرار الأخير ! وطال إنتظاره إلى أن حان الموعد ، وجرت الإنتخابات وكانت النتيجة التى ظل معها الحزب الحاكم كماهو " ياجبل مايهزك ريح " لم يصدق محمد أحمد ، ظل متمسكا بالوهم القائل بأن رؤساء الأحزاب سيتحركون فى الوقت المناسب ، فالأمل لم يفارقه أبدا ! فجأة تصدح الموسيقى ، ويأتيه صوت يكاد أن يصم أذنيه يقول: إنتهت المسرحية .. إنصرفوا أيها ألأغبياء!           

Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]

 

آراء